ينبض كل شيء في حفل الذكرى الثالثة لرحيل أميرة الطرب العربي في قسنطينة بوردة ولوردة. عائلات حضرت إلى قاعة “أحمد باي” منذ الصباح الباكر وحجزت لها مكانا، شباب وشيوخ وحتى صبية، كانوا في الموعد لتخليد ذكرى وردة الجزائر، التي لها في قلب الجزائريين عامة والقسنطينيين خاصة مكانة لا تأخذها أي فنانة عربية أو جزائرية بعد رحيلها. كان الحفل استثنائيا كما كانت وردة الجزائرية استثنائية بإطلالتها وحضورها وحبها لوطنها، ولم تبخل عليها الجزائر بالتقدير والاعتراف، سواء في حياتها، بأن أحيت أكبر أفراحها واحتفالاتها، أو بالتكريمات التي حظيت بها من رؤساء الجزائر، منذ الراحل هواري بومدين إلى الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة الذي قدّم لها وسام الاستحقاق، كما لم تبخل عليها، أول أمس، بحفلها الكبير في الذكرى الثالثة لرحيلها الذي احتضنته قاعة العروض “أحمد باي” وتداول على منصتها ألمع الأسماء الفنية العربية. حرص المنظمون أن تكون وردة الجزائرية متواجدة في كل مكان عبر الملصقات وبث الأغاني العاطفية الوطنية التي تسمعها في كل مكان، حتى في كل السيارات الرسمية الخاصة بالديوان الوطني للثقافة والإعلام المشرف على تنظيم الحفل، والتي تقل ضيوف الجزائر والوفود الحاضرة من كل الوطن العربي لبنان، سوريا، مصر، تونس، المغرب، الأردن، العراق، الإمارات العربية المتحدة، من أغاني وطنية إلى أغاني عاطفية، كما تزيّنت قاعة “أحمد باي” لاستقبال الذكرى بكل ألوان الطيف، ولم تؤثر بعض النقائص على مجريات الحفل الذي انطلق متأخرا ساعة كاملة عن موعده وبث مباشرة على القناة العمومية الجزائرية. امتزج الفرح بالحزن، في الذكرى الثالثة لرحيل سيدة الطرب العربي وردة الجزائرية، فبكى الحضور حين عرض الشريط الوثائقي الذي وقف على إنتاجه لخضر بن تركي شخصيا وجمعت صوره من أرشيف الديوان الوطني للثقافة والإعلام، بقراءة متميزة للإعلامي مراد بوكرزازة، أدمعت عيون نجل الراحلة رياض القصري ومعه كل الحضور، حيث استحضر اللحظات الرائعة لعلاقة العشق المتميزة التي ربطت وردة بوطنها الجزائر منذ بداياتها الأولى مع أغاني “يا رايح لبلاد سلّم لي عليهم”، إلى “جميلة” إلى “وطني الأكبر” أين كانت صوت الجزائر المستقلة، فرحلتها بعد ذلك وقصتها مع المحطات الكبرى للجزائر، في الذكرى العاشرة للاستقلال، أين وقف الرئيس الراحل هواري بومدين لها مصفقا، إلى عودتها وبطلب منه في أغنيتها المميزة “من بعيد” بعد أن اعتزلت الغناء. الحرمان كبير والدمع سبق التصفيق في كثير من محطات الحفل، كيف لا والجمهور يسمع أغاني وردة بدون وردة، حنان صوت وردة ووقفة وردة كالجبل وسط المنصة وهي تصدح بالوطن والحب كانت بداية الحفل الذي أشرف عليه المايسترو اللبناني بسام بدور مع زكية محمد وتتابعت الأسماء، أيمن الأعتر، ندى الريحان، ديانا كرزون، رضا العبد الله، رويدا عطية، محمد عساف، هدى سعد، وائل جسار، غادة رجب وصابر الرباعي والقائمة طويلة. كلهم قدّموا أغاني وردة عن الحب والوطن، ليبقى السؤال يتردد في أذهان كل الجزائريين بعد أن رحلت وردة من سيغني للجزائر في أعيادها ومن يصدح بعيد كرامتها ستشتاق إليها الجزائر وتحس بالغربة، مثلما اشتاقت وردة وأحست بغربتها بعيدا عنها. حضر الحفل وزير الثقافة عز الدين ميهوبي وعدد من الوجوه السياسية والإعلاميين العرب، جمال فياض ورانية برغوت، نضال الأحمدي، بلال العربي، مصطفى الكيلاني، سهام علي مندور، تلفزيون مصر، وعباس مظهر قناة جرس، بالإضافة إلى الجزائريين، حضر صباح فخري، الكينغ خالد والدوكالي، ميسون أبو سعد، حورية عيش والفرڤاني ورابح درياسة ولعماري ذيب العياشي، حمدي بناني، محمد عجايمي وغيرهم. صعوبة في تنظيم حفل وردة الجزائريةبقسنطينة عرف الحفل الفني الذي أقيم للفنانة الراحلة وردة