من عين تيموشنت بأقصى غرب الساحل الجزائري إلى القالة في شرقها، مرورا بوهران ومستغانم، تيبازة، شرشال، الشلف، بومرداس، سكيكدة، عنابة والقالة، كلَها سواحل تحوَلت، منذ بداية الشهر الجاري إلى نقطة انطلاق العشرات من رحلات الموت على متن زوارق بحرية أصبحت ترعب قلوب الأمهات وتصنع المآسي وسط العائلات. وقد عادت ظاهرة "الحرقة" عبر زوارق الموت بقوة خلال الآونة الأخيرة، بعد الاعتدال الجوي الذي يشهده الحوض الأبيض المتوسط، وهو ما تبينه البيانات الصحفية لوزارة الدفاع الوطني والمديرية العامة للحماية المدنية، حيث توفي 19 مهاجر غير شرعي غرقا منذ بداية شهر سبتمبر الجاري، ولا يكاد يمر يوم من دون أن تنشر أخبار عن اعتراض زوارق بحرية محمّلة بالشباب، بعضهم حققوا حلمهم في بلوغ الأراضي الأوروبية، والبعض الآخر صادفتهم رياح تجري بما لا تشتهيه أحلامهم.
أوقف عناصر حرس السواحل التابعة للواجهة البحرية الشرقية بالناحية العسكرية الخامسة، صباح أمس، 14 "حراقا" في عرض البحر بعنابة، بينهم امرأة حامل عمرها 32 سنة، حيث تمت معاينتهم وتقديم الإسعافات الضرورية لهم في حدود الساعة التاسعة وثلاثة وثلاثين دقيقة من طرف طبيب الحماية المدنية. وأفادت مصادر عليمة، أن حرس السواحل أوقفوا هؤلاء "الحراقة" في حدود الخامسة صباحا، وتتراوح أعمارهم بين 19 سنة و37 سنة، بينهم امرأة حامل في شهرها التاسع تنحدر من ولاية الطارف، فيما ينحدر البقية من ولاية عنابة (9) واثنين من خنشلة و2 من العاصمة. وغير بعيد عن سواحل عنابة، وبالضبط في شاطئ الداموس ببلدية أولاد عطية غربي سواحل سكيكدة، انطلق فجر أمس، قارب تقليدي محمل ب 16 شابا ينحدرون من عدة ولايات، تاركين خلفهم قلوب أمهاتهم تحترق على المصير المجهول الذي ينتظرهم في عرض البحر وسط الظلام الدامس. وكشفت مصادر عليمة ل "الخبر"، أن منظم الرحلة السرية ينحدر من ولاية عنابة، بمساعدة خمسة شبان آخرين بعدما تحصلوا على قارب تقليدي. واستنادا إلى نفس المصادر، فإن شاطئ الداموس أصبح معبرا ل"الحراقة" بعد نجاح عدد من الشباب في الوصول إلى جزيرة سردينيا الإيطالية، الذين انطلقوا من الشاطئ المذكور، كما سبق وأن أفشل أفراد حرس السواحل عدة محاولات. وترى مصادرنا أن "الحراقة" قد أصبحوا يستغلون شاطئ الداموس لعدة عوامل من بينها الطبيعية، حيث يختبئون في الغابة المجاورة للشاطئ.
وعلى بعد 7 أميال بحرية عن سواحل التنس بولاية الشلف، أوقفت مصالح حرس السواحل فجر أمس، 14 شابا مرشحا للهجرة السرية إلى أوروبا. وحسب مصادرنا، فقد تم رصد زورق "الحراقة" على بعد 7 أميال من شواطئ تنس ويوجد بينهم أطفال قصر، حيث تم تقديمهم إلى محكمة تنس لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، فيما تم فتح تحقيق في القضية.
