استخدام أسلحة كيماوية في الجزائر: فيلم وثائقي جديد يكشف الوجه المظلم لفرنسا    رابح لكحل ل أخبار اليوم : السلطة الجديدة في سورية تسعى للحفاظ على وحدة البلد ومصالحه    السفيرة حدادي تتسلم مهامها اليوم    أيراد تطرق باب البورصة    مشاريع تحلية مياه البحر ضرورة ملحة    توقيف 6 عناصر دعم للإرهاب    ملف النقل الجوّي على مكتب الرئيس    تهجير الفلسطينيين من أرضهم مجرد خيال ووهم    سيناتور بوليفي يدعم الصحراويين    محرز يواصل الإبداع    زَكِّ نفسك بهذه العبادة في رمضان    الحصيلة النهائية للطعون المتعلقة بالنتائج المؤقتة للتجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة: إيداع 15 طعنا    تعليم عالي: السيد بداري يسدي أوسمة الاستحقاق لطالبتين جزائريتين في مجالي الطب والرياضة    المخزن يكرس القمع من خلال ترهيب وتكميم الأفواه في مشهد يفضح زيف شعاراته    المصعد الهوائي لباب الوادي سيتوقف مؤقتا ابتداء من يوم الجمعة لإجراء عملية صيانة كبرى    ألعاب القوى/ نصف ماراطون لشبونة: الجزائري بن يطو يسحم تأهله لبطولة العالم 2025 بكوبنهاغن    براف.. نحو عهدة جديدة لرفع تحديات عديدة    الجزائر بصدد تصدير الكهرباء النظيفة إلى أوروبا    عرقاب: نسعى لتحقيق استقلالية تكنولوجية    نحن في الطريق الصحيح    صادي في القاهرة    سوناطراك: عملية تضامنية واسعة خلال رمضان    سايحي يستقبل سفير جمهورية كوت ديفوار بالجزائر    حمدان: المقاومة الفلسطينية ملتزمة باتفاق وقف إطلاق النار ويجب العمل لبلوغ المرحلة الثانية    النعامة: تقاليد وعادات راسخة لسكان قصر تيوت في شهر رمضان    غزة : ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 48515 شهيدا و 111941 مصابا    مهرجان الإنشاد ببوسعادة: فرقة " قبس الفنية" من الأغواط تتوج بالمرتبة الأولى    المهرجان الوطني للعيساوة بميلة: فرقة الزاوية الطيبية من الأغواط تظفر بجائزة أحسن عرض متكامل    كأس الجزائر: اتحاد الجزائر يتجاوز رائد القبة (1-0) ويضرب موعدا مع شباب تيموشنت في الدور ربع النهائي    محكمة سطيف تحكم ب 5 سنوات حبسا وغرامة 01 مليون دينار    الجامعة تمكنت من إرساء بحث علمي مرتبط بخلق الثروة    فتح المؤسّسات لمترشحي "البيام" و"الباك" أيام العطلة    مسابقة توظيف لصالح مديرية التصديق الإلكتروني    بيعٌ ترويجيٌّ للأسماك والمنتجات الصيدية ببومرداس    إطلاق المنصة الرقمية ل"عدل 3"    مؤسّسات فندقية مسترجعة بالجنوب تسمح بإنعاش السياحة    ديوان الحج والعمرة يحذّر من المعلومات المغلوطة    الإفراط في التسوق صورة للإسراف والتبذير    تقديم 1200 وجبة يوميا وتوزيع 5 آلاف قفة و30 حملة تبرُّع بالدم    مدرب الموزمبيق يضبط قائمته لمبارتي أوغندا والجزائر    أولمبيك مرسيليا يصرّ على ضم حيماد عبدلي    تفوُّق في سياسات الترميم والتوثيق الرقمي والتدريب    "أصوات فرنجية في الجزائر".. رواية جديدة عن بلدي الثاني    إطلاق مسابقة وطنية لأفضل لوحة تشكيلية    عطال: مباراة بوتسوانا صعبة وجاهزون لتقديم الأفضل    الشاي سيّد موائد رمضان في تندوف    رمضان.. شهر التوبة والمصالحة مع الذات    أدعية لتقوية الإيمان في الشهر الفضيل    الفتوحات الإسلامية.. فتح الأندلس.. "الفردوس" المفقود    ندوة حول "مسرح علولة والبحث العلمي": إبراز جهود الباحثين في إثراء أعمال المسرحي عبد القادر علولة    ضرورة إنتاج المواد الأولية للأدوية للتقليل من الاستيراد    تحذيرات دولية من تفاقم الوضع المأساوي بغزة    نزول الوحي    قريبا.. إنتاج المادة الأولية للباراسيتامول بالجزائر    معسكر : افتتاح الطبعة الأولى للتظاهرة التاريخية "ثائرات الجزائر"    قويدري: التأكيد على "أهمية إنتاج المواد الأولية التي تدخل في صناعة الأدوية بالجزائر"    مستشفى مصطفى باشا يتعزّز بمصالح جديدة    مجالس رمضانية في فضل الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علي بتشين..الأميرال المتمرّد
نشر في الخبر يوم 17 - 05 - 2017

