إنّ الانحطاط الدّيني الّذي يصيب طائفة أمينة على كتاب الله لا يعني زوال كلّ مظاهر التمسّك بالدّين أو عدم اهتمام النّاس بالقضايا الدّينية.. إنّ شيئًا كهذا لم يحدث في التاريخ. إنّ الانحطاط الدّيني يعني بقاء الدّين في مستوى القسوة القلبية، وضعه في مستوى الخشوع. إنّ دين (الخشوع) موطنه القلب، أمّا دين (القوسة) فلا يبرح الأعضاء والجوارح الخارجية فلا يكون جزءًا من الشعور، حتّى يُلهب وجدان المرء ويحكم حياتَه الداخلية والخارجية. إنّ هذا الانحطاط يصيب حملة كتاب الله حين يحوِّلون الدّين الإلهي إلى “فن”، و«الفن” هو تعيين حقيقة ما بلغه الميزان والمكيال. وبما أنّ الميزان والمكيال لا يستطيعان تناول الحقائق القلبية والوجدانية السامية، فهما يتناولان جوانب الحقيقة الظاهرية فحسب. وحين تزدهر فنون من هذا النّوع في طائفة ما يزدهر بها خبراء بحوث الظاهر وينعدم بها خبراء الوجدان الداخلي.. والعبادة الّتي هي خشوع القلب ولهفته نحو الخالق تصبح عملاً ظاهريًا في المكيال الفقهي.. والروحانية الّتي هي العيش على مستوى استحضار الربّ واليوم الآخر، تصبح دربًا يجتازه المرء بالتمارين السلوكية تحت إشراف المرشدين.. والدّعوة إلى رسالة الحقّ، الّتي هي غاية النُّصح للعباد، تظهر في صورة الخطب والمناظرات والحركات الاحتجاجية وحتّى في صورة الفوضى والتخريب.. وعندما يصل حملة كتاب الله إلى مستوى (القسوة) فلا سبيل لإعادتهم إلى مستوى (الخشوع) إلا بتطهير دين الله من إضافات البشر.. لأنّ هذه الإضافات هي الّتي صاغت هذا الفكر الّذي أدّى إلى ظهور القسوة القلبية. إنّ التديُّن الحقيقي ينبع من دين الله ورسوله، وليس من دين يضعه البشر..