يتحدث الرئيس التونسي السابق، محمد المنصف المرزوقي، في هذا الحوار الذي خص به "الخبر"، عن مسار الانتقال الديمقراطي في تونس، بعد ثماني سنوات من ثورة الحرية وهروب زين العابدين بن علي، ويعود إلى فترة رئاسته للجمهورية والتحديات الصعبة التي واجهتها تونس في تلك الفترة، ويفسر العوامل الداخلية والإقليمية التي سمحت بعودة جزء من رموز النظام السابق إلى الحكم، ويطرح تصوره للأفق السياسي والتحولات التي ستشهدها تونس في السنة الانتخابية 2019، والتي ستشهد إجراء الانتخابات النيابية والرئاسية. في 14 جانفي 2019، يصل قطار الثورة في تونس إلى محطته الثامنة منذ سقوط نظام بن علي، إذا كان من الظلم القول إن الثورة لم تحقق شيئا، هل من العدل أن نقول إن الثورة حققت لتونس وللتونسيين مكاسب؟
أعطني مثالا واحدا تكون فيه الثورة قد حققت كل أهدافها في بضع سنوات، الناس تعتقد أن الثورة زر كهرباء يمر بنا من الظلام إلى النور، الثورة مسلسل طويل وصعب وبالنسبة لي هي منعرج، يكون المسار التاريخي في اتجاه وتأتي الثورة لتحول المسار إلى طريق آخر، والطريق الجديد طويل ومحفوف بالمخاطر، وأنا دائما أعطي مثالا من الثورة الفرنسية التي استغرقت 70 سنة لكي تحقق بعض أهدافها، وهناك ثورات تفشل تماما في تحقيق الأهداف، وهناك ثورات تحقق بعض الأهداف في زمن طويل، وهناك ثورات تحقق إنجازات في ظرف قصير، لا توجد هناك مؤشرات وقالب محدد للثورات. في تونس، أعتقد أن مقياس الفشل والنجاح مرتبط بتحقيق الأهداف التي طرحتها الثورة، التونسيون خرجوا في ديسمبر 2010، وكانوا ينادون بالكرامة، يعني الحرية والخبز، إجمالا أستطيع أن أقول إن الثورة التونسية حققت 50 في المائة من مطالبها، حققت الحرية حيث تونس اليوم بلد حر، الإعلام فيها حر إلى أبعد درجة، الشعب التونسي حر ولديه دستور جديد ولديه مؤسسات هامة جدا تؤسس للديمقراطية، استقلال القضاء ومؤسسة محاربة الفساد وحماية الحقوق، وهي مؤسسات تضمن الحريات، إذن نحن في تونس حققنا جزءا من الأهداف، والدليل أنك اليوم أمام رئيس دولة سابق، لا هو في السجن ولا في المنفى ولا هو القبر، وهذا لا يتحقق إلا في دولة حرة، حققنا 50 بالمائة من أهداف الثورة، بقيت ال50 بالمائة من الأهداف الأخرى المتعلقة بالخبز والتشغيل لم نحقق منها شيئا، لأسباب عديدة ومتعددة، أنا أعتقد أن الصراع مازال متواصلا، ولدي قناعة أنه عندما يغلق قوس الثورة المضادة التي هي جزء من المسار الطبيعي للثورات، في انتخابات 2019، سنعيد الصراع من أجل تحقيق أهداف العدالة الاجتماعية والخبز والعمل للتونسيين، الذين قاموا بالثورة لأسباب اقتصادية أيضا.