الجزائريةبقسنطينة في العيد الوطني للفنان، صعوبة في التنظيم بعد أن وجد عدد من إطارات وزارة الثقافة، وولاة عدد من الولايات الشرقية، وحتى إطارات سامية في الجيش، أنفسهم ممنوعون من الدخول. ظل الوفد الذي سبق وزير الثقافة، يجوب مختلف أنحاء قاعة “أحمد باي” بحثا عن مدخل يلجون منه للقاعة، ليواجهوا برفض المكلفين بالحراسة السماح لهم بالدخول، قبل تدخل مسؤولي البروتوكول على عدة مستويات، والذين طالبوا بالاتصال بوالي قسنطينة. وبعد مدّ وجزر، وجد الحراس أنفسهم مجبرين على فتح المدخل الرئيسي المخصص للفنانين، ورغم ذلك لم يسلم الوفد الرسمي من الدفع، بعد أن حاولوا منعهم مجددا على اعتبار أنه لا يدخل أي أحد حتى التحقق من هويته. نفس الوضعية عاشها إطارات سامية في الجيش ممن كانوا يحملون دعوات خاصة بكبار الشخصيات، حيث منعوا من الدخول قبل تدخل عدة جهات لفتح الأبواب ودخولهم رفقة عائلاتهم. أصداء من الحفل شوهد حضور الممثلة المصرية إلهام شاهين التي لم تبرز كثيرا للإعلام رغم أنها ممن تقول إنها مقربة من وردة الجزائرية. حرص وزير الثقافة عز الدين ميهوبي على حضور حفل وردة إلى آخره والاستمتاع بكل المطربين العرب، وأبدى إعجابه بصوت غادة رجب التي أدت رائعة وردة “في يوم وليلة” والتونسي صابر الرباعي. بكى نجل الراحلة وردة الجزائرية طويلا ومرات عديدة، ولم يستطع حتى الإدلاء بتصريح للإعلاميين. سجل الحفل نقطة سيئة بعد التصريح الذي أدلى به محمد الطاهر الفرڤاني والذي صدم الحضور وأربك مقدمة الحفل نجية خثير، حين قال إن وردة كان عمرها 17 سنة حين بدأت تغني في ملهى “كباريه” يملكه والدها. قضت بعض الجهات الأمنية طيلة يوم الاثنين في انتظار رئيسة حزب العمال لويزة حنون لتحضر إلى قسنطينة، دون أن يعلم أحد برنامج عملها، ليتبيّن في المساء أنها جاءت لقسنطينة كي تحضر حفل تكريم وردة الجزائرية، مما علّق عنه بعض الحاضرين بأن حضورها هذا “زكارة” في وزيرة الثقافة السابقة نادية لعبيدي، بعد عدم الرضا عن عاصمة الثقافة العربية وسلسلة الاتهامات التي أطلقتها حنون ضد هذه الأخيرة. تفاجأت بعض الفنانات الجزائريات المشاركات في حفل تكريم وردة الجزائرية، بعدم وجود حلاقات لتزيينهم قبل الحفل، حيث أن منهن من كانت بشعر مبلول، كما أن الأمن منعهن من الخروج من الفندق، دون أن يكنّ في الموكب الرسمي، ليتم في الأخير جلب حلاقات إلى الفندق من أجلهن. قالوا عن وردة الجزائرية نجل الفنانة وردة رياض القصري “وردة كرّمها جمهورها قبل أن تكرمها أي جهة” أنا شخصيا، أرى أن وردة في حفلتها هذه هي من كرمت الجميع ولم تكرم، لأنها منحت بغنائها الحب والفن الراقي لهم، ولا أخفي أمرا أن الجزائر وحدها من كرمت وردة وهي حية وأعتبره فخرا، وهو ما أقوله في كافة البلدان العربية الأخرى وهذه شهادة لا ينبغي إخفاؤها، وكانت السلطات دائما تسأل عن حالتها، والتكريم الحقيقي هو حضور جمهورها الذي لا يزال يحبها ويكرمها دائما، هذا هو المهم، أنا أحاول تناسي الأشياء السلبية التي حدثت لأمي وأقول مهما عملوا وقالوا لن يضيفوا ولن ينقصوا من عظمة وردة قبل وبعد وفاتها، وقد كانت فخورة بأن رصيدها يغنى من قبل فنانين كانت تحب أغانيها وأدائها من قبل البعض وفق رأيها الشخصي. الفنان اللبناني وائل جسار “كنت أعلم أن أميرة الطرب العربي كانت تحب صوتي” شهادتي مجروحة في الفنانة وردة الجزائرية، لأني أحبها كثيرا وقريبة إلى قلبي من أي شخص آخر، وأعتبرها من عظماء الجيل القديم الذي لا يتكرر، وفقدانها خسارة لنا وللفن والوطن العربي، الذي خسر أسطورة من أساطير الفن الجميل، لكننا نؤمن بقدر الله في الدنيا، وأنا سعيد بمشاركتي في هذه السهرة التي كانت تكريما لمسيرتها الفنية، أنا قدمت أغنيتين وأعلم أنها سعيدة جدا بهما لأنها كانت تحب صوتي في أداء أغانيها