يرى جيلالي سفيان، رئيس حزب جيل جديد، أن المعركة المفروضة حاليا هي منع العهدة الخامسة. ويقول في هذا الحوار ل"الخبر" إن أي رئيس آخر حتى وإن كان من داخل المنظومة سيكون مفروضا عليه رأسا الاتجاه إلى إصلاحات. هل الغموض الذي كان سائدا في المشهد السياسي بدأ يزول بعد استدعاء الهيئة الناخبة؟
بدأت تظهر ملامح تجعلنا أكثر قدرة على فرز المشهد السياسي. الظاهر اليوم أن هناك زمرة متحكمة في السلطة باسم الرئيس والرئيس غائب تماما، بينما يوجد في النظام نفسه طرف آخر يربط مصلحة النظام برحيل الرئيس، لأن هؤلاء يعتقدون أننا وصلنا اليوم إلى الحدود المحتملة للنظام السياسي. اليوم إذن نشهد إرادة للبقاء في السلطة مهما كان الثمن، وهذه الإرادة يحملها شقيق الرئيس وبعض أوساط الأعمال وأحزاب الموالاة، لأن مصيرهم مرتبط بصورة الرئيس وبقائه ورحيله هو نهاية مسارهم السياسي. يقابله في الطرف الآخر رفض لهذا المسار، لأنه بات من الواضح أن استمرار الرئيس في الحكم يؤدي حتما إلى انفلات الأمور نظرا للتدهور الكبير الذي يشهده الوضع الاقتصادي وإسقاطات ذلك الخطيرة على الواقع الاجتماعي. لا شك في أن أطرافا داخل النظام واعية بذلك، وما منع تمديد عهدة الرئيس الحالية إلا دليل ذلك، وهؤلاء لا يمكنهم القبول بمنطق العهدة الخامسة ما دام رفضوا التمديد. السؤال اليوم هو من له أكثر قوة في فرض منطقه، هل الجناح الرافض للعهدة الخامسة أو المؤيد لها؟ شهر فيفري سيجيبنا عن ذلك.
كيف تابعت مطلب تأجيل الانتخابات الذي طرحته حركة مجتمع السلم ولماذا سقطت هذه الفكرة؟
هذا يعني أن الأطراف التي سعت لتمديد عهدة الرئيس لم تكن لديها القوة لفرض هذا الخيار، فلجأت إلى المعارضة للإيهام بأن هناك توافقا حول هذا المشروع. والسؤال هنا هو لماذا لم يتصل شقيق الرئيس بالمعارضة على الأقل منذ العهدة الرابعة ولم يطلب أي استشارة، واليوم فجأة قبل أسابيع قليلة من الرئاسيات هو مستعد للكلام مع المعارضة؟ الجواب بسيط، هو يريد منها مساعدته على البقاء، باستعمال غباء بعض السياسيين والأحزاب التي تسمي نفسها معارضة، أما الوعود التي قابل بها من التقاهم فهي وعود فارغة لا تلزم أحدا. لو كانت فعلا نية للإصلاح لظهرت سنة 2017 أو 2018، وليس قبل أسابيع من الرئاسيات. الكل يعلم أن إصلاحات من هذا النوع لا يمكنها أن تتم عبر ندوة وطنية تتحول في العادة إلى فلكلور.
أنت تقول إن هناك مقاومة لمشروع العهدة الخامسة داخل النظام، لكن هذا النظام، حسب ما يظهره، تبدو شخصياته الفاعلة منسجمة وعلى خط واحد في دعمها للرئيس بوتفليقة. ألا ينطوي تحليلكم على بعض التناقض؟
ليس لي أي شك أنه داخل مؤسسة الجيش هناك من يرفض العهدة الخامسة. صحيح أن رئيس أركان الجيش يساند الرئيس بوتفليقة، لكن مؤسسة الجيش لا تختزل في شخص ڤايد صالح. هناك عدد كبير من رجالات النظام وصلوا إلى قناعة أنه يستحيل الاستمرار مع الرئيس الحالي في ظل ظروفه.
