* مواجهة قوية بين الحرس القديم وحرس الثورة * غلق للحدود واستنفار أمني غير مسبوق لضمان الانتقال الديمقراطي يبدو السياسي المخضرم الباجي قائد السبسي واثقا من إزاحة منافسه العنيد المنصف المرزوقي من رئاسة تونس في الانتخابات المقررة اليوم الأحد وهو يرى في الحبيب بورقيبة أول رئيس لتونس والذي يضع تمثالا كبيرا له في مكتبه رمزا ملهما لاستعادة هيبة الدولة.. أما المرزوقي فيرى أن هذه الانتخابات ستكون معركة حاسمة للتصدي لعودة النظام السابق ومواجهة بين قوى الثورة وقوى الماضي الفاسد، فهل يقلب المرزوقي الطاولة على السبسي؟ المرزوقي اختار أن يرقص مع أنصاره في جزيرة جربة في حفل خطابي على وقع أنغام نشيد يتغنى بالثورة التونسية في إشارة يسعى من خلالها لتقديم نفسه على أنه (حارس للثورة) ضد عودة فلول النظام القديم. والسبسي (88 عاما) كان وزيرا في عهد بورقيبة وشغل منصب رئيس البرلمان في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. وقد يشكل هذا مصدر قلق لقطاع من التونسيين بعد أربع سنوات من الانتفاضة التي أنهت عقودا من حكم الحزب الواحد. والسبسي ينافس المرزوقي رئيس الجمهورية الحالي في جولة إعادة الانتخابات الرئاسية اليوم الأحد والذي يفترض أن تكمل الانتقال الديمقراطي في تونس مهد انتفاضات الربيع العربي. وبعد أربعة أعوام من الانتفاضة التي أجبرت بن علي على الفرار وألهمت مصر واليمن وسوريا وليبيا أصبحت تونس الدولة الصغيرة في شمال أفريقيا منارة للتغيير الديمقراطي في المنطقة مع إقرار دستور تقدمي جديد وإجراء أول انتخابات برلمانية حرة في أكتوبر الماضي. لكن الأسئلة حول عودة الحرس القديم تهيمن على السباق الانتخابي بين السبسي السياسي المخضرم الذي كان ضمن الحزب الواحد السابق والذي يقدم نفسه على أساس القدرة على إدارة شؤون البلاد المتردية وبين المرزوقي الناشط الحقوقي الذي يعلن نفسه حارسا للثورة. ولئن تبدو حظوظ المتنافسين قوية فإن السبسي نال تأييد عدة أطراف سياسية بينما حظي المرزوقي بتأييد قواعد حركة النهضة في الجولة الأولى. ولم يتأكد حتى الآن دعم النهضة له في الدور الثاني مع إصرار رئيسها على التصريح بأن النهضة ستلتزم الحياد تجاه المرشحين. وتمكن مسؤولون من النظام القديم من العودة للسياسة بقوة من بوابة الانتخابات بعد حصول حزب نداء تونس الذي يتزعمه السبسي على 86 مقعدا في البرلمان متقدما على خصمه الإسلامي النهضة الذي كان أول حزب يفوز في انتخابات مجلس تأسيسي لصياغة الدستور في 2011. ويسعى السبسي للنأي بنفسه عن الفساد والتجاوزات والانتهاكات المرتبطة بالنظام السابق ويتقدم على أنه رجل ذو كفاءة وقدرة على إخراج البلاد من أزمتها الاقتصادية والأمنية وإعادة هيبة الدولة بعد وضع هش وغير مستقر دام سنوات. وقال السبسي في اجتماع شعبي أثناء حملته الانتخابية (هل تعتقدون أن رجلا في سني سيتغول الآن ويقيد الحريات؟ سأكون رئيسا لكل التونسيين وأريد أن أعيد هيبة الدولة). وبينما لا تزال ليبيا ومصر تكافحان مع كيفية التعامل مع مخلفات النظام السابق عاد جزء من مسؤولي النظام السابق للسياسة في تونس ضمن توافق سياسي أنقد الانتقال الديمقراطي الهادئ في المنطقة المضطربة. وبعد أن منعوا من خوض انتخابات 2011 تمكن مسؤولو بن علي من المنافسة في انتخابات 2014. وحتى مشروع قانون لعزلهم لم يمر للتصويت بعد توافق بين الخصمين حركة النهضة الإسلامية ونداء تونس العلماني العام الماضي. والسبسي الذي تعرض لانتقادات ساخرة من خصومه بسبب سنه غالبا ما يستحضر بورقيبة في دعوة التونسيين للأمل في مستقبل يراه تقدميا وحداثيا وأكثر استقرارا. وعلى الرغم من أن بورقيبة هو من أسس للحزب الواحد ولرئاسة فردية مدى الحياة وماض غير ديمقراطي يعترف كثير من التونسيين بأن له الفضل في نشر التعليم على نطاق واسع ودعم حقوق المرأة وتنمية الاقتصاد. ويحرص المرزوقي على الإشارة لفترة حكم بن علي ويقول إن فوز السبسي تقويض لثورة الياسمين وخطر على الديمقراطية من خلال ترسيخ النفوذ من جديد في أيدي الحرس القديم أو ما يعرف في تونس بأزلام النظام السابق. ولكن نداء تونس لا يضم مسؤولين من النظام السابق فقط في صفوفه بل هو مزيج من الشرائح السياسية التي تضم نقابيين ويساريين. ويقول المرزوقي وهو مدافع شرس عن حقوق الإنسان في عهد بن علي وسجن أيضا بسبب مواقفه المعارضة للنظام إن (السبسي لا يعرف ما هي الديمقراطية .. وهو ليس رجلا ديمقراطيا). وقبل أربع سنوات أقدم بائع الخضر محمد البوعزيزي على حرق نفسه ليشعل ثورة أنهت حكم بن علي احتجاجا على الفقر والتهميش. ولكن جزءا من التونسيين لا يخفون إحباطهم وهم يرون مسؤولين من النظام السابق يعودون للواجهة. ويقول علي مكي وهو شقيق شاب قتل برصاص الشرطة أثناء انتفاضة 2011 لرويترز لقد دفعنا ثمنا باهظا والآن النظام القديم بشكل جديد. سنواصل المعركة من أجل الحرية وسننتصر . * سلطات محدودة عقب فوز نداء تونس في الانتخابات البرلمانية تمكن السبسي من حصد 39 بالمئة من أصوات الناخبين في الدور الأول من انتخابات الرئاسة بينما حصل المرزوقي على 33 بالمئة من إجمالي الأصوات. وفي حال فوز السبسي فإن الحقائق الاقتصادية والأمنية الحالية في تونس قد تعرقل أي محاولات من جانبه لتكديس السلطة بعد فوز حزبه وقد تجبره على التعامل مع بقية الفاعلين السياسيين بمن فيهم خصمه الإسلامي حركة النهضة. ولا يتمتع نداء تونس بأغلبية مطلقة في البرلمان مما يدفعه للبحث عن توافق في تعيين رئيس للوزراء. ويؤكد السبسي أنه لن يقصي أي طرف سياسي بما في ذلك الإسلاميون من المشاورات حول تركيبة الحكومة المقبلة وأنه سيكون رئيسا لكل التونسيين وسيتعامل مع كل الأحزاب بنفس الطريقة. وصلاحيات رئيس الجمهورية محدودة نسبيا مقارنة بنفوذ رئيس الوزراء. ويقتصر دور الرئيس على تحديد السياسة الخارجية والتعيينات في الدفاع. وسيكون الرئيس المقبل لتونس أول رئيس منتخب بشكل ديمقراطي وحر بعد أن كان انتصار بن علي محسوما خلال كل انتخابات الرئاسة. والنهضة تمثل قوة هامة في البرلمان إذ لها حوالي 69 مقعدا من إجمالي 217 مقعدا واستبعادها من قبل نداء تونس في تشكيل الحكومة لن يكون قرارا سهلا بالنسبة للسبسي الذي يعي أن تونس تحتاج حكومة قوية لمواجهة أي توترات اجتماعية نتيجة إصلاحات اقتصادية تحتاجها تونس لاستعادة نسق النمو وخلق فرص العمل. ويقول ريكاردو فابياني المحلل في مجموعة أوراسيا جروب بهذه النتيجة الحكومة المقبلة ستكون عاجزة عن القيام بأي إصلاحات اقتصادية ، مشيرا إلى أن تونس تواجه تحديات قد تفرض حكومة ائتلافية أو حكومة وحدة تضم عدة أطياف سياسية. خطة أمنية شاملة لتأمين الانتخابات اتخذت السلطات الأمنية التونسية جملة من الإجراءات الأمنية لتأمين العملية الانتخابية للدورة الرئاسية الثانية التي تجرى اليوم الأحد وسط منافسة حادة بين المرشحين الباجي قايد السبسي و الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي. وتجري هذا الإنتخابات في وقت تعيش فيه ليبيا معارك عنيفة بين الجيش والميليشيات المسلحة ،حيث وتخشى تونس من تسلل الجماعات الإرهابية، لكن وزارة الداخلية أكدت جاهزيتها للتصدي لأي عمل يستهدف ما أسمته تعكير صفو العملية الانتخابية . وكشف وزير الداخلية لطفي بن جدو في وقت سابق عن وجود تهديدات ارهابية جدية تستهدف ضرب المسار الانتخابي خاصة لدى الخلايا الناشطة في المرتفعات والجبال غرب البلاد قرب الحدود الجزائرية. وفي هذا السياق، قررت خلية الأزمة التابعة للحكومة التونسية إغلاق المعبرين الحدوديين مع ليبيا رأس جدير و الذهيبة بداية من ليلة الخميس وحتى يوم الأربعاء المقبل، باستثناء الحالات العاجلة والإنسانيّة. هذا وكان المتحدث باسم وزارة الدفاع التونسية ،قد أعلن في وقت سابق بأن الجيش سينشر نحو 36 ألف جندي لتأمين الدور الثاني للانتخابات الرئاسية ليضافوا بذلك الى عناصر الأمن المقدر عددهم ب 60 ألف عنصر. وقال المتحدث باسم الوزارة بلحسن الوسلاتي، إن الجيش سينشر 28 الف جندي لتأمين العملية الانتخابية بصفة مباشرة، بينما خصص ثمانية آلاف عسكري للتدخل السريع. وأضاف الوسلاتي في تصريحاته لوكالة الأنباء التونسية ، أن المؤسسة العسكرية ستعتمد على حوالي 1800 عربة نقل برية وست طائرات نقل جوي و12 مروحية مسلحة وأربعة زوارق بحرية سريعة لنقل العسكريين والمعدات الانتخابية، إضافة إلى توفير سيارات إسعاف ومروحيتين للإخلاء الصحي . وكانت وزارة الداخلية أعلنت في وقت سابق عن نشر قرابة 60 ألف عنصر أمني بتأمين سير الانتخابات ليرتفع العدد بذلك الى قرابة 100 أمني وعسكري منتشرين في كامل أنحاء البلاد لتأمين سير العملية الانتخابية في أكثر من 11 الف مركز اقتراع علاوة على حراسة المقرات الحكومية والمنشآت الحساسة.