يخوض الصدّيق شهاب، القيادي في الأرندي، في حوار مع “الخبر”، في الطلاق الذي وقع بينه وبين أمين عام الحزب، أحمد أويحيى، الذي يتهمه ب”المناورة والتعامل بمكيافيلية مع إطارات الحزب”. ويصف الأرندي بأنه “هيكل صلب فرض على المناضلين والقياديين التزاما حزبيا صارما، خضعنا له على حساب قناعاتنا التي حررها الحراك من القيود”. هل الطلاق بينك وبين أحمد أويحيى نهائي ولا رجعة فيه؟ بالفعل، الحزب يعيش مرحلة استثنائية في ظل وضع وطني استثنائي، هناك حراك شعبي حرر الجزائريين ودفعهم إلى التنديد بوضع غير طبيعي يدوم منذ سنوات عديدة. وللأسف، الأرندي كحزب ساند الرئيس السابق وشارك في الجهاز التنفيذي وجد نفسه في قفص الاتهام رغم أن مناضليه يعرفون أنه لا يتحمل مسؤولية مباشرة فيما حدث، على الأقل فيما يخص الاتهامات المباشرة التي وجهت للرئيس السابق وجهازه التنفيذي، حتى إن كان رئيسه هو الأمين العام للأرندي. نعيش هذه الفترة بمرارة، فقد كنا نعتقد أننا في خدمة الوطن وفي خدمة بناء دولتنا، وفجأة نجد أنفسنا بعيدين عن هذا الاعتقاد، وبدأنا نتساءل كيف ومن جرّنا إلى هذا المستنقع وكيف كنا غافلين عما يجري من حولنا وكيف انطلت علينا الحيلة واقتنعنا بخطاب الأمين العام بشأن قدرة بوتفليقة المزعومة على التسيير؟ صحيح أننا خطونا خطوات هامة في مجال التنمية، لكن الإنجازات التي تحققت لم يتبعها بناء مجتمع منسجم. كم كنا بعيدين جدا عن التطلعات الحقيقية للشعب الجزائري، فالمكبوتات التي عبّر عنها الجزائريون بقوة تلقيناها في الأرندي بأسى ومرارة وأصبحنا ممزقين بين قناعاتنا والتزاماتنا السياسية. عندما تقول “تلقينا بمرارة”، هل تتحدث عن نفسك أم أن هذا الشعور عام في الحزب؟ أنا عضو في أسرة الأرندي الكبيرة، لكني أقصد السواد الأعظم للمناضلين والمناضلات الذين أحتك بهم يوميا. ما هو مكرس عن أويحيى أنه شخص غير محبوب شعبيا، وهذا منذ بدايات تسييره الشأن العام، لماذا سايرتموه في الحزب وأنتم تعرفون هذه الحقيقة؟ كنا نعتقد أن الاستقرار عامل مهم في بناء حزب، رغم أننا ضيّعنا العديد من المناضلين أثناء الأحداث التي مر بها الحزب والبلد، وكنا نعتقد أن موقع الأمين العام، رغم نقائصه وخاصية شخصيته المتعجرفة والمعقدة، يعطي الثقل السياسي اللازم للحزب في مرحلة البناء، ولكن ظهر أن ذلك كان سرابا. شعرنا مع مرور السنوات أن الحزب لم يكن على سكته الصحيحة وأويحيى أتاح له تواجده في عدة فترات على رأس الحكومة المناورة والتعامل بطريقة مكيافيلية مع إطارات الحزب، وكنا نلاحظ ذلك لكن كنا نتجاوز عن الأخطاء في سبيل حلم بناء حزب وبناء دولة، حتى جاء حراك 22 فيفري 2019 ليؤكد خيبة أملنا في كل ما كنا نعتقده، وبخاصة سذاجتنا على الصعيد النظامي الحزبي. طالبتم كمناضلين بالعاصمة الأمين العام بالتنحي. ماذا تملكون من أدوات لدفعه إلى ذلك؟ نحن جزء من هذا الشعب الذي حررنا كطبقة سياسية، وحررنا من العقد التي كبلتنا ومن الفجوة التي فرَقت بين القناعات الشخصية والالتزام الحزبي، وفي النهاية تغلبت القناعة على الالتزام بفضل الحراك. كنا نأمل لو كنا في طليعة الحراك، لكن الالتزام الحزبي والسياسي داخل هيكل صلب، كان أقوى مما نؤمن به كقناعات. الهيكل الذي كنا فيه، صعب التحرر منه وصعبت الخروج منه بمبادرة تخرج عن الخط المرسوم، ومن تجرأ على ذلك كان مصيره الردع على يدي الأمين العام. تحدثت عن “قوى غير دستورية” تتحكم في مفاصل الدولة وقلت إن أويحيى هو “الناطق باسمها”. من كنت تقصد؟ ولماذا لم تندد بها قبل الحراك؟ كنت أقصد كل الذين احتكروا السلطة دون أي صفة، وهؤلاء لهم نفوذ كبير. ووجهت كلامي، خلال حوار تلفزيوني، بشكل مركز لشقيق الرئيس السابق الذي لم تكن له أي صفة حتى يمنح لنفسه كل ذلك النفوذ الذي كان يمارسه، وقد تقبلت توبيخا من أويحيى وأعدت الكرّة في جو من التحرر فوجد كلامي صدى كبيرا. والحقيقة لم أكن أعي وزن ما قلت وأدركت بعدها أن للقوى غير الدستورية امتدادات عميقة وواسعة، غير أن الأمين العام أخذ على عاتقه تصويب ما صرّحت به للإعلام بشأن هذه القوى غير الشرعية وبأننا كنا على ضلال في دعمنا لبوتفليقة، فوجه لي طعنة في الظهر وقدمني على أنني تصرفت تحت الانفعال، رغم أنني استشرته قبل تصريحاتي ووافق على مضمونها. وقد عاتبته على موقفه المتخاذل، فرد علي كما يلي: “لم يكن ممكنا أن أترك تصريحاتك تمرّ هكذا”. ففهمت حينها أنه تلقى أوامر أملت عليه التصرف معي بتلك الطريقة. وقد أظهر الحراك حقيقة هامة هي أن أويحيى كان منفذ كل قرارات وإجراءات القوى غير الدستورية التي سيطرت على الحكم طوال السنوات الماضية. هل الأوامر جاءته من السعيد بوتفليقة؟ لا أعرف من هي الجهة، لكني بالمقابل أعرف جيدا كيف يفكر أويحيى، فهو لا يتحرك أبدا إلا بأمر من جهة فوقية. كيف كانت علاقته بالسعيد، سواء لما كان مديرا للديوان بالرئاسة أو وزيرا أول؟ لا أعرف التفاصيل، لكنه كان يشتكي من حين لآخر من إرهاصات وضغوط، واعتقادي أنها كانت تزداد حدة عندما كان يتعرض لهجوم من بعض الوزراء وكان يظهر بأنه وزير أول من دون هيبة ولا أي تأثير. هذا الأمر وضع الحزب ومناضليه في حرج، وقد عشنا حالة قلق عام بسبب ضعف الوزير الأول وضعف الوزارتين اللتين كانتا لنا في الحكومة السابقة، فقد كنا في السلطة شكليا فقط. كان مناضلونا يعيشون الإهانة والإذلال في المواعيد الانتخابية، بينما لم يدافع عنهم الأمين العام أبدا، بل كان يتجنب اتصالات المناضلين ويتهرب منهم، وقد جاء الحراك ليحررنا من هذه التصرفات ومن المرّ الذي ذقناه. بمعنى آخر، عندما ثار الجزائريون ضد الرئيس السابق كان علينا أن نواكب الموقف الشعبي وأن نجد لأنفسنا مخرجا مما كنا فيه ونضع أنفسنا في الموقع الذي يجب أن نكون فيه وهو وسط الشعب إن قبل بنا الشعب. تتحدث وكأنك مازلت في الحزب، مع أن أويحيى أقصاك من كل هياكله.. أنا أتحدث كمناضل قدّمت الكثير للحزب، أما عن إقصائي من المسؤوليات فهو إجراء تعسفي ردعي، وأويحيى يعتقد أنه بإقصائي سيقضي على أي حركة تمرد داخل هياكل الحزب، وحتى أكون أنا عبرة لكل من تسوّل له نفسه أن يطرح بدائل.