قبل وقت قصير كتبت بما تقر فيه وتعترف ببعض التقصير من قبل القوى الثورية في إيصال الثورة التونسية إلى مجمل أهدافها، وبما سمح بعودة جزء من النظام السابق، فيم هذا التقصير، وما هو مكمن الأخطاء التي ارتكبت؟
الثورة التونسية ذهبت ضحية جملة من العوامل، وفشلها النسبي وخروجها (يقصد خروج القوى الثورية) من الحكم وعودة الوجوه القديمة والرئيس القادم من النظام السابق إلى السلطة نتيجة أسباب داخلية وأخرى خارجية. أقول هذا ليس للتبرير، ولكن لوضع الأمور في نصابها، سأبدأ بنفسي، أنا شخصيا وقعت في خطأ تقييم شراسة الثورة المضادة، أنا لم أقدر جيدا قوة الثورة المضادة، أنا جئت إلى الحكم وأنا لست عسكريا ولم آت من المخابرات، وكما يقال كل إناء بما فيه ينضح، أنا خريج كلية الطب وحقوقي، بحيث الحياة بالنسبة لي غالية، لأني طبيب وأعرف قيمة الحياة، وعليه لم يكن ممكنا لي أن أمارس الانتقام وأرمي العشرات في السجون كأي ديكتاتور، وحتى تفهم لماذا أخطأت بأن تفهم من أنا ومن أين جئت، أنا جئت من بيئة حقوقية وتلميذ نيلسون مانديلا، و20 سنة وأنا رئيس عديد المنظمات الحقوقية في إفريقيا، وعندما كنا بصدد التعاطي مع النظام السابق والثورة المضادة، تحركت من هذا المنطلق، وناضلت من أجل العدالة الانتقالية وعملت الكثير لأجل ذلك، لكن الطرف الآخر كان واضحا أن لديه رؤية أخرى، ولا يقبل لا بالعدالة الانتقالية ولا ليمد يده، رموز الثورة المضادة (يقصد مجموعات النظام السابق) كانوا متخوفين ومختبئين خلال الأشهر الأربعة الأولى بعد الثورة، لكن لما رأوا أنهم بصدد توجهاتي السياسية غير انتقامية ومع حركة النهضة، حيث كنا على نفس المسار بألا نكلف الشعب التونسي مصاعب التطهير، خرجت مجموعات الثورة المضادة مجددا إلى الساحة بقوة..
تقصد سيدي الرئيس أنهم استغلوا فيك هذا التوجه الذي يبتعد عن منطق الانتقام؟
بالضبط، نعم استغلوه أبشع استغلال وبأبشع طريقة، إلى درجة أنني كنت كرئيس جمهورية أتعرض للسب ليل نهار، وأنا كنت قادرا على أن أقاضيهم وأن أضع الكثيرين في السجن، لم أضع صحفيا واحدا في السجن، لكني لم أفعل لأن تربيتي الحقوقية وفكري يمنع ذلك، والخطأ أنني لم أقدر أن هذا التوجه والتسامح مع حملة الأكاذيب سيكلفنا الكثير، أنا تركتهم يسبونني ويطلقون الأكاذيب والإشاعات وأشياء رهيبة، كانوا يقولون إنني مجنون وأنني سكير وأصرف المليارات على السمك الفاخر، أنا كنت أعتقد وراهنت على أن الناس لن تصدق الإعلام الفاسد الذي سمحنا له في إطار حرية التعبير وأنه لن يكون له تأثير، غير أنه في النهاية كان له تأثير ونجح في إقناع جزء من التونسيين الذين صدقوا الأكاذيب، وعندما اكتشف التونسيون لاحقا أن كل هذه الأكاذيب كانت حملة مضللة، كان الوقت قد فات.