هنا في ساحة الحمراء، أو كما يطلق عليها اليوم "زوج عيون"، أسفل القصبة في قلب الجزائر العاصمة، يتربع أحد أشهر المساجد التي لا زالت تشهد على عراقة تاريخ المحروسة البيضاء، المدينة التي يرمز كل شبر وزاوية فيها إلى فترة من الفترات، أو واحد من أسماء أولئك الوافدين الذين وقعوا مرورهم على سجل المدينة، تاركين فيها بصماتهم ليحاكوا التاريخ أن اشهد فقد كنا هنا ذات يوم..

تقول الحكاية "هنا في مزغنة أنزلتني إحدى بواخر البحرية أسيرا، وهنا في مزغنة خلعت ثوب الكفر وتستّرت برداء الإسلام، ومن هنا بلغ صوتي مسامع حكام العالم وسلاطين زماني، ومن على عروشهم اهتزوا لاسمي وسلطاني، وهاهنا في ساحة الحمراء بنيت بيتا لله، هو ذلك الذي تقف أمامه في زمانك ذاك يا ولدي، وتقرأ السطور بحثا عن ذكراي. أنا الأميرال الإيطالي الجزائري المسلم علي بتشين".

أسر واحتجاز.. فمكانة وسلطان

علي بتشين، واسمه الأصلي ألبيريكو بيتشينيني، هو بحار إيطالي وُلد في قرية ميرتيتو بمحافظة ماسا في مدينة توسكانا الإيطالية، وشاءت الأقدار أن يقع في حدود سنة 1578 أسيرا للبحرية الجزائرية التي أنزلته في ميناء مدينة الجزائر، ليبزغ نجمه لاحقا في سماء مزغنة، ويتحول إلى واحد من أهم رجالاتها السياسيين والعسكريين.
وعلى يد رفيقه القائد فتح الله بن خوجة بن بيري، الّذي كان يملك عدة بواخر وسفن تبحر بإمرته في محيط البحر الأبيض المتوسط، أسلم بيتشينيني في 1599، ليصير اسمه فيما بعد علي بتشين، الضابط الذي ارتقى المناصب العسكرية في البحرية الجزائرية إلى أعلى سلم فيها، ليتولّى قيادتها العامة في الفترة الممتدة بين 1630م و1646م، حائزا لقب "الرايس" علي بتشين، وهو ما يعادل رتبة "الأميرال" في عصرنا الحديث. وأصبحت تهتز له مدن وقرى بأكملها من الحوض المتوسط إلى المحيط الأطلسي، وإلى غاية عاصمة الخلافة العثمانية في إسطنبول.

رجل اختار الإسلام فأعزه

حظي بتشين بعد إسلامه بمكانة الوجهاء ووقار العظماء بين أفراد المجتمع الجزائري، وزاده زواجه من الأميرة لالاهم بنت أحمد بلقاضي سلطان "كوكو" قوة ونفوذا، دعمته بهما منطقة القبائل التي ينحدر منها أنسابه، والتي أبدت تضامنها معه ووقوفها إلى جانبه حتى وهو يتحدَّى الباب العالي للسلطنة العثمانية التي كانت الوصية الشرعية على الجزائر في تلك الحقبة، حيث بلغ ارتباك السلطان العثماني وتخوفه من نفوذ علي بتشين إلى حد إرسال فرقة من خيرة عسكره في 1644 للقضاء عليه، ووضع حد نهائي لخطر سيد ريَّاس البحر الأبيض المتوسط الذي أضحى خروجه عن طاعة السلطان ظاهرا للعيان، وهي المهمة التي باءت بالفشل وانقلبت الأمور على أصحابها الذين لجئوا إلى دار الأمان بضريح سيدي عبد الرحمن الثعالبي بأعالي القصبة، هروبا من غضب بتشين وبطشه.

