لم يمر أسبوع على زيارة منظمة الباترونا الفرنسية "ميداف" حتى خرج العديد من أعضائها عن صمتهم مطالبين السلطات الجزائرية بجدية أكبر في التعاطي مع الشأن الاقتصادي والاستثماري، عبر بوابة الانفتاح أكثر، في إشارة واضحة إلى فشل لقاء الجزائر. لم تشذ الصحافة الفرنسية عن قاعدتها الذهبية التي تتمثل في توجيه انتقادات مبطنة إلى الحكومة الجزائرية، بعدم وجود ما يروي عطش الشركات المنتمية ل"ميداف"، رغم لغة الترحيب ووعود نظرائهم في منتدى رؤساء المؤسسات، وغيره من منظمات الباترونا ورجال الأعمال الرافضين الانتماء لأي تكتل. هذه المرة، جاءت هذه الانتقادات في جريدة "لوفيغارو" الفرنسية التي نقلت بوضوح وصراحة عدم اهتمام "ميداف" بالسوق الجزائري، رغم الفرص التي يتوفر عليها في شتى القطاعات، ورغم أيضا الضائقة المالية التي تخنق اقتصاد البلاد منذ 2014، وفشل كل العلاجات التي تم تجريبها على مدار السنوات الأربع الأخيرة. وفي هذا الصدد، ذكرت الصحيفة عن رجال أعمال شاركوا في اجتماع "ميداف- منتدى رؤساء المؤسسات" أنهم يطالبون بمزيد من الانفتاح على الصعيد الرسمي الجزائري، في إشارة إلى الطريقة التي تستخدم في اتخاذ القرار الاقتصادي الذي أصبح يقلق كل شركاء الجزائر، ما أدى إلى تسجيل "عزوف" لم يسبق له مثيل، ولعل أشهرها قاعدة 51/49 بالمائة التي لا تعجب أحدا من المستثمرين الأجانب. وكشفت الصحيفة أن مهمة "ميداف" حاولت كسر الحواجز التي تعيق دخول الشركات الفرنسية إلى السوق الجزائري، أو على الأقل تأمين أريحية للشركات العاملة في السوق منذ سنوات في مشاريع ضخمة تشمل البنى التحتية مثل النقل والأشغال العمومية، وفي الخدمات مثل إدارة مطار وميترو وترامواي العاصمة. وما يشد الانتباه، أن عددا من رجال الأعمال الفرنسيين الذي جاؤوا للجزائر الأسبوع الماضي للاطلاع على الفرص الاستثمارية المتوفرة، والمعروضة عليهم من طرف وزارة الصناعة (والاستثمار) ومنتدى رؤساء المؤسسات، صنفوا مناخ الأعمال في بلادنا بأسوأ من ذلك الموجود في العراق والسودان، وهما بلدان عربيان يعيشان حروبا وأزمات داخلية منذ عقود من الزمن. ولخص هؤلاء الوضع في جملة مفادها: "الجزائر هي البلد الأكثر تعقيدا". ورغم الزخم الإعلامي الذي حظي به لقاء "ميداف - منتدى رؤساء المؤسسات" إلا أن مخرجاته لم ترق إلى مستوى تطلعات الطرف الفرنسي، حتى وإن اشتمل وفده الزائر أكثر من 50 شركة ومجموعة مسعرة في البورصة، ومؤسسات صغيرة ومتوسطة، خاصة في ظل سيطرة القطاع العمومي والإدارة وعدد قليل من الشركات الخاصة على الاقتصاد، بالإضافة إلى عدم رضا الطرف الفرنسي عن ذهاب صفقات ضخمة لصالح الصين مثل صفقة اتصالات الجزائر مع "هواوي" في مجال تكنولوجيات الاتصال والألياف البصرية (بقيمة 300 مليون دولار).
تناحر لا يخدم الاقتصاد
ومن الملاحظات التي تشد الانتباه حالة الانقسام التي تميز النسيج المؤسساتي المحسوب على القطاع الخاص، والتي تؤثر سلبا على الأداء والنتائج. فقبل أسبوع من زيارة وفد "ميداف" للجزائر ولقائه مع منتدى رؤساء المؤسسات، شكل تعزيز الشراكة والتعاون بين المؤسسات الفرنسية والجزائرية محور محادثات جمعت رئيسة الكنفدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية، سعيدة نغزة، ورئيس "ميداف"، بيار ڤاتاز، حيث ناقشا إمكانية تنظيم ملتقى اقتصادي جزائري- فرنسي بالجزائر العاصمة لاحقا، علما أن نغزة تترأس أيضا الاتحاد المتوسطي لكنفدراليات المؤسسات "بزنس ماد" منذ نوفمبر 2017. ومثلما فعل علي حداد (منتدى رؤساء المؤسسات)، عرضت نغزة مقترحات مشاريع في مجالات الصناعة والزراعة والسياحة والرقمنة وتبادل الخبرات بين المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في البلدين. ومن بين النقاط التي تمت مناقشتها أيضا إمكانية تنظيم ملتقى اقتصادي جزائري فرنسي بالجزائر العاصمة، ما سيسمح للمتعاملين الاقتصاديين من كلا البلدين بالتجسيد الفعلي لمشاريع الشراكة في مختلف القطاعات. وقد أدى هذا الانقسام بين رجال الأعمال الجزائريين إلى ضعف الموقف التفاوضي أمام الشركاء الأجانب الذين يعزفون عن المغامرة مع أي طرف بسبب عدم وضوح آليات اتخاذ القرار، وبالتالي الخوف من الوقوع رهينة تصفية الحسابات. وأمام هذا التناحر، اضطر رجال الأعمال الفرنسيون للاستقرار في المغرب بفضل ما يقدمه من ضمانات قانونية وتحفيزات، وتؤشر على ذلك زيارة "ميداف" قبل شهرين للمغرب، بوفد ضم أكثر من ألف رئيس شركة، 200 منها شركات مصنفة في الصف الأول في الاقتصاد الفرنسي.