تعتقد لويزة حنون الأمينة العامة لحزب العمال، بأن المصالح المرتبطة بترشيح الرئيس بوتفليقة للرئاسيات ضخمة ولا يمكن لأصحابها أن يتنازلوا عنها بسهولة. وتقول حنون في هذا الحوار مع "الخبر"، استنادا إلى مصادرها، بأن "الرئيس بوتفليقة لم يكن راغبا في الترشح لكنه تعرض للضغوط من أطراف حذرته بأن رحيله سيوّلد الفوضى". كنت دائما تستعملين تعبير "إمكانية تحول الكمية إلى نوعية" لتحليل الغضب الشعبي من سياسات الحكومة في السنوات الماضية، بمعنى وصول هذا الغضب إلى مرحلة الحراك المطالب بالتغيير. هل نحن اليوم في هذه المرحلة؟
بالفعل. بلغنا نقطة التحول وبسرعة لم يكن يتوقعها السياسيون والمحللون. في المسارات السياسية دائما ما يحدث أن تتحول الكمية من المعاناة والحڤرة إلى موجة عميقة. أعتقد أننا اليوم في مسار ما قبل ثوري، وذلك عندما نحلل التركيبة الاجتماعية للمظاهرات التي شاركت فيها الطبقة المتوسطة والنخبة والمحامون والفنانون والكتاب والطلبة إلى جانب فئات الشعب الواسعة. هذا الحراك انطلق مباشرة من مسألة السلطة عبر طرح السؤال حول حقيقة من يحكم الجزائر والمسؤولين الذين سمحوا لأقلية ساحقة بتكوين ثروات طائلة على حساب الخزينة العمومية وعن الذين يحمون الفساد ويتسببون في الهشاشة الاجتماعية. لسنا اليوم في سحابة صيف عابرة، بل هي موجة عميقة جدا، انفجرت من دواخل المجتمع يوم 22 فيفري. وعلى الرغم من أننا كنا متخوفين من هذا اليوم مثل العديد من الأطراف في أن يسيطر على المظاهرات قبل وقوعها أطراف إسلامية تعطي لها صبغة دينية، إلا أن الشعب الجزائري أزال كل تلك المخاوف بعد أن أثبت بأنه يمتلك درجة نضج سياسي تفوق كل التصورات، فمنذ صبيحة يوم الجمعة في عنابة والعديد من الولايات، أبانت تلك المظاهرات عن طبيعتها وهو ما شجع مناضلينا على المشاركة فيها كمواطنين. ما حدث يوم الجمعة من سلمية وتآخي بين الشعب والأمن، ذكرني بالثورة البرتغالية سنة 1974 التي كان يحمل فيها المتظاهرون القرنفل ويضعونه فوق بندقية الشرطي. صحيح أن الجزائر ليس فيها نظام ديكتاتوري بل هو نظام متسلط يقمع الحريات إلا أن المقارنة يمكن أن تكون مع الحالة البرتغالية في هذه النقطة وغيرها.
ما هي الخلاصة التي خرجت بها من مظاهرات الجمعة؟
من خلال دراستنا، استخلصنا أن المسار الذي انطلق ضد العهدة الخامسة ليس بالضرورة ضد شخص الرئيس بوتفليقة الذي عبّر كثير من المواطنين عن رغبتهم في تركه يرتاح. أعتقد أن رسالتهم كانت واضحة ضد من يريدون ترشيحه لغاية إبقاء النظام والاستمرار بذلك في افتراس المال العام عبر تضخيم الفواتير والتهرب الجبائي وعدم التصريح بالعمال وغيرها من ممارسات المافيا التي كنا دائما نندد بها.
