{سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} ممّا حفظنا صغارًا بيت شعر ذكره المرحوم هواري بومدين في خطاباته الشّهيرة: إنّ قومي تجمّعوا وبقتلي تحدّثوا لا يخيفني جمعهم فكلّ جمع مؤنث فالجمع المؤنث لا يغلب الرّجال، ولا يهزم الأبطال، والقضايا العادلة لها محامون، وعن حماها يدافعون، ولها يرافعون، مهما بلغت حجّة الخصم فهي مدحورة، ومهما ضعفت قوى المقاومة فهي منصورة، كيف لا والحقّ يقول: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ} والسين للاستقبال القريب لا البعيد، الجمع الّذي تولّى كِبره، ثمّ أتى وزعم أنّ أرض فلسطين لا مالك لها، ووعد وأرعد، وأرغى وأزبد، وبوعد مشؤوم أعطى مَن لا يملك الأرض لمَن لا يستحق، ووقعت الأمّة في نكبة، ومن يومها وهي تحصي قوافل الشّهداء، وتروي الأرض المقدسة بأزكى الدماء.. ولا تزال الأمّة مرابطة بفتيان لا يملكون من العدّة إلاّ ما حضر، ولا سلاح لديهم إلاّ ما يلقي رحم القدس من حجر، {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} لأنّه وعد غير مكذوب، وهو للعزائم نعم الوقود، سيرهق الغاصب صَعودًا أيّ صعود؟! لقد فهمتُ كما فهم أترابي معنى كلمة الرئيس الراحل: ”نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة” لأنّ الجمع المؤنث لا يخيف أمثاله من الأبطال.. ومن لطائف السّورة الّتي اخترتُ منها آية العدد أنّها ورد فيها مكرّرًا لفظ {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} وقد جمعت أمثلة من الظّالمين، الّذين طغوا واستكبروا ففعل بهم العدل فاقرة، كأنّهم أعجاز نَخْلٍ مُنْقَعِر، فاقرأوا القرآن تلاوةً وتدبُّرًا واتّباعًا، ورمضان يتيح ذلك ويعين عليه، فإنّه مُيَسَّر للادّكار والاتّعاظ فلا يخيفكم عدوّ تجمّع، أو متربّص تجمهر، ”فَسَيُهْزَمُ” لكن متَى؟ حين يُحدث فيكم الأثر المرجو والبركة المرتقبة، حين يصلح بواطنكم وظواهركم، حين تجمعكم تلاوة خاشعة، وتَلُمّكم صلاة خاضعة، وتعودون أمّة واحدة، لأنّ الاستدمار مهما طال فعمره قصير، ومهما حاول تغيير المعالم، وطمس الآثار، فإنّ الجبال ليس بمثل هذا تزول {وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} ومهما حاول الجمع أن ينقل سفارات ويضرب على القدس الطوق أو يكثر النّفخ في البوق، فالوطن لأهله ما دام تحمله القلوب، ويسكن العقول، وهذا لا سلطان لأحد عليه، وربّنا الرّحمن المستعان على ما يَصِفُون. أستاذ بجامعة المسيلة وإمام ببوسعادة