الجميلة. الإعلامية اللبنانية رانيا برغوث “مدة 6 أشهر من احتكاكي بها جعلتني أتأثر كثيرا” يهمني شخصيا تكريم الراحلة وردة الجزائرية من قبل أي بلد كان، ومستعدة للحضور لأي تكريم، إلا أنه يحمل هذه المرة نكهة خاصة لأنه كان من القلب وفي وطنها الذي كانت تحبه جدا، وقد مرت أمامي لمرات، لكن اقترابي منها في مدة الخمس أو الستة أشهر الأخيرة قبل وفاتها، في برنامج خاص جعلتني أتأثر كثيرا بشخصيتها التي لا تكرر، و قد كانت تغضب مني عندما أقصد مصر كل مرة ولا أزورها في بيتها أو أتصل بها، وأعلمكم أنها أم حنونة جدا وتطعم الجميع من الطبخ الجزائري أوالمشرقي الذي تعده وهي كتلة من الكرم والحنان والعظمة. الإعلامية نضال الأحمدية “للجزائر فضل في إرجاع وردة إلى حضن الأغنية” حقيقة أن وردة الجزائرية لم تكن صديقة مقربة كثيرا لي، وكانت تخاف الحديث عن أمور خاصة أمامي، وأنا أتذكر آخر مرة التقيت بالعملاقة وردة الجزائرية، والتي كانت في مهرجان القاهرة، وجدتها تهتم بالجميع ببساطتها وتواضعها المعهودين. بالمقابل شاهدت أن كبار النجوم والفنانين العرب يتوسلون أخذ الصور مع وردة، وأضيف أنه من الصعب أن تحكي عن غائب لم يغب منذ زمان وهو جزء حميم من الوجدان، ووجود وردة كان يشعرني بالبرد والخوف أنها تعذبت وجرحت واتهمت وشرّدت من مصر وأبعدت عن الغناء، وقد أرجعتها الجزائر لحضن الأغنية وللضوء. الفلسطيني محمد عساف “الفنان المبتدئ يجب أن يمر على أغاني وردة” الفنان الفلسطيني محمد عساف وفي تعبيره عن مشاركته في حفل التكريم، قال إنه يكفي أن تنتمي الأميرة إلى وطن اسمه الجزائر وتضحيتها كانت جزء من تضحيات بلد المليون ونصف المليون الشهيد، وقد جئت بسعادة كبيرة لتكريم وردة الجزائرية بما يليق بمقامها بعد أن وجهت لي الدعوة، وأنا أرى وردة تاريخا فنيا حافلا وعبقا من زمن الفن الجميل الصادق الحقيقي والذي لم يكن مبتذلا، ونحن كفنانين مبتدئين بنينا أحلاما على أغاني وردة التي يجب المرور عليها لصقل موهبتنا. عبد الله مناعي وردة خير سفير للجزائر أخرجته جبهة التحرير صرح الفنان عبد الله المناعي قبيل افتتاح حفل تكريم الفنانة وردة الجزائرية، أن الفنانة رمز للجزائر، وأن الجزائر قارة ثقافية في حد ذاتها، كونها أنجبت فطاحل في الفن على غرار وردة الجزائرية، العنقى، دحمان الحراشي، مريم عابد وغيرهم، مشيرا أن وردة من الفنانين الذي أدوا أغاني يستطيع كل فنان أن يعثر على ذاته فيها. وأردف أن وردة كانت خير سفير للجزائر، خاصة أن جبهة التحرير الوطني انتشلتها من حياتها السابقة وجعلتها في خدمة الفن والقضية الجزائرية. الفنان كمال معطي “وردة الجزائرية عانت في حياتها وهي تستحق التقديس” تحدث رئيس جوق التلفزيون الجزائري، كمال معطي، شقيق الراحل معطي بشير، بفخر واعتزاز عن السيدة وردة الجزائرية، خاصة أنها كما قال فنانة كبيرة وعظيمة استطاعت أن تقف في وجه التيار الفني بمصر وتنقش اسمها بأحرف من ذهب، في زمن سطع فيه عمالقة الطرب العربي على غرار أم كلثوم، محمد عبد الوهاب، عبد الحليم وغيرهم، مضيفا أنها عانت وتعرضت للأذى كثيرا لتصل إلى المكانة التي هي عليها اليوم، مؤكدا أنها فعلا تستحق التقديس. الفنانة زكية محمد “افتتاح حفل التكريم مسؤولية كبيرة على عاتقي” عبّرت الفنانة الجزائرية زكية محمد، قبل افتتاح حفل تكريم وردة الجزائرية بسويعات، عن سعادتها بالمشاركة في حفل تكريم السيدة وردة الجزائرية التي تعتبرها قدوة لها كونها عظيمة في كل ما خلّفت من أغاني، من مواقف، من حب للجزائر، وإصرارها الدائم على أن تبرز انتماءها لهذا البلد العظيم في كل مناسبة. وقد تمنّت الفنانة أن تكون عند حسن ظن الجمهور، معربة عن تخوفها من المسؤولية الكبيرة التي تقع على عاتقها بمنحها شرف افتتاح الحفل وأدائها لرائعة الراحلة وردة “من بعيد”.