النظام دخل في مرحلة التفكك غير المنظم لأنه وصل إلى الحائط، فلا هو باستطاعته تجديد نفسه ولا هو بمقدوره الانسحاب بسلام! الضغط الشعبي العالي الممارس في الشارع على النظام كي يرحل لم يترك له المجال ليمارس التفكير الجدي لمعالجة ما يحدث، فرغم أن مطالب الشارع واضحة جدا “ارحلوا ڤاع”! إلا أن النظام ليس لديه منافذ معلومة للرحيل الآمن وليس له منافذ واضحة للبقاء أو تجديد نفسه. من البائس فعلا أن تبقى البلاد بلا حكومة مدة أسبوعين كاملين وفي هذا الظرف الحساس جدا! ومن البائس أيضا أن يتفكك الجهاز السياسي للنظام بهذه الصورة الكاريكاتيرية! فكل مكاتب ومحلات الأحزاب السياسية المتحالفة مغلقة ب«الكادنات”! وكل المؤسسات الدستورية معطلة تماما، فلا حديث عن البرلمان ولا حديث في مجلس الأمة ولا حديث عن المجلس الدستوري وكل ما يتناقله الإعلام حول المؤسسات الدائرة في فلك السلطة هو الحديث عن التملص من النظام والالتحاق بالشارع المنتفض! ومن أطرف ما قامت به الإدارة كحزب سياسي لسلطة تمارس النضال السياسي ب«الكاشير” لفائدة النظام، هو أنها عمدت إلى البحث عمن يمثل الثورة الشعبية لتأطيرهم وتشكيل منهم قوة محاورة للسلطة؟! وهي ممارسات بائسة للسلطة تدل على أنها لم تفهم شيئا مما يحدث في الشارع. ومن هنا فإن غموض الشارع في مسألة تعيين ممثلين للثورة يعد عملا ذكيا يجنب هذا الحراك الاختراق والاحتواء. الثورة الشعبية الهادئة مطلبها واضح “ارحلوا جميعا”! وعلى السلطة أن تبحث عن الطريقة التي ترحل بها.. وليس من صلاحيات الشعب الثائر أن يقترح على السلطة الطريقة التي ترحل بها؟! المصيبة أن السلطة “حاصلة” في عملية البحث عن الرحيل لأنها لا تملك طريقة للوصول إلى السلطة، فقد وصلت إلى السلطة بالاحتيال والنصب والتحايل على الشعب، ولذلك لم تجد الطريقة التي تنسحب بها، فعمدت إلى التحايل والتسويف المكشوف قصد كسب الوقت وتجديد نفسها، ولكن الشعب لم تعد تنطلي عليه أي حيلة وكل مناورات السلطة أصبحت مكشوفة، خاصة عندما بطل مفعول “الكاشير” في تنظيم الحياة السياسية في الشارع وفي تمثيل الشعب! فلم يبق أمام السلطة إلا أن تعترف بالأمر الواقع وتسلم الشأن لصاحب الشأن وهو الشعب!