لكن ألا تعتقد أن هناك عوامل اجتماعية واقتصادية لعبت لصالح ما تصفه بالثورة المضادة، في علاقة بتعطل الاقتصاد وتردي الوضع المعيشي؟
نعم، هذا أكيد، لم يكن الإعلام الفاسد سبب نجاح الثورة المضادة، لكن هناك سببين آخرين، السبب الأول هو تعطل الدورة الاقتصادية وتوقف الاستهلاك، حيث تعطل الاقتصاد عن الدوران، وهذا لا علاقة له بالثورة المضادة، وفي اعتقادي أمر طبيعي، لأنه في المراحل الانتقالية لا أحد من الداخل أو من الخارج يُقدم على الاستثمار، حيث الجميع يترقب إلى أين ستؤول الأمور، وبالنسبة للاستهلاك كل من كان لديه القليل من المال احتفظ به تخوفا من المستقبل، وعليه عشنا ثلاث سنوات توقفت فيها عجلة الاقتصاد، بينما كانت تدور ولو بنسبة ضعيفة قبل الثورة، بحيث يظهر لكل مراقب أن الثورة عطلت الاقتصاد. والسبب الثاني هو طول فترة المرحلة الانتقالية التي بقيت ثلاث سنوات بسبب الدستور وغيرها، بينما كان يجب أن ننتهي من المرحلة الانتقالية في ظرف عام واحد، لأنه كلما طالت المراحل الانتقالية كلما تراكمت المشكلات، وهذا أثقل على التونسيين بعض الشيء. لكن هناك أهم عامل هو العامل الخارجي، حيث كانت تونس مستهدفة من عدة أطراف، لكونها منطلق الثورات العربية التي انطلق منها الربيع العربي الذي أخاف كل الأنظمة، فصبت علينا كل الهموم، لم أكن أبدا أتصور أن بلدا مثل الإمارات يستعدينا إلى هذه الدرجة، أطلقوا على تونس الإرهاب، وهو إرهاب ممول وأطلقوا علينا الإعلام الفاسد من أجل إفشال تجربة الربيع العربي، كان واضحا أن هناك إرادة إقليمية لإفشال الربيع العربي الذي أفشل بالحرب الأهلية في ليبيا وسوريا واليمن، وبالانقلاب العسكري في مصر، بينما حاولوا إفشاله في تونس بالإرهاب والإعلام الفاسد والمال الفاسد، ورغم أنه سبب لنا نكسة لكنه لم يستطع إفشال التجربة التونسية بالكامل، ولدي قناعة أننا سننجح في تونس، لأن الشعب التونسي لديه كل الوعي بمنجزاته.
أفهم من كلامك أنك متحسر، وأنت تخرج من قصر الرئاسة في عام 2014، إنك سلمت الرئاسة إلى رجل محسوب على نظام ما قبل 2011، أقصد الرئيس الباجي قايد السبسي..؟
بالنسبة لي أعتبر أن النظام السابق عاد بطم طميمه وانتصر علينا لسببين، بالمال والإعلام الفاسد، ثم إن النظام السابق والوجوه القديمة نجحت في استدراج واستقطاب جزء من القوى التي كانت معنا (مع القوى الثورية) إلى جانبه، وقام بابتزاز حركة النهضة وجذبها إلى صفه، "النهضة" كان لديها بعض التوجس، ذهبت معهم بسبب الخوف من تكرار السيناريو المصري (انقلاب السيسي) في تونس، وعليه فإن الجزء القوي الذي كان يسند الثورة ذهب معهم وهذا هو الانتصار الكبير للثورة المضادة، وأنا شخصيا أقرأ التاريخ كثيرا ولم أفاجأ بذلك، في عام 2012 زارني في القصر صديقي المفكر عزمي بشارة، وسألني إن كنت سأترشح مرة أخرى للرئاسة في انتخابات 2014، فقلت ممكن أن أترشح، قال لي إياك، لأنه في التاريخ بعد الثورة تأتي دائما الثورة المضادة في السياق الطبيعي، تماما مثل الرضيع حيث لا يستطيع الوقوف على رجليه مباشرة بعد ولادته. للأسف، نحن كانت لدينا قناعة وإيمان وأمل أنه ربما نستطيع أن نتقدم على صعيد المسار الانتقالي ونختصر الطريق، وأنه في حال سمحنا بعودة الثورة المضادة فسنضيع الكثير من والجهد الوقت على تونس، لكن للأسف التاريخ كان أقوى مني، وعادت الثورة المضادة، لكنها الآن في أوج أزمتها، بحيث لم أكن أتصور أن رئيس الجمهورية (الباجي قايد السبسي) ورئيس الحكومة (يوسف الشاهد)، وهما من نفس العائلة ونفس المنظومة من نفس الطبقة الاجتماعية ومن نفس الحزب السياسي، يصلان إلى حالة الحرب المفتوحة بينهما كما هو واقع الآن، وهذه لحظة انهيار تام للثورة المضادة التي دخلت مرحلة أزمة وأخلاقية وسياسية، وانهيار تام للاقتصاد التونسي. وأعتبر أن هذا سيعجل بنهاية الثورة المضادة في 2019، بحيث يمكننا في الانتخابات المقبلة أن نضع قطار الثورة على السكة مجددا.
