إذا صحت الرسائل التي تضمنها خطاب رئيس تجمع أمل الجزائر، عمر غول، وكلمة معاذ بوشارب باسم التحالف الرئاسي، في المؤتمر الوطني الأول ل"تاج"، بأنها ب"إيعاز"، فإن فكرة استمرارية الرئيس بوتفليقة في الحكم، إما بعهدة خامسة أو التمديد، أصبحت خيارا حقيقيا للموالاة. تحول مؤتمر "تاج"، أمس، الذي احتضنت يومه الأخير المدرسة العليا للفندقة في العاصمة، إلى ندوة "مصغرة" للإجماع الوطني ل"بناء جزائر جديدة"، لبّت أحزاب وشخصيات من المعارضة والموالاة حضورها، فجلس في الصف الأول أطراف التحالف الرئاسي، منسق هيئة تسيير الأفالان رئيس المجلس الشعبي الوطني، معاذ بوشارب، وأمين عام الأرندي الوزير الأول، أحمد أويحيى، وأمين عام الحركة الشعبية الجزائرية، عمارة بن يونس، ومعهم نائب رئيس حركة "حمس"، عبد الزراق عاشوري، وممثل من حزب طلائع الحريات الذي يقوده علي بن فليس، ورئيس حزب العدالة والحرية، محمد السعيد، بالإضافة إلى مستشار رئيس الجمهورية، سعد الدين نويوات. أما بقية أحزاب المعارضة وأبرزهم الأفافاس والأرسيدي فأكدوا الحضور لدى تلقي الدعاوى، وأعلنوا ترحيبهم بمبادرة "الندوة الوطنية للإجماع الوطني"، حسب تصريح رئيس "تاج"، عمر غول، للصحافة، كما حضر رئيس الهيئة المستقلة لمراقبة الانتخابات، عبد الوهاب دربال، والوزير سابقا شريف رحماني الذي خطف الأنظار، ورئيس حركة الإصلاح الوطني فيلالي غويني وأحزاب أخرى كثيرة ووزراء سابقون، على غرار عبد الرحمن بن خالفة وسعيد بركات. وسجل رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة حضوره عبر خطاب غول الذي اعتبر أن "الوفاء له ودعمه ثابت ودائم ومستمر، وإنجازات الرئيس كبيرة وكثيرة لا ينكرها إلا جاحد، ويجب النظر إليها على أنها جهد واجتهاد بشري لا ملائكي". استمرارية الرئيس بوتفليقة في الحكم إما بعهدة خامسة أو تمديد العهدة الحالية لفترة محددة تحولت إلى حقيقة في مؤتمر"تاج"، بل كانت هذه المحطة تمهيدا رسميا ل"الاستمرارية" التي اختار لها غول غلاف مبادرة "الندوة الوطنية للإجماع الوطني"، بحكم أن الجزائر "تواجه اليوم تحديات وتهديدات ومخاطر داخليا وإقليميا ودوليا، وهذه التحديات والمخاطر والتهديدات تستوجب الإسراع في تحقيق إجماع وطني لمجابهتها وتفويت الفرصة أمام المتربصين والمستهدفين لأمننا واستقرارنا ووحدتنا وكياننا، ومن أجل حلحلة الإشكاليات المعقدة المطروحة والاستجابة للانشغالات ذات الأولوية، ومن أجل الشروع في إصلاحات قوية لبناء دولة قوية، تستجيب لمتطلبات المرحلة وتحصن الجزائر من التهديدات المحدقة بها"، حسب رئيس "تاج". هذا الإجماع الذي يدعو إليه غول يستوجب، استنادا إلى خطابه، "طي صفحة الخلافات والنزاعات والتراشق والتجريح والتشهير والتهميش والإقصاء والتخويف والتخوين والتنازل وترك النزاع والتقارب والتعيش والتضامن من أجل الجزائر، ووضع جانبا طموحاتنا الشخصية الضيقة والطموحات الحزبية الضيقة والزعامات