قررت الرئاسة، بمناسبة اجتماع المجلس الأعلى للأمن الخميس الماضي، لأول مرة، نشر القضايا التي بحثها. فغالبية اجتماعات المجلس الأمني الأهم في الجزائر، في عهد رؤساء الجزائر السابقين، كانت تتم في السر دون أي إعلان من رئاسة الجمهورية ودون نشر صور عنه. تشير معلومات جمعتها "الخبر" إلى أن الاجتماع الأخير عادي وروتيني وهذا لكون أي رئيس جمهورية منتخب جديد يلتقي في بداية عهدته الرئاسية بأركان الجهاز الأمني للدولة للتعارف أولا وهذا في حالة الرئيس تبون الجديد في المنصب، ولمناقشة أهم الملفات الأمنية الموروثة من عهد الرئيس السابق للجمهورية، وهذا هو السبب الأول لعقد الاجتماع. الرئيس عبد المجيد تبون أراد الاستماع لتقارير الوضع الأمني من مسؤولي الجيش والمخابرات والشرطة والدرك الوطني، في بداية عهدته الرئاسية، لتحديد أولويات السياسة الأمنية للجزائر في الأشهر القادمة. السبب الثاني العاجل الذي دفع الرئيس لاستدعاء أركان الجهاز الأمني كان وفاة الفريق أحمد قايد صالح وترتيبات خلافته. وتشير معلومات حصلت عليها "الخبر" إلى أن الرئاسة أرادت ملء الفراغ الذي أحدثته وفاة رئيس أركان الجيش ومناقشة قيادات الجيش والمخابرات في التعيينات القادمة في الجيش والسياسة الأمنية والعسكرية للجيش مع رئيس الأركان الجديد المعين بالنيابة. أما السبب الثالث، وهو الأكثر أهمية والذي وردت تفصيلاته في بيان رئاسة الجمهورية، فيتعلق بالتطورات الخطيرة في ليبيا واحتمالات نشوب حرب إقليمية كبيرة في ليبيا، مع احتمال وصول قوات تركية إلى ليبيا. والمثير للاهتمام في الاجتماع الأخير أنه جاء في شكل رد على زيارة الرئيس التركي أردوغان إلى تونس والحديث المتزايد عن تواجد عسكري تركي فعلي في ليبيا. الاجتماع ناقش أيضا، حسب مصادر "الخبر"، طلب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية، فائز السراج، المساعدة العسكرية من أجل التصدي لقوات الجيش الوطني الليبي بقيادة الجنرال خليفة حفتر، التي تتقدم على جبهة العاصمة الليبية طرابلس. اجتماع مجلس الأمن الوطني ناقش طبقا لبيان الرئاسة تفاصيل الوضع الأمني في ليبيا، وتطرق أيضا لسيناريوهات تطور الأوضاع في ليبيا واحتمالات انهيار الوضع وتطوره إلى حرب إقليمية وسبل مواجهة الوضع طبقا لكل سيناريو. الجزئية الثالثة كانت تتعلق بإمكانية حل الأزمة الحالية دبلوماسيا وتجنب الحرب وموقف الرئاسة التونسية من الوضع الحالي. السبب الرابع والأخير الذي حرك رئاسة الجمهورية لدعوة المجلس الوطني الأعلى للأمن للاجتماع، كان الوضع في الساحل والصحراء والتدهور الأمني الخطير على هذه الجبهة المتوترة، وتطور إمكانات الجماعات الإرهابية المتمركزة شمال ماليوالنيجر في تهديد أمن دول الجوار الجنوبي للجزائر، مع الهجمات النوعية الثقيلة الأخيرة المنفذة من قبل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في ماليوالنيجروبوركينافاسو. وتشير معلومات حصلت عليها "الخبر" إلى أن الرئيس عبد المجيد تبون يراهن كثيرا على الاستقرار في دول الساحل والصحراء في إطار مشروع للتكامل الاقتصادي والتبادل التجاري مع دول مالي، النيجر، بوركينافاسو وموريتانيا. وربطت الرئاسة في بيانها الوضع الأمني في ليبيا بالوضع في الصحراء الكبرى والساحل، بسبب إدراك صناع القرار في الجزائر أن أي انهيار جديد للوضع في ليبيا سيترتب عنه تدهور أمني في بلدان الساحل في تكرار لتجربة أعوام 2011 و2012 و2013. وقد خلص الاجتماع لقرارات وصفها بيان الرئاسة بالتدابير والإجراءات، أبرزها، كما تشير معلومات حصلت عليها "الخبر"، أسبقية الإجراءات الأمنية على الجهود الدبلوماسية، بمعنى أن الجزائر لن تنتظر ما ستسفر عنه الجهود الدبلوماسية الرامية لمنع حرب إقليمية كبرى في ليبيا بين مصر وتركيا، بل ستبادر لتحصين الجبهة الداخلية بزيادة قدرات الجيش الوطني الشعبي على التصدي لأي محاولات لاختراق الحدود أو تهريب أسلحة، بالإضافة إلى الاستعداد لاستقبال موجات نزوح جديدة من ليبيا في استنساخ لتجربة 2011، عندما رفعت الجزائر قدرات الجيش على مراقبة الحدود بسرعة بعد نقل عشرات آلاف العسكريين إلى الحدود الجنوبية الشرقية للجزائر. ويتمثل الإجراء الثاني في تحصين الجبهة الداخلية على مستوى الجنوب، بالحدود مع ماليوالنيجر، وكل هذه الإجراءات لا تحتاج لنقل قوات بل لزيادة اليقظة والحذر. الإجراء الأخير المقرر هو إحياء المبادرة الدبلوماسية التي كانت تضم محور القاهرةتونسالجزائر والتي شملت الدول المجاورة لليبيا من أجل السعي لمنع حرب جديدة وإعادة إحياء العملية السياسية في ليبيا. الإجراء الأخير المقرر يتعلق بالوضع في دول الساحل وفي مالي تحديدا، ويتعلق بإحياء الدور الدبلوماسي الجزائري في منطقة أزواد وعودة الجزائر للعب دور محوري في عملية السلام بين الحكومة المالية والفصائل التارڤية الأزوادية.