بالعودة إلى مبررات تحالف وتوافق "النهضة" مع ما تصفه بالثورة المضادة، هل كان ذلك برأيك تكتيكا من الحركة لأنها كانت بصدد أزمة وجود وبالتالي الخوف والعودة إلى السجون والمنافي؟
أنا لا أظن أنه كان تكتيكا سياسيا، أعتقد أنهم كانوا خائفين من النموذج المصري إلى درجة كبيرة، وبالنسبة إليهم فإن الربيع العربي صفي وانتهى، وبالتالي هم أيضا سيصفون وينتهون، وبالتالي فإن معركة الوجود هي أن يسيروا مع النظام الحالي للحفاظ على الأقل على وجودهم.
أفهم من كلامك أنك تتفهم موقف "النهضاويين" في ذلك الوقت بالتوافق مع رموز النظام السابق ؟
القضية بالنسبة لي لا تتعلق بأن أتفهم موقف قيادات وخيارات حركة "النهضة" أم لا، القضية أنهم اتخذوا هذا الخيار، وهو خيار ربما يحل لهم مشكلتهم على المدى المتوسط ولكن لن تحل مشكلتهم على المدى الطويل، لأن المجموعة التي ارتهنتهم ستواصل ارتهانهم وستواصل ابتزازهم وفي النهاية سيدفعون النهضة إلى أن تتخلى عن كل ثوابتها وشخصيتها ومبادئها السياسية، وحينها ستفقد النهضة قواعدها وتنتهي سياسيا، أما إذا حاولت المواجهة فسيتم ضربها لأنها أصبحت وحدها بعدما تخلت عن أصدقائها السابقين وستكون فريسة، أعتبر أن هذا هو الوضع الخطير الذي تواجهه حركة النهضة الآن.
في وضع مثل هذا هل يمكن في لحظة سياسية لك وللقوى الثورية أن تعيد الاجتماع مع الغنوشي وحركة "النهضة"، باعتبارها في النهاية قوة سياسية قادمة من المناخ الثوري؟
أنا لم أخرج أبدا عن الطريق، لكن بالنسبة لي هناك اختلاف في التصور، أنا أعتقد أنه لا يمكن أن تبني الجديد بالقديم، صحيح عفا الله عما سلف لكن بالنسبة لي يجب على تونس بعد سبعة عقود من الحكم الاستبدادي الفصل التام عن المنظومة القديمة بما تمثله من عقلية سياسية، وإعادة بناء تونس على أسس عقلية جديدة وأحزاب وشخصيات جديدة، هم (النهضة) قالوا لا، وقالوا إنه ليس هناك حل غير التواصل مع منظومة فاسدة ومتهالكة، نبقى مع المنظومة القديمة، أنا ومن معي سنواصل طريقنا وفق رؤيتي، وإذا هم النهضة والإسلاميون اكتشفوا أن طريقهم وإستراتيجيتهم لن توصلهم إلى شيء وعادوا فليكن، لكن أنا لن أذهب إليهم على أساس خيارات انتخابية، أنا مساري لم يتغير على مدى خمسين سنة، وموقفي الثابت هو القطع الجذري والنهائي مع البورقيبية ومنظومة بن علي الفاسدة، المبنية على الفساد والزبونية والجهوية والعنصرية، وهي التي أهلكت تونس، كان بإمكان تونس أن تكون في مستوى تركيا وماليزيا، ولكن اليوم تونس بلد متخلف ويتراجع حتى بالنسبة لدول إفريقية مقارنة مع إمكانيات تونس والكفاءات التي يزخر بها.
تحدثت أن تونس تعرضت لإرهاب مصطنع وممول، أنت كنت رئيسا وتجتمع مع القيادات الأمنية، على أي أساس تقول إن الإرهاب في تونس ممول من الخارج، وهل كانت لديكم معطيات ثابتة بهذا الشأن؟
أنا أقول لك كيف ذلك، إنه في كل مرة كنا نريد أن نخطو خطوة إيجابية للتقدم في مسار الانتقال الديمقراطي، كانت تحدث عملية إرهابية تكبح هذه الخطوة. في حادثة اغتيال الشهيد محمد البراهمي، وقبل اغتياله بقليل اتفقنا في اجتماع عقد على ما أذكر في 22 يوليو حضرته مختلف مكونات الطيف السياسي، اتفقنا اتفاقا كليا تماما على تسريع تنظيم الانتخابات، على أن تتم في شهر سبتمبر من تلك السنة 2013، سنة قبل تنظيمها في 2014، كنا مقتنعين جميعا بأن نسرع في الانتخابات لمنح تونس حكومة مستقرة، ولأننا كنا نعرف أنه مادام المرحلة الانتقالية تطول مادام الاقتصاد معطل، لكننا تفاجأنا بحادثة اغتيال الشهيد البراهمي في 25 جويلية، كان واضحا أنها عملية كانت تستهدف تعطيل المسار، كما أنه كلما حاولنا التقدم كلما ضرب الإرهاب، ولحد الآن نحن نبحث بدقة في من وراء الإرهاب والاغتيالات، نجد أن القضية تتجاوز تونس بكثير.