ما هي الإشارات التي يمكن من خلالها الوصول إلى هذا الاستنتاج؟
مثلا منع تأجيل الانتخابات الذي نعتقد أنه تم داخل النظام، كذلك صور الرئيس في مناسبة 1 نوفمبر التي بينته في حالة ضعف شديد، خرجت من داخل النظام، ما جرى أيضا في المجلس الشعبي الوطني وداخل حزب جبهة التحرير الوطني وما يجري في الحكومة بين أعضاء الأفالان والأرندي..
لكن هؤلاء على الرغم من خلافاتهم كلهم مساندون للرئيس ولا يمكن أن يخرجوا ضده.. أليس كذلك؟
ماذا يعني هذا؟ أن الرئيس في حالة ضعف شديد ولا يتحكم في طاقمه، وبالتالي فهو غير قادر على فرض إرادته وعائلته كذلك.
إذا لم يترشح الرئيس، هل سنكون أمام ظاهرة عدة مرشحين للنظام؟
نعم، هذا ممكن. الرئاسيات المقبلة إما أن تكون مغلقة كليا بترشح الرئيس بوتفليقة أو تكون مغلقة جزئيا إذا لم يترشح. النظام سيترك هامش حرية بين الزمر التي تكونه، لكنه لن يسمح لمرشحي المعارضة بالمنافسة.
ألا تعتقد أن هذا الوضع يمكن أن يساعد المعارضة على الترشح، لأنه سيفتح فجوة داخل النظام؟
الانتخابات ستكون مفتوحة نسبيا إذا لم يترشح بوتفليقة، لكن على مرشحي النظام وليس المعارضة. لنكن واقعيين، النظام حاليا ذهب إلى حد بعيد في الصراعات الداخلية وأصبح مرتبكا وهناك خلط كبير في المؤسسات، وهو محتاج اليوم إلى إعادة القطار على السكة من خلال القيام بإصلاحات حقيقية، حتى وإن كان متحكما بها من النظام العميق. هذا ما يدفعني للاعتقاد بإمكانية وجود نية لاستخلاص الدروس من 20 سنة من التيهان السياسي الذي عشناه، وقد يقود ذلك قوة داخل النظام بمناسبة الانتخابات الرئاسية.
على ضوء هذه القراءة التي تقدمونها، هل ستترشحون للانتخابات الرئاسية؟
كان يمكن الدخول لو سبق هذه الانتخابات إعلان واضح بعدم ترشح الرئيس وبوجود ضمانات حقيقية لإجراء انتخابات نزيهة. اليوم، حتى إذا ما ترشح الرئيس القوانين باقية على حالها ونفس الجهات هي من تشرف على الانتخابات، بل نحن في وضع يشتكي فيه الوزير الأول شخصيا من التزوير كما تحدث في انتخابات مجلس الأمة، فكيف بمن يأتي من خارج النظام ويحاول المنافسة في الانتخابات؟ أعتقد أن المعركة، اليوم، هي إبعاد العهدة الخامسة، ثم الضغط على من يأتي لفتح ورشة إصلاحات حقيقية. اليوم هناك واقع جيو سياسي واقتصادي لا يترك العبث بالبلاد كما عشناه في السنوات السابقة.
هل تعتقد أن خليفة بوتفليقة (حالة عدم وجود عهدة خامسة) حتى وإن كان من داخل النظام يمكنه الإصلاح؟
الظرف لم يعد يسمح بغير ذلك. قد تكون إصلاحاته السياسية خجولة، لكنه اقتصاديا لا يمكن أن يستمر في هذا المسار، وإلا سنذهب إلى انهيار الدولة وليس انهيار النظام فحسب.
لكن ما هي الضمانات التي تجعلكم متفائلين إلى هذا الحد برئيس آخر من المنظومة نفسها؟
إذا تغير الرئيس هذا يعني أن جناح النظام الذي كان يرفض السياسة الحالية وأحبط مشروع التمديد للرئيس هو الذي نجح. هذا يعني أيضا أن هذا الجناح يحمل فكرة عن مستقبل البلاد وإلا كان بإمكانه أن ينخرط في مشروع العهدة الخامسة. بالإضافة إلى ذلك، هناك ضغوط اقتصادية واجتماعية لم تعد تسمح بالمغامرة بمستقبل البلاد.
