من المعلوم أنّ القرآن الكريم يقرأ على قراءات متواترة متعدّدة -تخفيفًا من الله ورحمة، وإعجازًا وتحديًّا- تختلف في نطق بعض الكلمات وتصريفها وإعرابها وغير ذلك. وتصوّروا نصًّا يقرأ بأوجه متعدّدة مختلفة كيف ستكون معانيه؟!. وهنا تتبيّن عظمة القرآن وإعجازه حيث نجد معاني القرآن المبين على تعدّد رواياته تتوافق ولا تتعارض، ولو اجتمع البشر كلّهم على كتابة صفحة واحدة تقرأ بأوجه متعدّدة ولا تتعارض معانيها لأعياهم ذلك ولعجزوا عنه!! {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}. لا عجب بعد ذلك أن جعل القرآن الكريم التّفكّر فيه والتّدبّر في معانيه هو الدّليل على إلهية مصدره، فقال سبحانه: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ، وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا}، فالله تعالى يأمر بتدبّر كتابه، وهو التّأمّل في معانيه، وتحديق الفكر فيه، وفي مبادئه وعواقبه، ولوازم ذلك. قال ابن عبّاس: أفلا يتدبّرون القرآن، فيتفكّرون فيه، فيرون تصديق بعضه لبعض، وأنّ أحدًا من الخلائق لا يقدر عليه. فالآية حضٌّ على التّفكّر في معانيه لتظهر أدلّته وبراهينه، وإنّ نظرة صادقة إلى كتاب الله، تصل العقول به، وتفتح القلوب له؛ لِما في كلّ كلمة منه، من دلالات بيّنة بأنّ هذا الكلام هو كلام الله!! وأظهرها أنّ هذا الكتاب قائم على أسلوب واحد، ومنهج واحد، ومستوى واحد.. فعلى امتداده، وسعته، وتشعّب موضوعاته، وقضاياه، وأحكامه هو في ذلك كلّه على مرتبة واحدة من البلاغة والبيان، وعلى كلمة سواء فيما يأمر به وينهى عنه.. ولو كان هذا القرآن من عند غير الله، لاختلف أسلوبه، وتناقضت أحكامه، وتضاربت قضاياه.. شأن كلّ عمل بشرىّ، لا يسلم أبدًا من مواطن القوّة والضعف فيه..