والأيديولوجيات المقسمة لصفنا، والتحلي بثقافة التجميع للجهود وتثمين جهد الجميع ونبذ التفرقة والخلاف والانقسام ودحض ثقافة نكران الجميل". خيار تحقيق "الإجماع الوطني" وضعه رئيس "تاج" في مرمى الطبقة السياسية لتحدد شكله، إما "لقاء وطني أو جلسة وطنية أو ندوة وطنية أو أي فضاء يحقق مضمون الإجماع الوطني من أجل رفع التحديات وصد المخاطر والتهديدات وبناء جزائر آمنة"، استنادا إلى كلامه. ورد غول ضمنيا على رئيس "حمس" الذي اتهم "تاج" ب"سرقة فكرة "حمس" للتوافق الوطني"، موضحا: "لا نقصد من خلال اجتهادنا هذا منافسة أي مبادرة أو إلغاءها أو الإنقاص منها أو تهميشها أو السطو أو الدوس عليها أو إقصاءها، بل نريد الاستفادة من كل المبادرات وكل الأفكار المطروحة"، مضيفا: "فأيها العقلاء، من أبناء الوطن، أيّها الحكماء، أيها الشرفاء، لا يجب أن تفوت فرصة الإجماع". مبادرة "تاج" بعقد ندوة وطنية للإجماع الوطني حظيت بدعم التحالف الرئاسي الذي تلا باسمه رئيس المجلس الشعبي الوطني منسق هيئة تنسيق الأفالان، معاذ بوشارب، خطابا قال فيه إن "سنتمكن في كنف الأخوة (التحالف) وفي إطار التشاور والحوار من بلوغ الأهداف المتوخاة من التحالف الرئاسي، ولأننا نؤمن بفضائل الحوار كقيمة مثلى، فإننا نؤكد مرة أخرى انفتاحنا على كل المساعي الخيرة والاقتراحات البناءة (يقصد مبادرة "تاج") واستعدادنا التام لدراستها والتفاعل معها، بما يضمن مواصلة تطبيق برنامج رئيس الجمهورية ويؤمن مسيرة الجزائر الظافرة". الكلام الذي ورد في خطاب بوشارب واضح جدا أنه جاء ب"إيعاز"، فكان من بدايته إلى نهايته تأكيدا على استمرارية بوتفليقة في الحكم، على أن يبقى الخيار مجهولا، إما عهدة خامسة أو تمديد العهدة الحالية، قائلا: "إننا في التحالف الرئاسي قد جسدنا عمليا تعاوننا المثمر في تطبيق برنامج رئيس الجمهورية، كما أعلنا معا عن قناعتنا الراسخة وإرادتنا القوية في تعزيز هذه الشراكة السياسية من أجل مستقبل زاهر لبلادنا، من خلال مواصلة تطبيق برنامج الرئيس". والأكيد أن بوشارب لا يقصد مواصلة التطبيق في الأربعة الأشهر باقية من عمر العهدة الرابعة. والجزء الذي يثبت فيه بوشارب استمرار بوتفليقة هو الذي أشار فيه حرفيا: "النتائج الملموسة والمكتسبات الهامة التي تحققت منذ انتخاب الرئيس بوتفليقة إلى يومنا هذا على جميع الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والعسكرية، وغيرها من المكتسبات الثمينة التي تعبر عن نفسها ويلمسها المواطنون يوميا في الميدان، هي حقيقة ماثلة للعيان وهي تفرض على الغيورين من أجل جزائر رائدة ومستقرة ومزدهرة وآمنة العمل الجاد على الاستمرارية في هذه الديناميكية البناءة". وأضاف: "إن التحالف الرئاسي فضاء سياسي يدعم رئيس الجمهورية ويرافق برنامجه الواعد والطموح، وإننا لسائرون على هذا النهج القويم". وانتهى المؤتمر بتزكية عمر غول رئيسا لحزب تجمع أمل الجزائر لعهدة ثانية.