تعد المعلمتان الشقيقتان خديجة وباية شاب الله نموذجا لذلك المعلم الذي قدسه أحمد شوقي واعتبره شبيها بالرسول عليه الصلاة والسلام، حامل الرسالة. يتهافت الأولياء لتسجيل أبنائهم في قسميهما سعيا لتحصيل علمي جاد، فارتبط اسم مدرسة علي لعيمش بمدينة تيزي وزو باسم خديجة شاب الله لعقود من الزمن، وارتبط اسم مدرسة صليحة وتيكي باسم باية شاب الله لعقود أيضا. المُعلمتان اللتان تُدركان اليوم أبواب التقاعد يشهد لهما الجميع بالتفاني ونذر الحياة لتربية الأجيال دون سواها. وفي الوقت الذي ترتفع بورصة الدروس الخصوصية، لاتزال هاتان المعلمتان تستقبلان وفودا من التلاميذ في بيتهما للاستفادة من حصص دعم دون مقابل مادي، إرضاء لضميرهما المهني. مسار مهني حافل بالنجاحات والانضباط وتجسيد شخصية ذلك المعلم الذي تحلم به الأمم، حيث تعد أيام غيابهما عن العمل على أصابع اليد الواحدة طيلة مشوارهما، وأضحى تغيبهما حدثا بارزا في المؤسسة. ويشهد المديرون والمفتشون الذين تعاقبوا لسنوات على المدرستين أن هاتين المعلمتين هما عملة نادرة في زماننا، مثلما يشهد التلاميذ الذين درسوا عندهما على تفانيهما بتلك الصورة الجميلة التي رسمت في أذهانهم عن تلك المعلمة التي لا تعرف الملل، والبعض منهم أصبح اليوم يحمل أعلى الشهادات العلمية حتى في الخارج، ومنهم من يصر إلى اليوم على زيارتهما اعترافا بالجميل. ولا يرتبط عمل خديجة وباية بالتوقيت الرسمي بل تسعى كل واحدة منهما لتقديم أقصى ما يمكن من تحصيل علمي للأطفال الأبرياء، بعيدا عن الأضواء والشهرة والأوسمة، إلى درجة أن أولياء التلاميذ الذين يدرسون عندهما ينتظرون أمام مدخل المؤسستين وقتا طويلا بعد ساعات العمل الرسمي خروج أبنائهم الذين يستفيدون من وقت إضافي للدراسة مجانا، فالشقيقتان تدركان جيدا أنهما تحملان رسالة لا رقيب على تأديتها سوى الله والضمير بعيدا عن الربح المادي. وسيفقد قطاع التربية بولاية تيزي وزو بعد أقل من سنتين نموذجين للمعلم الذي احترق لينير درب أطفال نحو المستقبل، أجيال من الأطفال الذين يتذكرون اليوم فرحتهم بالنجاح في امتحان الانتقال إلى التعليم المتوسط ذات يوم، فرحة مقرونة بذرف دموع فراق معلمة كرست جزءا من حياتها لتعلمهم كيف يكتبون ويقرأون.