من المعلوم أن ثمة قضايا ومجالات لا يمكن الوصول فيها إلى الحكم القطعي النهائي، وهذه يكفي فيها الاستناد إلى الظن الغالب، كالفروع الفقهية في العلوم الشرعية وكتوقعات الأرصاد الجوية في العلوم الطبيعية مثلاً. وفي المقابل، هناك مجالات وقضايا لا يقبل فيها الاعتماد على الظنون والشكوك، بل لا بد فيها من الحكم القطعي النهائي كقضايا العقيدة في العلوم الشرعية، وقضايا العلوم الدقيقة في العلوم الطبيعية، فهذه ومثيلاتها لا يقبل ولا يعقل بناؤها على أدلة ظنية وأمارات تشوبها الشكوك والظنون، فتكون كبناء على شَفَا جُرُفٍ هَارٍ ينهار بصاحبه في بحر الجهل والظلم. لهذا وجدنا القرآن العظيم يؤكد ويكرر التنبيه على خطورة اتباع الظن في غير ما آية، ويجعل اتباع الظن طريقًا للضلال، كقوله جل في علاه: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنْ يَتبِعُونَ إِلا الظن وَإِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ}، {أَلَا إِن لِلهِ مَنْ فِي السمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَتبِعُ الذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتبِعُونَ إِلا الظن وَإِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُون}، {.. إِنْ يَتبِعُونَ إِلا الظن وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبهِمُ الْهُدَى}، {وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتبِعُونَ إِلا الظن وَإِن الظن لَا يُغْنِي مِنَ الْحَق شَيْئًا}، {وَمَا يَتبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلا ظَنا إِن الظن لَا يُغْنِي مِنَ الْحَق شَيْئًا إِن اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُون}.. وظاهرٌ من هذه الآيات حرص القرآن العظيم على أن يكون أتباعه يعيشون اطمئنان اليقين ونور البرهان حتى لا يكونوا كالمشركين الذين كان شعارهم: {إِنْ نَظُن إِلا ظَنا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ}.