مع اقتراب انطلاق حملة الانتخابات الرئاسية بدأت تتضح ملامح رؤية كل مرشح وأهم الملفات التي سيعمل عليها في حال فوزه في اقتراع 12 ديسمبر المقبل. من أبرز الملفات الغائبة من أحاديث المرشحين الملف الدبلوماسي والسياسة الخارجية والأمن ومكافحة الإرهاب، بينما يستعجلون في تقديم حزمة من الحلول المتشابهة لمشكلات ركود الاقتصاد وتعثر مشاريع التنمية التي التهمت أكثر من ألف مليار دولار في زمن قياسي، بالإضافة إلى إنهاء التهميش والفقر والبطالة. بعض المرشحين طرحوا ملفات خارج صلاحيات الرئيس كمناورة سياسية، ولم يقدموا حلولا واقعية لمعالجة الملفات الملحة. يشار إلى أن الدستور بعد تعديله في 16 فبراير 2016 أصبحت لرئيس الجمهورية صلاحيات واسعة تتعدى إلى التدخل في سير جميع مؤسسات الدولة بما فيها المؤسسة العسكرية ووضع حد لهيمنة هذه الأخيرة على السلطة لعقود ما بعد الاستقلال، وتميز بتجريد الحكومة من النفوذ لصالح رئيس الجمهورية وهو ما أدى إلى الإخلال بالتوازن بين السلطات. وفي انتظار ما ستكشف عنه الحملة، فإنه من الصعب حصر القضايا والمحاور التي سيتطرق إليها المرشحون الخمسة، لكن من خلال ما رشح من تصريحاتهم مؤخرا فإنه توجد قضايا تكررت بحكم أنها تدخل في صلاحيات الرئيس ومطروحة بإلحاح من الرأي العام. من تلك الملفات السياسة الخارجية وهل سيتم تعديلها أم دعم التوجهات السابقة؟ ويوجد تشابه كبير بين المرشحين الذين عملوا أو تبوؤوا مناصب سياسية وتنفيذية في مؤسسات الدولة ووزاراتها، خاصة في التأكيد على دعم العلاقات الجزائرية مع محيطها العربي والإفريقي والأوروبي مع الانفتاح على علاقات أخرى. ومن الملفات التي يتدافع المرشحون على التركيز عليها في برامجهم ما يتعلق بالسياسة الأمنية، خاصة الأمن القومي، وهناك تأكيد على السياسة الحالية من دون إضافة مقترحات تختلف من مرشح إلى آخر. ويمكن حصر مقترحات المرشحين في ملفين رئيسيين هما القضاء على الفقر والبطالة، يأتي بعدهما التمسك بقضية الحريات التي أصبحت تؤرق السلطة في الأسابيع الأخيرة مع تزايد توقيفات النشطاء السياسيين المشاركين في مسيرات الحراك الشعبي. ورغم محدودية هامش المناورة عند الرئيس القادم، في ظل انهيار الاقتصاد وتبخر البحبوحة المالية واللجوء إلى طبع النقود (التمويل غير التقليدي) الذي هو سبب مباشر في انهيار نظام بوتفليقة، فإن الإطلالات الإعلامية الأخيرة للمرشحين تدفع إلى التساؤل من أين سيأتون بالمال الكافي لتنفيذ حلول ناجعة تنهي معاناة المواطن في بلد أنفق على مدى العقدين الماضيين ما لا يقل عن ألف مليار دولار على مشاريع مسجلة لم تر النور التفت عليها السلطة بقرارات تجميد أغلبيتها منذ 2017!؟ ولا يمكن تصنيف الوعود الأولية للمرشحين على شاكلة ما تحدث عنه عبد المجيد تبون الذي تعهد ببناء مليون وحدة سكنية جديدة خلال عهدته أو ما يبشر بإطلاقه علي بن فليس في شكل برنامج مارشال جزائري، الذي يعد به علي بن فليس لانتشال البلاد من براثن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، أو توجيه الأنظار نحو المستقبل من خلال التفكير في السبل الكفيلة بتغيير الأوضاع، حسب ما يلتزم به عز الدين ميهوبي بما يحافظ على السلم الاجتماعي وعلى صورة الجزائر في الخارج. أهم ما نلاحظه هو تورط مرشحين في الصيد خارج مجال الحملة والتلويح بحل ملفات خارج إرادتهم في ظل الصعوبات المالية والهيكلية التي تمر بها البلاد، لاسيما ما يتعلق بصورة البلاد في الخارج والتي اهتزت بشكل كبير، ما دفع الشركاء الأجانب إلى منح فرصة للسلطة لإعادة ترتيب البيت تفاديا لتداعيات الأزمة على مصالحها في الجزائر وفي المنطقة. بالنسبة إلى الاقتصاد الجزائري ليس من صلاحيات الرئيس لوحده، فلا يتدخل مثلا في عجز الميزان التجاري ونسب التضخم، ولا يمكن أن يغير قوانين الاستثمار والمالية دون وجود أدوات فعالة بيد الخبراء الجزائريين الذين فقدوا القدرة على التنبؤ والوقاية والتصدي بسبب رهن السلطة لهذه العمليات والأنشطة في أيدي مكاتب الخبرة الدولية التي التهمت ملايير الدولارات. والمسألة الأخطر هي أن أيا من المرشحين لم يقدم حلولا حقيقية واقعية للمشاكل، كلها شعارات، كمكافحة الفساد مثلا، فلم يقدم أحد منهجيته في ذلك، وهم بذلك يوحون بأنهم سينتهكون ما تبقى من استقلالية القضاء. ومن خلال رصد الخرجات الأولى لبعض المرشحين، نقف على تعرضهم لملف السياسة الداخلية، الذي يعاني خلافا لا ينتهي حول مسألة تحقيق التوافق الوطني، إلا أن المرشحين لم يخوضوا فيها ولم يتطرقوا إلى الطريقة التي سيقنعون بها الجزائريين في الحراك للعودة إلى منازلهم. وفي انتظار ما ستأتي به أسابيع الحملة الانتخابية الثلاثة ستظل قضايا تهرب منها بعض المرشحين، مثل العلاقات الإقليمية والدولية، فهناك من لم يبين كيفية تعامل الجزائر مع فرنسا والمغرب ومع الملف الليبي الذي تتداخل فيه أطراف عربية وأوروبية، لاسيما أن هناك من يصر على محاسبة فرنسا واعتذارها عن الحقبة الاستعمارية.