لكن في حال لم يترشح الرئيس، هناك احتمال أيضا أن يختار هو خليفته؟
أستبعد ذلك. لو كان في قدرة الرئيس أن يختار كان يمكن أن نضع هذا الاحتمال، لكن الرئيس في اعتقادي خارج اللعبة السياسية تماما وليست له القدرة لا على التفكير ولا الكلام ولا أخذ قرار يمكن أن يفرضه على النظام، لذلك مساندو الرئيس اليوم أو عائلته لا يمكنهم أن يأخذوا القرار خارج مؤسسة الجيش. في النهاية، رئيس الأركان ملتزم بمصلحة الجيش ويستبعد تماما أن يعطي كل الصلاحيات في يد رجال خارج الدستور. مؤسسة الجيش إذن ستسترجع القرار النهائي، وعندما تختار الرئيس القادم سيكون ذلك بناء على مقاييس هي من يضعها.
بالحديث عن الجيش.. كيف قرأت بيانات الجيش الصادرة بلغة عنيفة ضد الضباط المتقاعدين؟
مادام كان لوزارة الدفاع رد عنيف على أحد المتقاعدين من أعضاء المؤسسة وكان هناك رد مباشر أيضا من قائد الأركان شخصيا، هذا يعني أن المشكلة التي يعيشها قادة الجيش ليست مشكلة خارج الجيش، لا يمكن لمتقاعد في الجيش أن يهدد لهذه الدرجة اختيارات الجيش. إذا كان للڤايد صالح مسار وكانت له كل القوة لتمريره لن يخاف من أي أحد. إذا كان له هذا الرد العنيف فهذا يعني أن هناك حراكا داخل الجيش لا يصب في نفس منحى اختيار ڤايد صالح.
ظهرت معلومات أن حركة "مواطنة" اقتربت من اللواء غديري.. هل هناك تحضير لمساندته في الرئاسيات؟
كانت هناك إشاعات على أساس تسريب معلومات. المعلومة الحقيقية هي أن لقاء يوم 5 جانفي الماضي شمل عددا من السياسيين، منهم المحامي مصطفى بوشاشي وكريم طابو وأحمد بن بيتور وغيرهم من السياسيين، وكان من بين الحضور اللواء علي غديري، واللقاء لم يتم باسم "مواطنة" وجرى في مقر حزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي الذي تقوده السيدة زوبيدة عسول. القضية إذن انتهت هنا، ولم يكن هناك لا التحاق ب"مواطنة" ولا إعلان مساندة للسيد علي غديري. "مواطنة" ستبقى مؤسسة مستقلة ليس في ورادها تقديم مرشح عنها أو مساندة أحد، ومن يريد من أعضائها مساندة أي مرشح فسيكون ذلك باسمه الخاص.
كيف تنظرون إلى ترشح اللواء غديري الذي كان إطارا ساميا قبل سنوات قليلة فقط في الجيش؟
أنا أتكلم بما ألمسه من وقائع. الرجل تكلم بقوة ضد النظام وما طرحه من أفكار كنا في جيل جديد ندافع عنها منذ سنوات. أما إن كانت له مساندة، فأنا أرى أن ذلك ممكن جدا، إذ لا يعقل أن يخرج رجل دون خبرة سياسية ويحاول تصدر المشهد دون أن يكون له داعمون.
هل له امتداد داخل النظام؟
لا أستطيع الجزم بذلك، لكن أرى من غير المعقول ألا يكون لديه أنصار من داخل النظام.
بناء على التحليل الذي قدمته والذي ترى على أساسه أن هناك جناحا داخل النظام رافض لاستمرار الرئيس بوتفليقة. هل يمكن أن يكون غديري مرشحا عن هذا الجناح؟
يمكن أن يكون ذلك، لأنه منسجم مع التحليل الذي قدمته، كما يمكن أن يختار هذا الجناح شخصية مدنية. ما يهمنا هو أن نخرج بسرعة من المأزق الذي وضعنا فيه النظام والقيام بإصلاحات، كما أنه لا يجب الحكم من خلال زاوية نمطية، فالرؤساء أصحاب الخلفية هم من عملوا على تمدين الحكم، سواء من خلال دستور 1989 بالنسبة للشاذلي أو تحديد العهدات الرئاسية بالنسبة لزروال، أما بوتفليقة الذي هو مدني فحوّل الجزائر إلى مملكة.