توحي جميع المؤشرات إلى أن ظاهرة "الحرقة" في تنام مستمر ببومرداس، خصوصا وأن شهري سبتمبر وأكتوبر يشهدان استقرارا لحالة البحر، وهو ما يشجّع الشباب على المجازفة بحياتهم. وكلما يحل شهر سبتمبر من كل عام، تشد العائلات القاطنة بولاية بومرداسوالولايات المجاورة بطونهم خوفا على مصير أبنائهم، ولعل الكثير منها استذكرت حوادث أليمة جرت وقائعها شهري سبتمبر وأكتوبر من السنوات الماضية، كتلك الليلة المشؤومة التي انطلق فيها 16 زورقا في أكبر قافلة ل"الحراقة" من بومرداس، وقد وصل الجميع عدا قارب انطلق من الكرمة وخلّف 15 فقيدا، شأنهم شأن 15 "حراقا" آخرين انطلقوا بعدهم بأيام شهر أكتوبر سنة 2017 لم يظهر لهم أثر. وكشف أحد النشطاء الجمعويين المهتمين بشؤون الهجرة السرية في إسبانيا، ل"الخبر"، أن ولاية بومرداس تعتبر أولى الولايات على المستوى الوطني تصديرا ل"الحراقة" ومن المنتظر أن يرتفع عددهم إلى نحو 600 مهاجر سري أو أكثر في الأيام القادمة، خاصة وأن أمل التغيير نحو الأفضل يتلاشى يوما بعد يوم. ويرى أغلب الشباب الحالمين في بلوغ الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط ممن تحدثت "الخبر" معهم، أنهم "مستعدون للخوض في مغامرة الوصول إلى الضفة الأخرى، حيث يزيد الشباب إصرارا على "الهروب"، وهو نفس الرأي الذي ذهب إليه أحد الشباب المنحدرين من بلدية عمال، الذي كشف أنه تقدّم بطلب تأشيرة سفر، إلا أن طلبه قوبل بالرفض في عدة مرات، فقرر اللجوء إلى "الحرقة"، إذ أردف قائلا: " لن ابقى هنا دقيقة واحدة، لا أمل في تغيير حال البلاد إلى الأفضل، هي مجرد 13 مليون سنتيم و22 ساعة من الإبحار فقط".
تحقيقات أمنية حول هوية العصابات المنظمة للرحلات
وقد هلك، فجر أول أمس، طفل في العاشرة من عمره غرقا إثر انقلاب زورق بعرض البحر على مستوى الساحل الوهراني، كان يحمل 20 مهاجرا سريا بينهم امرأة مرفقة بولديها حاولا الإبحار باتجاه الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط انطلاقا من شاطئ كريشتل بوهران. وتعود أسباب الانقلاب إلى الحمولة الزائدة وعدم قدرة الزورق على استيعاب ال20 مهاجرا الذين كانوا على متنه، ولحسن حظ باقي "الحراقة" سارعت قوات حرس السواحل بوهران إلى مكان الحادث وقامت بإجلاء المهاجرين السريين الذين كان الموت يتربص بهم، فيما انتشلوا جثة الطفل، 10 سنوات، الذي كان رفقة والدته وشقيقه. وفي نفس اليوم، جرى حادث مماثل بالسواحل الغربية لولاية تيبازة، وبالضبط بسواحل شاطئ الداموس، حين انقلب قارب كان يحمل 6 مهاجرين سريين لبلوغ الضفة الأخرى من المتوسط، ورغم أن أفراد حرس السواحل أنقذوا 5 أشخاص من الموت المحقق، إلا أن أحدهم توفي، وهو شاب يبلغ من العمر 30 عاما ينحدر من ولاية خنشلة. وفتحت مصالح الدرك الوطني تحقيقا في القضية، حيث قاموا باقتياد شخصين إلى مقر الدرك الوطني بشرشال في إطار التحقيق حول ملابسات وفاة صديقهم والكشف عن هوية أفراد العصابات الإجرامية الذين يقومون بتنظيم رحلات بحرية محفوفة بالمخاطر.