فتح مقتل الرئيس التشادي إدريس ديبي، الذي شيعت جنازته أمس، المجال لاحتمالات نشوب أزمة متشابكة ومتعددة الأطراف في المنطقة. فبينما يهدد "المتمردون" بالتقدم نحو العاصمة نجامينا، تعارض بعض الأحزاب السياسية ما تسميه "توريث" السلطة، في حين تشير معلومات إلى وجود انقسام في قيادة الجيش، ما يثير المخاوف من سعي الجماعات المسلحة الناشطة في المنطقة إلى استغلال تردي الأوضاع. تم، أمس، في نجامينا، تشييع جثمان الرئيس التشادي الراحل، إدريس ديبي اتنو، بحضور العديد من رؤساء الدول الإفريقية، بالإضافة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي كان الرئيس الغربي الوحيد في الجنازة، حيث أصر على حضور المراسم على الرغم من التهديد الأمني، والتقى على الفور نجل ديبي الذي سيتولى رئاسة البلاد في هذه المرحلة. وقبل بدء الجنازة صباح أمس، التقى ماكرون ورؤساء مجموعة الساحل الأربع الأخرى محمد ديبي "لمشاورات حول العملية الانتقالية الجارية"، وفق ما نقلت تقارير إعلامية عن الرئاسة الفرنسية، مؤكدة أن فرنسا ودول الساحل الخمس التي تكافح معا "الجهاديين" في هذه المنطقة من إفريقيا أعربت عن "دعمها المشترك للعملية الانتقالية المدنية العسكرية" لنجل الرئيس. وقرر ماكرون المشاركة في الجنازة رغم تحذيرات "فاكت" له بأن يبتعد عنها، الأمر الذي اعتبرته بعض التقارير دليلا على وثوق ماكرون واعتماده على المجموعة العسكرية التي عُينت بعد مقتل إدريس بقيادة نجله محمد ديبي، معتبرة إياه تحركا ضروريا في هذه المرحلة. ونقلت صحيفة "التايمز" عن كاميرون هدسون، المسؤول السابق في الخارجية الأمريكية والمتخصص في شؤون التشاد، أن "ماكرون يريد التأكد من وجود حليف في شخص نجل ديبي والتأكيد له أن فرنسا تدعمه"، مثلما دعمت والده، غير أن الأمور بات يشوبها الكثير من التعقيد، نظرا لكون المعارضة التشادية تعتبر "توريث السلطة" بهذه الطريقة انقلابا. واعتبرت المعارضة السياسية التشادية سيطرة الجيش انقلابا، وكذا جنرال في الجيش الذي قال إنه يتحدث باسم عدد من الضباط، فيما أشارت تقارير إلى وجود انشقاقات داخل الجيش وهروب بعضهم إلى الكاميرون، بينما دعت نقابات العمال إلى إضراب عام. وكان ديبي قد توفي متأثرا بجراحه أثناء زيارة إلى جبهة القتال يوم الإثنين، وفقا للبيانات الرسمية للجيش، حيث كانت قواته تواجه مقاتلي المعارضة المسلحة المنتمين لجبهة الوفاق التشادية "فاكت" التي تعهدت بالتقدم من مواقعها نحو العاصمة نجامينا، فيما نقلت مصادر إعلامية عن عواطف محمد الأمين، الباحثة في العلاقات الدولية، أن المعارضة المسلحة في التشاد طالبت سكان العاصمة بمغادرتها قبل 48 ساعة، مضيفة أن البعض هربوا إلى الدول المجاورة خوفا من تفاقم الأوضاع. وجاء في تقرير نشرته صحيفة "التايمز" البريطانية أن المتمردين التابعين لحركة "فاكت" درّبهم المرتزقة الروس في ليبيا، وذلك نقلا عن مسؤولين على معرفة بالوضع. وقالت الصحيفة إن مقاتلي هذه الحركة كانوا موظفين في شركة "فاغنر" للتعهدات الأمنية والمرتبطة بالكرملين، ويملكها حليف مقرب للرئيس فلاديمير بوتين. وتعتبر التشاد ذات أهمية قصوى، فأي فوضى فيها تعني تأثر العمليات ضد حركة بوكو حرام في حوض بحيرة التشاد والجماعات التابعة لتنظيم "الدولة" والقاعدة في منطقة الساحل، ذلك أن الجيش التشادي يعتبر الأكثر فعالية وتدريبا بين جيوش المنطقة، كما أنها مقر العملية الفرنسية "برخان" وتحصي قرابة ال5 آلاف جندي فرنسي. ويتولى محمد إدريس ديبي "مهام رئيس الجمهورية" ومنصب "القائد الأعلى للقوات المسلحة" على رأس مجلس عسكري انتقالي، ممسكا بكامل مقاليد الحكم تقريبا. وقال محمد ديبي إن الجيش سيسلّم السلطة للمدنيين بعد 18 شهرا. وبالإضافة إلى التهديد القادم من المعارضة المسلحة، يمكن أن يأتي التهديد من داخل النظام، بالنظر إلى تولي محمد إدريس ديبي السلطة بشكل مفاجئ، ما من شأنه إغضاب شخصيات كانت تطمح للسلطة من داخل قبيلة إدريس ديبي. وبهذا الخصوص، قال رولان مارشال، المحلل في مركز الأبحاث الدولي التابع لجامعة العلوم السياسية في باريس، إن الإدارة العامة للخدمات الأمنية لمؤسسات الدولة، الهيئة التي تتمتع بنفوذ كبير ويقودها الرئيس الجديد، "قد تنقسم"، متوقعا أنهم "سيحلون مشاكلهم كما فعلوا في الماضي، عن طريق محاولات القيام بتصفيات جسدية، أي مع عنف مسلح في العاصمة".