افتتح سفير الاتحاد الأوروبي بالجزائر، جون أورورك، أول أمس، أشغال اللقاءات العاشرة الأورو مغاربية للكتاب بقاعة ”الجزائر” بالمعرض الدولي للكتاب، التي جاءت هذا العام تحت شعار ”ذكريات.. ذكريات”. قال أورورك إن اللقاءات أصبحت مناسبة تقليدية لمعرض الكتاب بالجزائر، وذكر أن اختيار موضوع الذكريات لهذه الدورة يهدف إلى البحث عن العلاقة بينها وبين الإبداع الأدبي والروابط التي تجمع الذكريات التي يعيشها الإنسان وما يكتبه الكاتب، مؤكدا أن العمل الذكرياتي يشكل عملا للتاريخ والأدب. تضمن برنامج اللقاءات العاشرة الأورو مغاربية ثلاث ندوات من تنشيط أمزيان فرحاني، جمعت أسماء أدبية جزائرية معروفة وعربية وعالمية، حيث ناقشت كل من الكاتبة نصيرة بلولة من الجزائر وشكري مبخوث من تونس وبيدرو اينريكيز مارتينيز من إسبانيا إشكالية ”خامات نقية أو شظايا متناثرة؟”، فيما تطرق سمير تومي وايوان مورار من رومانيا لموضوع ”مائة وجه للذاكرة” خلال الجلسة الثانية، وعاد كل من ستافرولا ديميتيريو من اليونان وشرف الدين ماجدولين من المغرب إلى موضوع ”لا ذاكرة لا أدب”. قال الكاتب التونسي شكري مبخوث إن الروائي ينطلق في كتاباته من ذاته وذكرياته ومواده التي اختارها، حيث يرى أن الذكرى تمثل مادة خام يكفي أن نتذكرها حتى نغيرها وليس تحريفها ولكن إعادة تمثيلها ربما بشكل أجمل، لأنها تتعرض للإضافة والتحسين ”أحيانا نكذب لنجعل الحكاية جميلة”. الذكريات تكتسب قيمتها أثناء إدراجها في عمل أدبي أوضح مبخوث أن كل هذه التحريفات ضرورية لأن هذه الذكريات لا تكتسب قيمتها في ذاتها وإنما في إدراجها في عمل أدبي، ”لا أستطيع أن أكتب دون ذاكرة مكانية، أنا أستحضر الذكريات ويقال إن كتاباتي واقعية، أستطيع تصور شخصية وخلق رواية، لكن لا أستطيع ابتكار المكان”. وأرجع مبخوث سبب توظيفه للمكان في أعماله الروائية إلى أنه يحب أن يكون قارئ روايته يعرف أن أحداثها تدور في تونس، فيما ذكرت الكاتبة نصيرة بلولة أن استعمال الكاتب للذكريات في كتابته يتوقف على ما يؤلفه المرء، وقالت إنه ”عندما نكتب سيرة ذاتية فإننا نستعمل ذكرياتنا بشكل كبير، أما إذا كانت قصة أو رواية فالكاتب لا يهتم بذكرياته كثيرا، لكنه عندما يعيد قراءة ما كتب يجد عمله مليئا بذكرياته، أي أنه يوظفها دون أن يتعمد ذلك”. وترى أن ذلك يعود إلى أن هذه المؤلفات تعكس مشهدا أو مكانا ما له علاقة بالكاتب. وأفاد الإسباني بيدرو اينريكيز مارتينيز، المعروف أكثر بأعماله الشعرية المتنوعة، بأن الشاعر يركز على ماضيه فهو المرآة العاكسة للواقع المعاش الذي ينعكس أيضا على الحاضر، ويعتقد أن الذكريات بمثابة خيال أو حلم يتحول إلى واقع على صفحات المؤلفات وأن الذكريات تجعلنا نرى الواقع يتغير ”الذكريات تغير واقعنا المعاش وتغير نظرتنا للواقع”. كما تساءل مارتينيز عن مكمون الإلهام وسبب حضوره لمرات وغيابه لمرات أخرى؟ وهل هو هبة من السماء أم أنه نتاج العمل الجاد والشاق للمؤلف؟ مؤكدا أن العمل والإلهام هما سر نجاح العمل الأدبي ”كل ما يثير انتباهي في شكله الخام أحاول أن أبني عليه إنتاجا أدبيا سواء أكان جيدا أم سيئا”. كما علق مارتينيز مستقبل المؤلف الأدبي بوجود الإلهام، وقال إنه إذا لم يوجد الإلهام فلن يكون هناك مؤلف أدبي. شخص دون ذكريات.. شخص دون هوية قال الكاتب سمير تومي إن الذاكرة ليست التي تتخذ أشكالا عدة بل تفاعلنا معها وسبيلنا للخروج منها بشيء ما، وأفاد بأنه في مؤلفه الأخير ”المحو” وظف الذاكرة بقوة، ما مكنه من إخراج العوائق في ذهنه. وأوضح تومي أن سيرورة الكتابة أهم القوى المحركة في تأليفه وأول مادة خام ينهل منها لإحياء ما مات فيه، وقال إن الكتابة سمحت له بفتح الباب أمام الذاكرة، مشيرا إلى أن تجسيد الذاكرة أمر عسير ”مررت بالخيال العام إلى الخاص ووصلت به إلى بناء شخصياتي بالاعتماد على ذكرياتي”، مؤكدا أن التأليف كان سبيله للتذكر. أكد تومي أن الشخص دون ذكريات شخص دون هوية ”العلاقة مع الذكريات وتشكيلها هو الأمر الذي يكمل نضج الأشخاص والذاكرة الجماعية تتأثر عندما تنمحي الذاكرة الفردية”. كما حث الكاتب على ضرورة بحث المؤلف عن ذكرياته الخاصة التي يبني عليها مؤلفاته أو ذكريات خاصة بأفراد العائلة، مشيرا إلى أن المؤلف يبني ذكرياته أحيانا انطلاقا من الأرشيف، ما يسمح له، حسبه، بالتعايش مع شخوص أخرى، ويرى، من جهة أخرى، أن مشكلة الذكريات تتعدد تأويلاتها وهو ما يواجهه المؤلف خلال التأليف خاصة الرواية، وقال إن المشكل عندما يدخل المؤلف إلى الذاكرة الجماعية والتاريخ وعند بناء صرح الذاكرة يتناسى نسبية الحقيقة، لأنه لا وجود لحقيقة واحدة، يقول الكاتب. من جانبه كشف ايوان مورار من رومانيا أن الذكرى أقوى من المكتوب، وحسبه فإن المكتوب لا يمكنه أن يعكس أوجه الروح ”الذكرى غذاء للروح والعقل، إن كنت أتذكر فأنا موجود وعلي أن أخط ذلك على الورق”، وهذا ما يركز عليه كمؤلف. وذكر مورار أن التاريخ يكتبه المنتصرون، وقال إنه من واجب المؤلف أن يمتد قلمه إلى المهزوم ”نحن نسمع حقيقة المنتصر ونتناسى حقيقة المهزوم”، ويرى أن النسيان يمثل العدو اللدود للذاكرة، لكنه لم ينف في الوقت نفسه أهميته في القضاء على الذكريات السيئة، وقال إن الإنسان يتعمد نسيان الذكريات السيئة والاحتفاظ بالجيدة، والكاتب، حسبه، يعمل على استعمال التاريخ والخيال لكتابة الحقيقة كما هي. دون ذاكرة وخيال ليس هناك أدب تعتقد الروائية اليونانية ستافرولا ديميتيريو أن الخيال هو القناة التي تنقل عبق الحياة، وقال إن الإبداع والخلق الأدبي نتاج للذاكرة والخيال وهما وجهان لعملة واحدة، يستلهم منها الكاتب مؤلفاته ومادته الخام، مشيرا إلى أن الخيال هو عبارة عن إمكانية بناء أشياء جميلة وملموسة، ويصبح الخيال ناقل المؤلف إلى المستقبل،أو الماضي، مؤكدا أنه دون الخيال لا يمكن للقارئ تصور النص وتعلمه ”إن الخيال فن يجمع كل الفنون الأخرى، ويصل إلى تصوير الثقافة المركزة على الذاكرة”. وفي مفهوم الكاتب، فإن الذاكرة تستعمل في الشعر أكثر من الرواية التي تعتمد أكثر على التصور والخيال، وخلص إلى القول إن الذكرى والخيال أداتان تسخران لخدمة الأدب. وأوضح شرف الدين ماجدولين من المغرب أن التخيل هو عبارة عن صناعة الماضي وإعادة تركيبه على نحو قد يكون مختلفا جذريا، وقال إن العملية الأدبية هي عملية نسيان للماضي وإعادة صناعته بطريقة جديدة، حيث يعتقد أن الكثير من السير الذاتية تعتمد على عبارات ”تذكرت” ”استحضرت”، وقال إن الحديث عن الأدب هو الحديث عن السرديات وعوالم لغوية غير مرئية، كما قدم الروائي مفاهيم للذكريات والذاكرة وقال إن خطاب الذاكرة يتعلق بالحديث عن أشياء موجعة وأليمة مثل مذكرات السجناء والمرضى، بينما الذكريات تمثل استعادة ما هو مفرح وتثبته على الورق.