لجوء فرنسا إلى الأسلحة الكيميائية في الجزائر: باحث فرنسي يحدد "450 عملية عسكرية" فرنسية    سوريا : تصعيد أمني جديد في دمشق وحلب    الجمعية العامة ال22 لجمعية اللجان الأولمبية الوطنية الافريقية: "عهدة جديدة لرفع تحديات جديدة"    قويدري: التأكيد على "أهمية إنتاج المواد الأولية التي تدخل في صناعة الأدوية بالجزائر"    يعزز الشفافية والاستقرار في النشاطات المنجمية.. عرض مشروع قانون المناجم الجديد على البرلمان قريبا    تتويج 5 فائزات في الهاكاتون النسائي    أسداها خلال اجتماع مجلس الوزراء.. رقمنة مصالح الجباية .. خبراء يثمنون تعليمات رئيس الجمهورية    أرباب العمل: الاتحاد الوطني للمقاولين العموميين ينظم الجمعة المقبل لقاء حول الشراكة بين القطاعين العام والخاص    عطاف يستقبل نائبة رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي    بينما الحصار يشتد على غزة والمجاعة تتسع..حماس: المفاوضات ترتكز على إنهاء الحرب والانسحاب وإعمار غزة    عندما يتوَّج المهرّج يصير القصر سيركا    مجلس الأمة: إجراء قرعة تجديد نصف أعضاء المجلس المنتخبين في الولايات العشر الجديدة الخميس المقبل    صلاح يزحف نحو القمة..    خلال اجتماع لجنة أممية بنيويورك..مولوجي تبرز التجربة الجزائرية في تمكين المرأة    وقفات مع الصائمات    المجلس الشعبي الوطني : بوغالي يشرف على احتفالية بمناسبة اليوم العالمي للمرأة    مستشفى مصطفى باشا يتعزّز بمصالح جديدة    فتح باب الترشح للطبعة ال8 لجائزة "كاكي الذهبي" للكتابة الدرامية    دورة جيمنيكس الدولية بكندا: تتويج كايليا نمور في اختصاصي العمودين غير المتوازيين وعارضة التوازن    إطلاق الحملة الوطنية للحد من التبذير خلال شهر رمضان    بورصة الجزائر: إدراج بنك التنمية المحلية الخميس المقبل    عرض مسرحية "الخيط الأحمر" بالجزائر العاصمة    معسكر..افتتاح الطبعة الأولى للتظاهرة التاريخية "ثائرات الجزائر"    وهران..الطبعة ال17 للدروس المحمدية بالزاوية البلقايدية من 13 إلى 21 مارس    بوتسوانا تجدد دعمها الثابت لحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير و الاستقلال    اللواء بخوش : مصالح الجمارك تعمل من أجل تعزيز دور المرأة الجمركية وإشراكها في صناعة القرار    العاصمة: ايقاف 45 شخصاً وحجز 9008 أقراص مهلوسة    صناعة: غريب يستقبل ممثلي مجموعة "بهوان" العمانية وشركة "هيونداي" الكورية لصناعة السيارات    كأس الجزائر/ الدور ثمن النهائي: نقل مباراة شباب بلوزداد - اتحاد الشاوية الى ملعب 5 جويلية    الوزير الأول يشرف على حفل تكريم عدد من النساء الجزائريات    أضرار أكل المخللات في رمضان    جزائريون يدمنون على أنواع من الخبز في رمضان    مزيان يشرف على حفل تكريمي للعاملات والإطارات    تعميق الممارسة الديمقراطية    مائدة إفطار على شرف أفراد الجالية بالسعودية    "البيام" و"الباك" التجريبيان ما بين 18 و22 ماي    تخصيص فضاء لهواة جمع الطوابع بالبريد المركزي    الأولوية للمعدّات وقطع الغيار المحلية قبل الاستيراد    مسعودي لطيفة.. من مستثمرة فلاحية إلى التصدير    بيع "المطلوع" و "الديول" و"الحشيش" لدعم مصروف العائلة    112 مسجد قيد الإنجاز    "حلف الشيطان" يتآمر لزعزعة استقرار المنطقة    مواقف الجزائر الثابتة تزعج الأعداء    "الحريرة".. "المعقودة" و"طاجين الحلو" زينة مائدة رمضان    "الفاف" تستغرب رفض عمر رفيق اللعب مع الجزائر    "بنات المحروسة" الأوّل ب 4,1 مليون مشاهدة    "القوال".. استثمار في الفن الشعبي وتعريف الناشئة به    18صورة تعكس جمال وثراء الأعماق    لاعب المنتخب الوطني، أمين غويري    بلايلي يعود إلى "الخضر" من الباب الواسع    مجالس رمضانية في فضل الصيام    الأسرة المسلمة في رمضان.. وصايا ومواعظ    دعاء : من أجمل ما دعي به في رمضان    قويدري يشيد بدور المرأة    مدربه السابق يكشف سرّ توهجه في ألمانيا.. عمورة يواصل التألق ويسجل هدفه العاشر    صناعة صيدلانية: قويدري يشيد بدور المرأة المحوري في ترقية القطاع    إنْ لم نقرأ ختمة أو نسمعها في شّهر القرآن.. فمتى؟!    اجتماع تنسيقي لتطوير آليات خدمة الحجاج والمعتمرين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تركيا نموذج صراع أبدي بين العسكري والسياسي
نشر في الخبر يوم 08 - 08 - 2016

تركيا قبل الانقلاب ليست هي ذاتها بعده، فمادامت الحكومة تواصل حملة تطهير جذري داخل المجتمع طالت كل من تشتم فيه رائحة المعارض فتح الله غولن، المتهم رقم واحد بهندسة الانقلاب، لكن الخارج وتحديدا أوروبا يقف على النقيض ويعتبر رد فعل أردوغان مبالغا فيه ويرقى لأن يكون انتقاما تم إعداده سلفا لتفكيك منظمة “خدمة” التابعة للمعارض غولن، والتي تضم مئات المستشفيات والمدارس والمصارف داخل تركيا. وبين هذا وذاك، يقف المتتبع للمشهد التركي حائرا وباحثا عن إجابة مقنعة على بعد نفس المسافة بين الطرفين.