الصراع السياسي اليوم في تونس انتقل إلى صراع بين مجموعات الحكم في نداء تونس، وانعكس هذا الصراع على مجمل المشهد التونسي وإلى درجة يكاد أن يعطب المسار الانتقالي بالكامل، كيف يمكن أن تتجاوز تونس هذا الفخ ؟
غرفة العمليات المضادة للربيع العربي في الإمارات تريد إيقاف كل ما له علاقة بالربيع العربي، واتخذت قرارا استراتيجيا على هذا الأساس ووفرت الرجال والأموال لذلك، بالنسبة لهم يجب تعفين الوضع ومنع عودة التيار الثوري إلى الحكم، وهذه قرارات استراتيجية أعرفها وأنا واثق منها، وبالتالي نحن بحاجة إلى أن تعود القوى الثورية إلى الاجتماع مجددا ونحن نعمل على هذا، لأن الديمقراطية نفسها في خطر، وفي الانتخابات المقبلة المقررة هذه السنة 2019، إذا لم تضع القوى الديمقراطية الثورة على السكة، فإن قوى الثورة المضادة ستعتبر أنها نجحت وستمر إلى المرحلة اللاحقة، وهي مرحلة تصفية النهضة والمرزوقي وغيرنا. تونس اليوم واحة للديمقراطية، والواحة التي تحيط بها الصحاري، إذا لم تحم نفسها فستغطيها الرمال.
في وضع كهذا، كيف كان دور الجزائر في الوضع التونسي، وأنت كنت رئيس جمهورية وكنت تتعاطى مع الجزائر الرسمية ؟
علاقتنا مع الجزائر هي أوثق علاقة بين بلدين، وأعتبر أن العلاقة بين الجزائروتونس علاقة ترابط وتواصل، لأن كل ما كان يضر البلدين كان يضرنا في تونس، بكل صراحة الإخوة الجزائريون لم يضرونا مثلما تضررنا من إخوة آخرين، كنت أتمنى أن يكون دعمهم أكبر، وكنت أتمنى تحريك الاتحاد المغاربي لأنه لو يفتح هذا الفضاء المغاربي ستحل الكثير من مشاكلنا الاقتصادية في تونس، على كل حال الجزائر بالنسبة لنا دائما بلد مهم ومساعد.
في فترة حكمك كان هناك انطباع بوجود بعض التحفظ من قبل الجزائر على سياساتكم، مثلا عندما دعوتكم إلى قمة مغاربية في طبرقة كان رد سياسي جزائري غير متفاعل معكم ؟
أتصور أن السلطة الجزائرية كانت تراقب بحذر الوضع في تونس، وكانت ترى ما سيؤول إليه من مخرجات، ومدى انعكاسه على الوضع الداخلي والأمن القومي في الجزائر، أيضا كانت هناك مشكلة أن البعض يتصور أنه لكون والدي مدفون في المغرب ولدي إخوة مغاربة فإني قريب من المغرب أكثر مني إلى الجزائر، وهذا غير صحيح، بالعكس، كنت أقول إنه لا يمكن أن تختار بين شقيقين متخاصمين، أنا كنت دائما أحاول أن أقرب وجهات النظر، وتونس كانت تريد أن تلعب دورا في ذلك، كنت دائما أقول للجميع إن عودة الشعبين والبلدين الجزائر والمغرب والمصالحة بينهما ستقع يوما ما بالضرورة، بعد سنة أو عشر سنوات أو مائة سنة ستقع لا محالة، نحن نضيع الوقت ليس إلا، ولذلك كان يمكن أن نأخذ شرف المصالحة، ونعيد بناء الحلم المغاربي، أملي في أن يصبح ممكنا أن تركب سيارتك وتنطلق من نواقشوط إلى طرابلس يوما ما، الأوروبيون ليسوا أفضل منا مطلقا.
