أجمع المشاركون في اليوم الدراسي بمركز البحث في الانتروبولوجيا الاجتماعية والثقافية، أول أمس، على أن ”الاحتفال بيناير وتدريس الأمازيغية يساهمان في الدفاع عن الأمن القومي للجزائر”، كما احتدم النقاش حول ضرورة توحيد الرواية التاريخية حول التقويم الأمازيغي 2966، في انتظار تصنيفه كتراث إنساني لامادي ضمن قائمة اليونيسكو. رافع المؤرخ فؤاد صوفي في محاضرته من أجل توحيد الروايات التاريخية حول التقويم الأمازيغي 2966 وأسطورة الملك ششناق، مستدلا بعيّنة من بعض الأخطاء التاريخية المتداولة في الكتابات الصحفية حول ”قيام ششناق بقتل رمسيس الثاني بنواحي بني سنوس بتلمسان، رغم الفارق الزمني الشاسع بين حكم الملكين، دون الخوض في جزئية وصول رمسيس إلى تلمسان”. رغم تسليمه بأهمية الأسطورة في تقويم تاريخ الأمم، داعيا إلى كسر الأسطورة بتصحيح الرواية التاريخية قائلا ”لا يجب تغيير التاريخ، لكن تغيير نظرتنا للعالم”. وطالب بالاهتمام بتفسير كيفية بقاء احتفال يناير لمئات القرون، رغم كل المحتلين والغزاة الذين تداولوا على شمال إفريقيا. ومن هذا المنطلق انتقد المشاركون إضفاء صبغة حربية على يناير، وطالبوا بالتركيز على طابعه الفلاحي والزراعي لارتباطه الوثيق بالأرض والفلاحة، مع التأكيد على طابعه المتوسطي لوجود تشابه مع احتفالات لدى الإغريق وفي الضفة الأخرى. دافع محند أكلي حديبي، أستاذ علم الاجتماع في السياق نفسه، على ضرورة ”تجديد خزاننا المعرفي انطلاقا من التراكم التاريخي الحالي، من خلال كتابات مؤرخين جزائريين وعدم الاكتفاء بمؤلفات أجنبية”. اقترح حديبي على ممثلي وزارة التربية بخصوص الاحتفال بيناير ”تكليف التلاميذ بكتابة موضوع حول الاحتفالات في عائلاتهم عوض قراءة موضوع موحد، لأن الاحتفال يتباين من منطقة إلى أخرى”، الفكرة التي جسدها عالم الاجتماع عز الدين كنزي من خلال مونوغرافيا حول احتفال يناير في قرية أقواج بتيزي وزو التي ينحدر منها الراحل بسعود محند أعراب مؤسس الأكاديمية البربرية، حيث قام بجرد نشاطات يوم كامل من الاحتفال بيناير في القرية وطريقة الاحتفال، لتدعيم فكرته بضرورة ”التركيز على الحاضر وليس فقط على الماضي، والأخذ بعين الاعتبار تغيير التركيبة السوسيولوجية للقرية، ووجود نخبة من أطباء وأساتذة ومتعلمين وليس فقط مجموعة فلاحين تعتمد على الأرض كمصدر للعيش، المهم هو كيف نحتفل بيناير اليوم؟”. تطرقت ملحة بن إبراهيم، من جهتها، لاحتفالات يناير من طرف الجالية الجزائرية في كندا والولايات المتحدة، بينما قدم سليمان حاشي مدير مركز البحث فيما قبل التاريخ، من جهته، نبذة عن كيفية تصنيف تراث إنساني لامادي ضمن قائمة اليونيسكو. مؤكدا بأن ”الجزائر كانت أول دولة تصادق على اتفاقية التراث الثقافي اللامادي في 2004، أي بعد أشهر من مصادقة اليونيسكو في 2003 على النص المكتوب من طرف محمد بجاوي”. قدّم حاشي مختلف مراحل تصنيف التراث اللامادي كملك للإنسانية وتذكر متأثرا ”الكلمات التي قالها شاعر ترقي جزائري باللغة الأمازيغية لأعضاء اليونيسكو في اجتماع بباكو بأذربيجان، يشكرهم في دقيقتين على تصنيف موسيقى إمزاد كتراث لامادي ملك للإنسانية وإنقاذها من الاندثار”. كشف لأول مرة عن تحفظ السلطات الإيرانية حول تصنيف احتفالات ”السبيبة” ب”جانت” في كل عاشوراء، بالنظر لتزامنها مع يوم حزن بإيران على الإمام الحسين، اضطر الوفد الجزائري التفاوض وتغيير كلمة ”عاشوراء في النص باليوم العاشر من محرم”، لتمرير النص والمصادقة عليه. أكد بأن تصنيف ”أمزاد” كتراث عالمي كان بناء على ملف مشترك، ضم الجزائر، النيجر ومالي. وفي إجابة على تساؤلات حول إمكانية تقديم بلدان المغرب الكبير أو شمال إفريقيا لملف مشترك حول تصنيف يناير كتراث عالمي، استحسن الفكرة بناء على فلسفة منظمة اليونيسكو التي تسعى للتقارب بين الشعوب وإحلال السلم. اعتبر بأن تصنيف التراث يلزم الدولة لإعداد مخطط لحماية التراث اللامادي، ملمحا إلى حتمية إدراج يناير ضمن رزنامة الأعياد الوطنية، على غرار ما عبّر عنه سي الهامشي عصاد الأمين العام للمحافظة السامية للأمازيغية.