ما معنى أن تعدّل دستورا، بعد 16 سنة من الإعلان عن تعديله، و5 سنوات من إعادة التأكيد عليه، ولا تطبق أهم بنوده كحرية التجارة وحرية الصناعة التي تنص عليهما صراحة المادة 43؟ وما معنى أن تكلف السلطة نفسها عناء إصدار قانون عضوي يتعلق بالإعلام، على ما فيه من عيوب، ولا تطبق ما جاء فيه من ترتيبات تنظم سير الصحافة المكتوبة، على غرار ضرورة تنصيب سلطة ضبط الصحافة المكتوبة التي لم تر النور رغم مرور أكثر من 50 شهرا من تاريخ الصدور؟ أكثر من ذلك، كيف يسمح جهاز العدالة لنفسه أن يقبل دعوى قضائية لهيئة (وزارة الاتصال) يمنعها القانون صراحة من ذلك؟ ثم ما معنى أن تتخبط السلطة القضائية لمدة تفوق الشهر وتصدر حكما استعجاليا غير مفهوم، وغير قابل للتنفيذ من الناحية العملية، في قضية تجارية بحتة ليست من اختصاص القضاء الإدراي؟ بعد كل هذا وبعد تجميد صفقة تجارية استوفت كل الشروط واحترمت القوانين السارية المفعول بحذافيرها غداة مناقشة مشروع قانون الاستثمارات، كيف يمكن للسلطة إقناع المستثمرين الوطنيين والأجانب باستثمار أموالهم وطاقاتهم في بلد يحسن إصدار القوانين لكنه يكون في الصف الأول ممن يدوسون عليها؟ سلطة تشجع الحرية وحرية المبادرة وحرية الاستثمار نظريا وتضع العراقيل في وجهها على أرض الواقع، سلطة تمجّد سمعة الجزائر بالكلام وتسوّدها بالأفعال، كالصورة التي أعطيناها عن الجزائر للعالم في قضية “الخبر”. إن مقياس تطور الدول ودخولها في خانة الدول الديمقراطية يتمثل في مدى احترامها لحرية التعبير واستقلالية العدالة وحرية إنشاء الأحزاب والجمعيات المدنية وإرساء منظومة تربوية مشبعة بمبادىء الجمهورية والحداثة.. وهذه الشروط لا يتوفر أحد منها لدى السلطة الجزائرية التي تحكم البلد بعقلية الحزب الواحد، بلباس تعددي صوري نجده في الخطاب الرسمي الرنان وفي المنظومة القانونية.. إنها ديمقراطية الواجهة القائمة على احتكار كل شيء لإحكام القبضة الحديدية على المجتمع، باستعمال الترغيب تارة والترهيب تارة أخرى.. إنه ببساطةٍ الاستبداد والغطرسة واحتقار الشعب الذي تحكم السلطة باسمه!