تونس في 2019 ستعيش سنة انتخابات ؟ هل يمكن أن نرى السيد المرزوقي مرشحا للرئاسة مجددا في الانتخابات القادمة ؟
يطرح علي هذا السؤال طول الوقت، وأرد عليه بنفس الكيفية، ليس تهربا وإنما احتراما للقواعد في حزبنا، والقرار يتخذ بكل ديمقراطية، ومسألة الترشح لم تطرح لحد الآن، مشكلتي الأساسية الآن ليست في الترشح، وإنما في ضمان أن تكون هناك انتخابات وفي ضمان نزاهتها، لأنه ما الفائدة من الترشح بينما هناك من يتحدث عن تأجيل الانتخابات وهذا أمر خطير، وشروط النزاهة غير متوفرة، حيث لم يتم تشكيل المحكمة الدستورية وهي معطلة، رغم أنها جزء أساسي من الانتخابات النزيهة، اللجنة العليا للانتخابات تعرف مشاكل كبيرة وليس لديها رئيس لحد الآن، وقضية الإعلام الذي لعب دورا خبيثا جدا في المرة (الانتخابات) الماضية، إذن عندما تكون هناك انتخابات وتعطى فيها ضمانات، عندها تصبح مسألة الترشح مطروحة، لكن في الظروف الحالية سيكون من العبث أن أتحدث عن الترشح.
في انتخابات 2011 الشعب أعطى صوته للقوى الثورية، في 2014 شعر الشعب أن هناك عطبا اقتصاديا فحول جزءا من الأصوات إلى حزب نداء تونس،، ثم اكتشف التونسيون أن نداء تونس لم يحقق أي منجز بخلاف إعادة إنتاج مشاهد من النظام السابق. هل تعتقد أن السلوك الانتخابي للتونسيين سيتغير في انتخابات 2019 ويمكن أن تعود قوى الثورة إلى الصدارة؟
أكيد، وهذه قناعتي المطلقة، هم يلعبون على عامل ترذيل السياسة وإقناع التونسيين بأن كل الأحزاب سواء، وبالتالي دفع الناخبين إلى العزوف، وعندها تتحرك الماكينات الانتخابية لشراء أصوات الفقراء بالأموال، وغرفة العمليات التي تدير سياسات الثورة المضادة تعمل على هذا الأساس، لكن عندي قناعة بأن الشعب فهم اللعبة وغسل يديه من القوى التي كذبت عليه في 2014، وقدمت له الباجي ووعوده الزائفة ب800 كيلومتر من الطرق السريعة والمليارات من الاستثمارات ومناصب الشغل، التونسيون يرون اليوم الباجي في صراع مع رئيس حكومته، في صراع وجودي على الحكم، وهنا يتوجب على قوى الثورة أن تقدم البديل للشعب التونسي، الثورة التونسية نجحت 50 في المائة في تحقيق بعض أهدافها، بينما الثورة المضادة التي عادت إلى الصدارة في 2014، انهارت الآن تماما اقتصاديا وإعلاميا وسياسيا وأخلاقيا، خاصة أخلاقيا، ولا يمكن لأحد أن ينقذها، حيث ليس لديها شخصيات كاريزماتية، لذلك تحاول هذه القوى أن تصنع بطولات وهمية وتنشر عمليات سبر آراء كاذبة. أعتبر أن الظروف مناسبة لعودة القوى الديمقراطية غير الفاسدة ولإعادة البلاد إلى السكة، وأنه مازال ممكنا لكي تصبح تونس دولة ديمقراطية، وإذا لا قدر الله وبقيت هذه المنظومة في الحكم، فإن ذلك سيؤدي إلى العنف، لأن الناس لا يصبح لها ثقة في التغيير، أو عودة الاستبداد مثلما عاد السيسي ورجوع المنظومات القديمة.