في يوم جمعة هادئ من شهر جويلية الماضي.. الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في إجازة بمعية أفراد عائلته بفندق مرمريس بولاية موغلا غربي البلاد، رن هاتفه النقال منبها لمكالمة من صهره، فتح الخط وإذا بخبر جلل يخترق مسمعه “هناك تمرد عسكري ويبدو أنه انقلاب للإطاحة بنظامك”، فالعساكر بسطوا سلطتهم على التلفزيون العمومي وأغلقوا الطرق المؤدية إلى مؤسسات الدولة وهاجموا البرلمان، وأذاعوا أن الدولة باتت تحت حكم جديد، وقريبا يتم إعلان مجلس جديد يتولى إدارة شؤون البلاد إلى حين سن دستور جديد.
البداية
فندق مرمريس فجرا، يغادر أردوغان الإقامة على متن طائرته الخاصة، وبعده بدقائق حلقت مروحيات لفترة ثم نزل منها ما بين عشرة و15 ملثما مدججين بالأسلحة، وفرضوا طوقا على الفندق وهي محاولة لاحتجاز الرئيس كرهان أساسي لنجاح العملية.
فكر أردوغان في إيجاد سبيل لمخاطبة شعبه والاستنجاد به لمنع إسقاط الحكم، ولم يجد سوى مواقع التواصل الاجتماعي لتمرير ندائه، فاستعمل تطبيق “فايس تايم”، وظهر لثوان معدودات، مستنجدا ومنددا، واستجاب الأتراك له بالهبوط إلى الشارع لصد الدبابات بصدور عارية، ليرد عليهم العساكر بلغة الرصاص.
بات كل الأتراك ليلتهم يقظى يتابعون ما ستؤول إليه الأحداث، تتقاذفهم بيانات وبيانات مضادة، في خضم صراع دام بين قوة سياسية منتخبة تسندها قاعدة شعبية، وبين رغبة عسكرية جامحة مدججة بالسلاح تسعى لاستعادة تأثيرها على الحياة السياسية بالكامل بعدما تراجع كثيرا في ظل حكم حزب العدالة والتنمية، وفقدان أدوارهم في المشهد السياسي الحالي.
الشعب يتحرك
وفي الوقت الذي كان الانقلابيون يعلنون نجاحهم في السيطرة على مفاصل الدولة، تناقلت وسائل الإعلام الدولية تصريحات لمسؤولين أتراك يؤكدون فيها أن الرئيس والحكومة المنتخبين ديمقراطيا لا يزالان على رأس السلطة، ويسيطران على مقاليدها، وما عدا ذلك فإنه إشاعة، وأعطى للأحداث طابع الحرب النفسية يحاول كل طرف تسويق معلومات البلاد تحت قيادته، ما أدخل الأتراك في حالة ذهول وحيرة، والعالم في ترقب وحذر شديد، كون أي موقف سواء كان منددا أو مباركا تترتب عنه علاقة سياسية ودبلوماسية محددة، دافئة أو باردة.
مضت ساعات وتركيا على كف عفريت، حتى هزم المدنيون العساكر ورقصوا على أجسادهم ونالوا منهم ضربا وقتلا وتنكيلا، رافعين الرايات وملوحين بصور رئيسهم، منتشين بدحر الانقلاب، معيدين لرئيسهم الحكم على طبق من مرمر، ولم يتأخر هو في تدشين عصر جديدي من الاتهامات والاعتقالات لكل من اشتم فيه رائحة فتح الله غولن زعيم منظمة “خدمة” المتهم رقم واحد بهندسة الأحداث بمساعدة رجالاته في تركيا وبمباركة دول حاقدة في نظر القيادة التركية.