لكن في اعتقادك لماذا كان ترشيح الرئيس بوتفليقة هو الشرارة التي أطلقت هذا الحراك؟
أعتقد أن السبب هو في إحساس المواطنين بالاحتقار والإهانة والغيرة على البلاد. كما أن هناك إحساس بأن من ضغطوا على الرئيس ليترشح لا تهمهم صورة الجزائر وكرامة مواطنيها، بل همهم الوحيد كيفية المحافظة على مصالحهم. لذلك ظهر الجزائريون وكأنهم حزب سياسي كبير شعاره رفض العهدة الخامسة، لكن المواطنين في بعض الولايات، أعطوا شرحا لما يريدونه بهذا الشعار، عبر الدعوة إلى العدالة والديمقراطية والمطالبة برحيل النظام. كيف علمت أن الرئيس تعرض للضغوط من أجل الترشح، خاصة أن هناك من يعتقد بأن ترشح الرئيس يأتي بناء على رغبته في البقاء رئيسا مدى الحياة؟ أنا مسؤولة سياسية أستقي معلوماتي من مصادر موثوقة. لا يمكنني أن أتجرأ على التصريح لو لم أكن متأكدة. في سنتي 2017 و2018، كان ترشيح بوتفليقة مستحيلا لأنه كان رافضا لذلك، وهو نفس موقف الرئيس في 2014. لكن الرئيس تعرض لضغوطات من العديد من الأطراف، وأنا متيقنة أن رفضه الترشح كان أقوى هذه المرة من 2014 حتى في محيطه العائلي. ووفق القراءة التي خرجت بها، فإن الرئيس رضخ لمطلب ترشيحه، بعد أن قالوا له إذا لم تترشح ستعم الفوضى في البلاد، بالنظر لوجود العديد من الطموحات الشخصية لدى مسؤولين كبار إذا لم يترشح. لكن الحقيقة اليوم، أن نداءات الجزائريين وتطلعاتهم ورفضهم استمرار النظام، يؤكد بأن الأغلبية قادرة على أن تحمي البلاد. ونحن نقول اليوم، أنه يجب أن يزول هذا النظام حتى لا تزول الجزائر.
هل يمكن أن يدفع هذا الحراك برأيك الرئيس إلى سحب ترشحه؟
علينا أن نعلم بأن المصالح المرتبطة بترشيح الرئيس ضخمة ولن يتنازلوا عنها بسهولة، إلا إذا كان الوطنيون في هذا المحيط الدائر بالرئيس أقوى ممن يريدون مواصلة الافتراس والهيمنة على المؤسسات بالتزوير. ما نملكه من معلومات، أن ثمة أبناء مسؤولين في الدولة، شاركوا في المظاهرات، وهذا سيجلب فئات أخرى، مما يزيد في عزل الدائرة المتمسكة بترشيح الرئيس. الثابت تاريخيا، أنه لا يوجد نظام قرر من نفسه الذهاب وسلّم المفاتيح. هناك دائما ميزان قوى هو من يجبره على الرحيل. في اعتقادنا، أن المسار قبل الثوري لن يتوقف، ربما يحاولون تحريفه أو عرقلته، لكنه سيتحول في النهاية إلى مسار ثوري. هذا ما حدث في تونس مثلا، فقبل سقوط نظام بن علي، حدثت شروخ داخل المؤسسات التي ترمز للنظام، وهذا ما بدأ يحدث بالفعل عندما نرى المقاومة التي يبديها صحفيو القطاع العمومي الذين هم سلاح الدعاية للنظام.