منذ 2011 قدم الاتحاد الأوروبي وعودا كثيرة بدعم التجربة التونسية سياسيا واقتصاديا، برأيك هل وفت أوروبا بوعودها لتونس أم كانت مجرد بروباغندا سياسية؟
للأسف لا، الأوروبيون لم يقدموا لنا شيئا، أنا أعرفهم جميعا وقلت للزعماء الأوروبيين إن لدينا مشكلات تتعلق بتمويل المشاريع التي تساعد على توفير العمل للبطالين، والديون الخارجية التي كانت تخنقنا، عندما كنت رئيسا، قلت للأوروبيين إننا لا نطالب بمسح الديون، لكن نطالب بخفض هذه الديون مقابل أن نستعمل هذا الفارق في شراء المستلزمات الصناعية لتشغيل الشباب من أوروبا نفسها، حصلنا على خفض طفيف للدين فقط، حتى عسكريا لم يساعدنا الاتحاد الأوروبي لمواجهة الإرهاب الذي كان الجيش التونسي يواجهه بأسلحة ومعدات ضئيلة وتكاد تكون معدومة، عندما تسلمت الرئاسة وجدت الجيش في حالة كارثية، لأن بن علي كان يخاف من الجيش ولم يعمل على تسليحه، والذين ساعدونا في مجال السلاح والتجهيز الأمني هم الأتراك والقطريون، ولذلك قوى الثورة المضادة تكره الأتراك والقطريين وتعتبرني عميلا لهم.
يحسب ضدك قرارك استضافة تونس لمؤتمر أصدقاء سوريا وقطع العلاقات مع دمشق، الآن هناك مسار معاكس حيث يجري بحث دعوة سوريا إلى القمة العربية في تونس، بعد ست سنوات. هل تعتبر أن ذلك المؤتمر كان خطأ وأدخل تونس في سياسات المحاور ؟
أنا أطلب منك ومن الجميع العودة إلى خطابي الذي ألقيته في مؤتمر أصدقاء سوريا، كانت حاضرة وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون ومسؤولون من كل الدول، قلت حينها إن أكبر خطأ هو تسليح المعارضة السورية والتدخل الخارجي، وإذا وقع هذا ستخرب سوريا، هذا ما قلته وأنا متمسك به، قلت اتركوها ثورة سلمية ديمقراطية، ولو لم يحدث ذلك لما وقع كل الدمار في سوريا، أما بالنسبة لقرار قطع العلاقات مع النظام السوري، في عام 2013 كانت قمة الهمجية حيث النظام السوري والرجل (بشار) يهاجم السكان بالبراميل والقنابل، وتريد مني أنا كحقوقي أن أسكت، عندما كنا في المعارضة ضد نظام بن علي كنا نطالب الدول بأن تقطع علاقاتها مع نظام بن علي وتعاقب هذا النظام، وبالمثل من شرفي كحقوقي ومن شرف تونس ألا أقبل ما يقوم به النظام السوري الذي يحتمي بإيران وروسيا، وأنا لن أندم على موقفي السابق ولن أغيره.
منذ 2014 تسلم الباجي قايد السبسي الرئاسة، هل دعيت خلال هذه الفترة من طرف السبسي إلى القصر على سبيل الاستشارة بصفتكم رئيسا سابقا أو على سبيل المجاملة، وهل تلتقي باقي الشخصيات السياسية ؟
لم أدع أبدا من طرف الرئيس السبسي إلى القصر، بخلاف ذلك طلبت منه مقابلة ولم يرد، كان هناك لاجئون سوريون سيطردون من تونس، وكنت أود أن أحدثه بشأنهم فرفض مقابلتي، ولم أقابله حتى الآن، ولم يحدث أن تمت استشارتي من قبل الرئاسة في أي قضية، ليس هذا فقط، بل يشتمونني ويحرضون ويطلقون الأكاذيب ضدي، بعكسي أنا عندما كنت رئيسا للجمهورية، كنت رئيسا لكل التونسيين، كل الأطياف استقبلتها بما في ذلك خصومي السياسيين، والوحيدين الذين رفضت استقبالهم الحاملين للسلاح الذين يقابلهم الجيش، عدا ذلك أنا ألتقي في الوقت الحالي بمختلف الأطياف السياسية، بما فيهم حركة النهضة، لم ألتق بالغنوشي، في حين التقيت بعدد من القيادات من "النهضة"، ومكتبي دائما مفتوح للتواصل مع الجميع.