استجمعت الحكومة قواها وشرعت في عملية تطهير هي الأكبر في تاريخها، طالت القضاة والجنرالات والعساكر والأساتذة ورجال الدين والأطباء وحتى شخصيات سامية من محيط الرئيس، ليتجاوز عدد المعتقلين 60 ألف شخص، بين معتقل وموقوف تحت النظر، تلاحقهم تهمة واحدة هي الانخراط في محاولة الانقلاب على النظام والانتماء لما أسمته الحكومة “الكيان الموازي” التابع للمعارض ورجل الدين فتح الله غولن المقيم في بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية.
الإعدام أو أوروبا
تخطت الأزمة حدود بلاد الأناضول، وصارت إقليمية بامتياز عندما جهر الاتحاد الأوروبي بموقفه إزاء ما جرى، والذي قدر أن القيادة التركية كانت تضمر لهؤلاء الأشخاص حقدا قديما وأن القائمة كانت مبرمجة سلفا قبل وقوع الأحداث، ومبررها في ذلك سرعة اتخاذ قرارات الاعتقال خارج دائرة القضاء، وكذلك العدد المرتفع للمعتقلين، كما لوح بحرمان تركيا من الانضمام إلى الفضاء الأوروبي في حال استمراره في توسيع دائرة الاعتقالات وفي حال إعادة تفعيل حكم الإعدام الذي تم تجميده سنة 2004 امتثالا لشروط الانضمام.
واصل الأتراك اعتصامهم في الساحات العمومية تحت شعار “صون الديمقراطية”، وحناجرهم تهتف بتنفيذ عقوبة إعدام مهندسي الانقلاب، وتفاعلت معهم القيادة بالإيجاب، شريطة تمريره عبر البرلمان، وإن وافق فلا ترى مانعا في تفعيله وضرب أعناق من وصفتهم بالخونة، لكن هذا المطلب لم تستسغه دول غرب أوروبا، ورأت فيه فرنسا مثلا على لسان وزير خارجيتها، أنه خطوة إلى الوراء تبعد أنقرة عن البيت الأوروبي الذي لا يجيز تنفيذ مثل هذه العقوبات، وسارت النمسا في الاتجاه ذاته وهددتا بعدم فتح جولات جديدة في مفاوضات الانضمام بداعي “أن السلطات التركية تنفذ حملة قمع مبرمجة وعملية انتقام وعقاب جماعي، ولا وجود لمؤشرات على أنها تقوم بتطبيق القانون”.
أين الحقيقة؟
وانضمت ألمانيا إلى صف الرافضين لكيفية تعاطي القيادة التركية مع الأحداث، إذ أكدت حكومتها أنه “لا مكان في الاتحاد الأوروبي لدولة تنفذ أحكام الإعدام”، وأن “أي تحرك من جانب تركيا لإعادة عقوبة الإعدام ستبخر جهودها في الانضمام”، ليأتي الرد سريعا من أنقرة واصفا التصريحات بالتدخل في الشأن التركي ولا يحق لأي كان تقييم تلك الإجراءات ما عدا الشعب صاحب السيادة والسلطة.
تسارع الأحداث في تركيا واستهداف أتباع وموظفي منظمة “خدمة”، دفع المعارض التركي، فتح الله غولن، المتهم الأول بتدبير الانقلاب، إلى الظهور في مقابلة تلفزيونية هي الأولى مع قناة “الغد”، ودافع عن نفسه رافضا الاتهامات التي يكيلها له أردوغان، ووصفها بأنها “برنامج لتدمير منظومته تحت غطاء الانقلاب، وسبق له أن وظف اتفاقيات اقتصادية للضغط على الحكومات لإدراجنا كجماعة إرهابية من قبل، وكان قد استغل قضية قطاع غزة وعنوان الإخوان المسلمين كسجل تجاري ليحقق حلم الزعيم”.
أبدى غولن استعدادا لقبول أي اتهام بشرط أن يكون ناتجا وموجها من لجنة تقص دولية، متحديا امتلاك حكومة بلاده براهين وأدلة دامغة تثبت ضلوعه في العملية الانقلابية، أو تثبت تفوهه بكلمة واحدة تدعو إلى الانقلاب.
هذه التصريحات وضعت القيادة التركية في حرج كونها تسعى إلى استعادته من الولايات المتحدة الأمريكية بناء على طلب، في حين رفضت أمريكا ذلك واشترطت مرور الإجراءات عبر القضاء ولا تعوّل فقط على معاملات ذات طابع سياسي ودبلوماسي فقط.
وتسير العلاقة بين تركيا والخارج إلى مزيد من التعقيد، كلما أبدت أنقرة جدية في تفعيل عقوبة الإعدام لمعاقبة من تورطوا في محاولة الانقلاب، والذهاب إلى أبعد الحدود في استئصال من تشتم فيهم رائحة جماعة “الخدمة” التابعة لفتح الله غولن، وهي نقطة الاختلاف الجوهرية التي تفرق المواقف، بين من يراه استغلال أردوغان الأحداث لتصفية خصومه، قد يؤدي إلى تمزق النسيج الاجتماعي، وبين من أعطاه الحق بحكم أن ما جرى كاد يعصف بانسجام واستقرار الدولة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.