جامع علي بتشين الفريد

في عام 1622، أمر علي بتشين ببناء مسجد يحمل اسمه بالمكان المسمى حاليا شارع باب الوادي، في القصبة السفلى، واتخذ هذا المسجد الذي تربع على مساحة 500 متر مربّع طابعا عثمانيا بلمسات أمازيغية توضح مدى اهتمام علي بتشين بالانتماء الأمازيغي للمجتمع الجزائري واحترامه لهويته وأصالته. وتذكُر بعض المراجع التاريخية أنّ اسم مسجد علي بتشين استُبدِل سنة 1703م وصار يحمل اسم وكيله سيدي المهدي، قبل أن يغلق أبوابه في وجه عباد الله إلى ما بعد الاحتلال الفرنسي للجزائر.
وبانتهاء أشغال إنجازه، صار مسجد بتشين مؤسسة دينية بامتياز تتكوّن من 3 طوابق، يضم أولها 17 حانوتًا تجاريا مورست فيها العديد من الصناعات والحرف التقليدية المعروفة في القصبة، كتلك الخاصة بالنحاس والفضة والفخار. ويضم كذلك 3 غرف وفرنا وحمّاما وطاحونة وفندقًا.
أما قاعة الصّلاة فتقع على ارتفاع 5 أمتار فوق مستوى شارع باب الوادي المطل على ساحة الحمراء التي استُبدل اسمها فيما بعد بساحة الشهداء. ويمكن الولوج إلى هذه القاعة انطلاقًا من شارع باب الوادي شمالا أو من شارع محمد صويلح شرقًا. وتزيِّن سقفَ القاعة قبّةٌ كبيرة على شكل 8 أضلاع، محاط بحوالي 20 قبة صغيرة ثُمانية الضلوع كذلك.
وأما منارة المسجد فقد تميزت لمدة من الزمن بطراز مغاربي جميل، فقد كانت مربّعة الشّكل وتحتوي على نواة مركزية تضمّ 4 أجنحة خاصة بالسّلالم المحاطة بالمسجد، إذ يصل عمق أساسات هذه المنارة إلى 8 أمتار، إلى أن تمّ هدم جزء هام من القسم الأعلى منها عام 1860م، وقُلص ارتفاعها من 15 إلى 12 مترًا فقط.

من دار للعبادة إلى ثكنة عسكرية

في عام 1830، وبمجرد أن وطئت أقدامها أرض الجزائر، حولت السلطات الاستعمارية الفرنسية مسجد بتشين إلى ثُكنة عسكرية لتخزين المواد الصيدلانية العسكرية، وذلك إلى غاية سنة 1843، سنة تحوّل المسجد إلى كنيسة تحمل اسم "نوتر دام دو لا فيكتوار"، قبل أن يستعيد طابعه كمسجد عند استقلال الجزائر سنة 1962، وبعد أن شهد عدّة تغييرات منها بناء مدخل على الواجهة بسلّم، والقضاء على المكان الخاص بالوضوء، وكذا تعديلات على مستوى المحراب.

تصنيفه كمعلم تاريخي

في سنة 1947، وأثناء الاحتلال الفرنسي للجزائر، صُنّف مسجد بتشين كمعلم تاريخي، ليتم تصنيفه من جديد في ظل الدولة الجزائرية المستقلة، وذلك سنة 1967، وما نال التفاتة الهيئات العالمية إلا في سنة 1986 حين صنفته منظمة اليونسكو كمعلم ثقافي عالمي.

في تحدٍّ مع الزمن

بمرور السنين وبفعل التأثيرات المختلفة، تعرض مسجد بتشين إلى تصدعات كثيرة أجبرت السلطات الجزائرية على التفكير جديا في إعادة ترميمه وتهيئته من جديد، وقد انتهت دراسة ترميمه في أوت 2001، وانطلقت الأشغال ميدانيا في شهر ماي من السنة الموالية، عبر تقشير الجدران الداخلية والخارجية، الأمر الّذي سمح باكتشاف وضعية الاهتراء المتقدمة للمسجد، ليخضع بعدها إلى عملية ترميم واسعة أدّت إلى إغلاق أبوابه في وجه المصلّين قرابة 5 سنوات من 2005 إلى 2010.
وقد سبقت عملية الترميم سنة 2005 أشغالٌ هامة لتدعيم كلّ العناصر الهشّة في المسجد، مع إعادة تجديد القاعة المخصّصة للصّلاة الّتي بإمكانها احتواء أكثر من 500 شخص، إضافة إلى إعادة تشكيل المكان المخصّص للوضوء طبقًا لمخطط المسجد الّذي وضعه مؤسسه علي بتشين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.