ارتفعت حدة النقاش حول اقتحام عارضي الأزياء مجال التمثيل في الجزائر، وكانت موضوع نقاش شهر رمضان، وقد دار الحديث هذا العام حول مدى أحقية الممثلين القادمين من عالم الموضة في الحصول على أدوار البطولة في الأعمال الدرامية. تعود قصص عارضي الأزياء إلى عدة مواسم ماضية، حيث شغلت بال عالم الفن في الجزائر، خاصة عندما فتح التلفزيون العمومي أبوابه لعدد كبير من عارض الأزياء للمشاركة في أبرز أعمال شهر رمضان، وقد رافق ذلك التوجيه بروز أسماء جديدة في عالم التمثيل، منهم الممثل سمير عبدون والشابة ليليا بويحياوي وعارضة الأزياء سيليا حليلو، كما فتح العمل الباب للمغني الجزائري موك صايب ليقتحم عالم الدراما وسط دهشة الجمهور الجزائري، وهو ما طرح السؤال إلى أي مدى بدأ منتجي الدراما في الجزائر يفكرون في التسويق للعمل عن طريق استخدام المواهب التي لها أكثر عدد من المتابعين عبر وسائط التواصل الاجتماعي. ومن أبرز الملاحظات التي سجلت على أداء الممثلين القادمين من عالم الموضة إلى عالم التمثيل، افتقار تلك التجارب للتكوين وتركيزها فقط على المظهر على حساب الأداء. وفي هذا الإطار يتحدث الممثل والمخرج المسرحي إبراهيم جاب اللّه، رئيس التعاونية الثقافية "ذاكرة"، الذي سبق له أن أشرف على العديد من عمليات "الكاستينغ" لاختيار ممثلين للمشاركة في أعمال سينمائية، على غرار فيلم "بابيشا" لمونيا مدور وبعض أفلام مرزاق علواش الأخيرة. وقال إبراهيم جاب الله ل "الخبر": أولا من هو الممثل؟ هو إنسان له إمكانية ورغبة وحب مشاركة مشاعره الإنسانية مع الآخر" مشيرا إلى أن هذا الفعل النبيل ليس حكرا إلا على من يملك الإنسانية والموهبة. والموهبة هنا صفة ملازمة ضرورية لا تناقش ولا تعوّض بالنسبة للممثل، ولا تكتسب باكتساب التقنيات والآليات التي يعتمدها الممثل في التعامل مع أدواره. وأوضح جاب الله: "التمكن يأتي بالممارسة والعمل وحتى التكوين بمستوياته (الأكاديمي والموازي) لا يكفي إذا لم يتبع بالعمل الميداني الذي يخلق التجربة"، مشيرا إلى أنّ الذين انخرطوا في حملة محاربة من اصطلح على تسميتهم بالدخلاء على التمثيل من عوالم أخرى (وهم معذورون نسبيا على هذا) لم يولدوا بسير ذاتية وتجارب تمثيلية، كلنا كانت لنا بدايات وتجارب أولى. وعن أهمية التكوين، أوضح الممثل المتخرج من معهد الفنون الدرامية ببرج الكيفان أن التكوين هي مشكلة كبيرة في الجزائر، حيث لا يوجد معاهد ومدارس كافية توفر لنا هذا الحلم. وقال: "شخصيا أعجبتني بعض الوجوه الجديدة التي أرى أنها تملك من القدرات ما يؤهلها لتقديم الأفضل فالأفضل، شرط التوجيه والتأطير الصحيح من المخرجين ومن ذوي الخبرة، ولا أحد يملك حق منعهم من أخذ فرصهم التي تتأتى لهم". ويجمع المتابعون للمشهد أن الإشكال هنا في عدم امتلاك الجزائر لصناعة درامية تحقق التنافسية والاستمرارية، وتقف في مجابهة ظاهرة تداخل الصلاحيات الفنية التي جعلت من الكل مخرج ومنتج فناقد. من جهته، أكد الناقد سليم عقار ل "الخبر" أنه لا يجد مانعا في أن يقتحم عارضو الأزياء مجال التمثيل، مشيرا في تصريح ل "الخبر" إلى أن الفرصة متاحة لجميع الذين يملكون الموهبة، ولكن على من ينقصهم التكوين ضرورة الانخراط في دورات تكوينية ومرافقة وعدم القبول بالأدوار الكبيرة التي لا تناسبهم كي لا يتعرضوا للهجوم الشديد في بداية مشوارهم الفني. ويرى عقار أن أحسن طريق لهؤلاء نحو الدراما هو البداية بالأدوار الثانوية وعدم المجازفة في الوقوف أمام الكاميرا في الأدوار الأولى أمام ممثلين كبار لديهم باع كبير في المجال، مما يجعلهم يظهرون أقل حجما، مشددا على ضرورة أن يرافق المواهب الجديد إدارة جيدة. وقد فتح هذا الموضوع أبواب نقاش موضوع آخر يبدو أعمق، ويتعلق أساسا بالعصر الجديد وما يرافقه من تطور وتقدم تكنولوجي، وهو ما يشير إليه المخرج الشاب ياسين محفوظ ل "الخبر"، موضحا أن جيل اليوم من المواهب يختلف تماما عن جيل الماضي، والفرصة اليوم لم تعد تشبه الفرصة قبل نحو 20 عاما، حيث كان التلفزيون نافذة الممثل الوحيدة وحلقة تربطه بالجمهور كما قال: "اليوم نحن أمام ثورة في سرعة الاتصال بفضل مواقع التواصل الاجتماعي، حيث هناك فرصة للجميع للمشاركة بأفكاره وموهبته، وهو ما يجعل من المنافسة أشد مقابل جمهور متطلب بشكل أكبر".