هل يمكن في نظرك تنظيم الانتخابات في هذه الأجواء؟
نحن نعتقد أن التعنت في تنظيم الانتخابات الرئاسية في هذه الظروف السياسية والاجتماعية، وفي ظل بداية التزوير الشامل لصالح الرئيس عبر ما يظهر في قضية جمع التوقيعات، هو بمثابة تطبيق سياسة الأرض المحروقة وتعمد تجاهل مطالب الأغلبية. لأن رفض العهدة الخامسة في تصورنا، هو رفض لطبيعة الانتخابات المزورة والتي لا يطبق فيها المجلس الدستوري القانون على الجميع بالتساوي. من رشحوا الرئيس بوتفليقة، كانوا يعلمون أن هذه الانتخابات سيجري فيها تزوير منقطع النظير، لأن الأزمة بلغت نقطة التحول. وبعد الحراك الجاري، فإن مواصلة الحملة الانتخابية يعد مغامرة بالبلاد، لأن ردود الفعل لا يمكن توقعها، وقد يندفع المواطنون بكثافة في لحظة غضب لمنع التزوير، وإذا سالت في خضم ذلك قطرة دم، فإن الأمور ستتطور للأسوأ. من جهتنا سنبقى يقظين لكي لا يتم تحريف هذا المسار ما قبل الثوري، عن أهدافه السلمية المطالبة بالديمقراطية. كذلك، أعتقد أن رئيس الجمهورية كمجاهد لا يمكنه أن يسمح، شأنه في ذلك شأن الوطنيين داخل المؤسسات، بتنظيم انتخابات على الطريقة الأوكرانية أو الكينية أو الكونغولية. وأنا أوجه لهم جميعا نداء كي يمنعوا حصول ذلك. ما هو المخرج الذي ترونه للأزمة الحالية؟
نحن ناضلنا في الأشهر الأخيرة من أجل انتخاب جمعية تأسيسية، ووجهنا نداء للرئيس من أجل ذلك. لكننا أوقفنا الحملة لما تغيرت الصورة، بعد أن بدأ الحديث عن تمديد عهدة الرئيس والعهدة الخامسة. نحن اليوم في مرحلة جديدة، نعتقد أن الجمعية التأسيسية، قد تنطلق من النقاشات داخل المجتمع، لأن أنصار الوضع القائم لم يقبلوا بسهولة تنظيم انتخابات حرة. أما الندوة الوطنية التي يتحدثون عنها، فهي مثل بيع الحوت في البحر، إذ كيف لمن أجهض إصلاحات الرئيس في 2011 و2016 (تعديل الدستور)، أن يقبل بالانتحار اليابانية ويجري إصلاحات تنزع منه السلطة. في خلاصة الأمر، نحن سننتظر كيف ستتطور النقاشات، إن باتجاه الجمعية التأسيسية أو لتنظيم انتخابات تشريعية، لأن الجمعية التأسيسية ستنتهي بإعداد الدستور، أما الانتخابات التشريعية فستنتج برلمانا حقيقيا يعبر عن إرادة الشعب لتصحيح الأوضاع. ما رأيك في ردة فعل رئيس أركان الجيش الفريق ڤايد صالح على هذا الحراك وما هي توقعاتك لدور الجيش؟
أعتقد أن التهديد كان مباشرا، لكن هذا لا يوقف في شيء المسار الثوري، لأن النظام أصبح مفلسا ومتفسخا وفاسدا ومليئا بالتناقضات. سجلنا بارتياح أن الجيش لم يتدخل في مظاهرات 22 فيفري، لأننا نعتقد أن تحريض الجيش على المجتمع هو تفكيك للأسر الجزائرية، كون أفراد الجيش هم أبناء الشعب. لذلك تصريحات رئيس الأركان الأخيرة فاجأتنا، ولما تم حذف الفقرة التي تتضمن حديثا عن المظاهرات، تأكدنا أن الأزمة تفاقمت أكثر، وقد تنبأنا بأن ردود الفعل ستكون غير متوقعة.
نشرت تصريحا بممتلكاتك في إطار تكوين ملف الترشح للرئاسيات.. هل حسمت قرارك؟
هذا التصريح مرتبط بالملف المطلوب للترشح، ونحن قلنا بأننا سنحضر أنفسنا لكل الاحتمالات. لكن قرار الترشح لم نفصل فيه بعد. مسيرات الجمعة المقبلة ستسمح لنا بالتقييم، لاتخاذ القرار المناسب. وفي كل الأحوال حتى لو ترشحنا، فإن الحملة الانتخابية لن تكون تقليدية هذه المرة.