تحولت المسيرة التي دعا إليها التكتل النقابي إلى سيل بشري اجتاح أكبر شوارع مدينة بجاية ليستقر عند ساحة حرية التعبير بوسط المدينة، لتتحول إلى تجمع ضخم اختفت خلاله كل ألوان النقابات لتبدو في لون واحد وصوت واحد وشعار واحد، هو "أول ماي عيد عمال العالم وعيد الكرامة للعامل الجزائري". ولأن الحضور فاق جميع التصورات، اضطر المنظمون لتقديم موعد المسيرة، ليبدأ الزحف الأعظم من ملعب الوحدة المغاربية في اتجاه مقر الولاية. وكانت الصفوف الأولى من المسيرة الكبيرة مشكلة من القيادات النقابية التي حضرت كلها دون استثناء منها مسعود بوديبة من الكناباست، الصادق دزيري من الأونباف، مزيان مريان من سناباست، بوعلام عمورة من الساتيف وادير عاشور من التنسيقية الوطنية لثانويات الجزائر، حيث شدوا أيادي بعضهم البعض تعبيرا عن وحدة كلمتهم في يوم عيد الكرامة. وفيما بلغ المربع الأول للمسيرة حدود دار الثقافة، كان الأخير لم ينطلق بعد من ملعب الاتحاد المغاربي، الجموع الغفيرة رفعت لافتات كثيرة منها "لا لمشروع قانون العمل، لا لاستعباد العامل الجزائري" وأخرى "التقاعد حق وخطر أحمر" وغيرها من اللافتات الكثيرة التي عبرت عن عمق تذمر العمال بمختلف تشعباتهم، وأكدوا عدم تنازلهم أو تراجعهم عن مطالبهم المتمثلة في المطالبة بسحب قانون التقاعد وإشراك النقابات في حوار جدي حول مشروع قانون العمل الجديد ومواجهة تراجع المكتسبات المحققة وتدعيم القدرة الشرائية للعامل الجزائري. وتبين من خلال طبيعة المشاركة أن الجزائر كلها حاضرة في بجاية، حيث قدم النقابيون من كل ولايات الوطن حتى من أقصى الجنوب الجزائري، كما حضر نقابيون من الوادي، الأغواط، تمنراست، غرداية، تلمسان، بسكرة، أم البواقي وغيرها. وشاركت في الحدث أحزاب سياسية وجمعيات دعت، عبر البيانات المختلفة، مناضليها والمتعاطفين معها إلى الالتحاق بالمسيرة للتعبير عن تضافر جهود العمال وتضامن السياسيين مع مطالب النقابيين. وشوهد في المسيرة عدد كبير من مناضلي الأرسيدي والأفافاس وحزب العمال والأرندي والأحرار، وحتى قوائم المترشحين أخذت موقعا في الاستعراض النقابي. وخلال التجمع وجد المنظمون صعوبة كبيرة في التحكم في الوضع، خاصة بعد صعود جميع القيادات النقابية واحتدام النقاش حول إمكانية منح الكلمة لغير النقابيين، في إشارة إلى الأحزاب السياسية التي طلبت ذلك وحول من يسبق إلى تناول الكلمة من بين القيادات. وكان أول المتدخلين الأمين العام لنقابة "ساتيف" بوعلام عمورة الذي دعا إلى وحدة المطالب العمالية، واصفا مسيرة بجاية بالحدث التاريخي، ليأتي بعده مسؤول الكناباست مسعود بوديبة الذي هز بكلماته المعبرة جموع النقابيين الحاضرين، حيث قال إن نزول الجزائر إلى بجاية هو من أجل إيصال رسالة واضحة للسلطة بأن التكتل النقابي لن يتراجع عن مطالبه وأنه سيواصل الكفاح إلى غاية النهاية، وبعده تدخل الصادق دزيري من الأونباف ليسمع الحضور خطابا حماسيا قال فيه إن أول ماي لا يختلف عن خط أول نوفمبر من حيث الأهداف والمرامي، واتهم أطرافا في السلطة بمحاولة الاستيلاء على مكاسب العمال التي بدأت تتراجع بشكل مخيف، ما يتحتم، حسبه، على جميع النقابات نسيان الخلافات والتركيز على الانشغالات المصيرية التي تحدد مستقبل الطبقة الشغيلة. إما ادير عاشور، مسؤول نقابة تنسيقية الثانويات الجزائرية، فقال إن العمال الجزائريين تنتظرهم أيام سوداء "خاصة مع الهجمة الشرسة للباترونا التي استولت على النقابة الحكومية وتحاول التهام النقابات المستقلة، مستغلة بذلك الوضع الهش الذي يتواجد فيه العامل الجزائري".