أستاذ العلوم السياسية عبد القادر سوفي ل"الخبر": كل المؤشرات تذهب إلى إدانة فرنسا في تخليها عن ديبي وإعادة سياستها في التشاد. كيف تفسر التطورات الأمنية الأخيرة التي شهدها شمال إفريقيا والساحل وهل يمكن الربط بينها؟ بقراءتنا لما يحدث في منطقة شمال إفريقيا والساحل خلال الشهر الأخير، نرى أن المنطقة شهدت أولا مجموعة من العمليات الإرهابية في الحدود الثلاثية بين التشاد، مالي، النيجر ومحاولة اغتيال رئيس النيجر الجديد قبل تنصيبه، واغتيال ولد سداتي في مالي وهو جزء من عملية السلام وأحد الموقعين على اتفاقية الجزائر 2015 التي تكفل بناء صرح مالي على توافق بين الجميع، وأيضا وصول أول رئيس عربي للنيجر له تصورات أكثر قربا للمنظور الجزائري في إفريقيا والساحل، يضاف إلى ذلك تعهد الفرقاء الليبيين بإعادة بناء ليبيا ووضعها في المجتمع الدولي، وهناك أيضا دعوات لإخراج المليشيات والفصائل المسلحة من ليبيا ولا نعرف أي اتجاه تأخذه لكن الدولة الأقرب هي السودان والتشاد التي تعرف حركة غير معهودة في الشمال بحكم وجود مجموعات مناهضة لنظام الحكم، ويعلم الجميع أن المنطقة تعرف عمليات مسلحة من الجماعات المتطرفة وتجارة السلاح، لكن هناك أيضا مجموعات سياسية مناهضة للنظام تعمل على إسقاطه لأنها ترى أن الرئيس ديبي استولى عليه منذ 1990 بمساعدة فرنسا. وقد أثرت طبيعة نظام الحكم على الشمال، وكم هي شبيهة في طبيعة الصراع بما يحدث في مالي، حيث الجنوب غني والشمال فقير. ويجب أن نشير إلى أن عملية برخان القائمة في الساحل بدأت انطلاقا من التشاد بعملية صقر وتحولت لاحقا إلى سرفال ثم إلى برخان حتى نعرف أهمية التشاد بالنسبة للإستراتيجية الفرنسية وخلية فرانس-افريك في إفريقيا. وفي آخر الأحداث اغتيال رئيس التشاد المفاجئ بعد فوزه في الانتخابات التي يقال إنها مزورة، ولكن السؤال المطروح: هل يمكن فصل الوضع القائم في المنطقة عما يحدث داخل الجزائر وفي حدودها مع عودة الحرب في الصحراء الغربية ومسألة التطبيع، بالإضافة إلى القرار الذي اتخذته بإعادة بناء ميناء المحمدية في شرشال والذي سيكون أكبر ميناء في المتوسط ومن أكبر الموانئ في العالم، ويمهد لانطلاق خط الحرير الذي يتزامن مع الطريق الصحراوي "طريق الوحدة الإفريقية" الذي ينطلق من الجزائر ويمر بالنيجر نحو نجمينا وبماكو ونواقشط وجنوب إفريقيا ويتزامن مع الانطلاق الفعلي لمنطقة التبادل الاقتصادي الإفريقية الحرة، خاصة أن هذه التطورات الأخيرة تزعج الكثير من الفواعل؟ هل تقف الفواعل وراء تحركات المتمردين في التشاد؟ الأخبار تتحدث عن مجموعة من الفصائل المسلحة التي انطلقت من سبها في ليبيا منذ أيام باتجاه التشاد، وعن تحويل مساعدات إنسانية من مصر إلى ليبيا يقول الخبراء إنها في الحقيقة أسلحة ثقيلة استفادت منها الفصائل التي قامت بالعملية، ومقتل حوالي 15 لواء في مدينة ماو التي تبعد 300 كلم عن نجمينا والرئيس يطرح أكثر من سؤال، لأن ديبي حليف استراتيجي لفرنسا، بالإضافة لكونه الحليف الأول لعملية برخان، لكنه تحرك دون الحماية الكافية، خاصة أن فرنسا لديها ثلاث قواعد عسكرية في التشاد، وهنا تصبح الشكوك أكبر حول تحالفات جديدة بين الدول في إزاحته، وهل كان الهدف تغييره بنجله محمد كاكا ديبي، وهو أيضا لواء استلم في الليلة نفسها مقاليد الحكم. وكل المؤشرات تذهب إلى إدانة فرنسا في تخليها عن دعم ديبي وإعادة سياستها في التشاد بعد أن هاجمها في خرجاته الأخيرة وتحدث عن دورها في تعطيل إفريقيا وأقر في خطابه بأن فرنسا فرضت عليه البقاء في الحكم بعد العهدة الثانية، ما يعني أنها تدير اللعبة في المنطقة وتعمل على بقاء أو إزالة الرؤساء في المناطق الإفريقية الفرنكوفونية. هل يدخل تعطيل العمل بالدستور في إطار أهداف التحالفات الجديدة؟ تعطيل العمل بالدستور سيعطي مساحة أكبر للجيش للعمل عبر التراب التشادي، ولكن نحن نتحدث عن دولة شمالها ملتهب ولا تسيطر عليه الحكومة ويمكن أن يصبح ليبيا ثانية أو أن يستقطب الفصائل المسلحة من ليبيا من أجل مراقبة التحول في ليبيا وإبقاء الضغط على منطقة الساحل والفواعل الجديدة خاصة الصين وروسيا، بالإضافة إلى الولاياتالمتحدة، ما يزعج فرنسا التي ترى المنطقة مكان نفوذ تقليدي فرنسي ولا تقبل الشركاء داخلها، خاصة بعد دخول تركيا والتقارب التركي المصري، إلا أن فرنسا لا يمكنها أن تتخلى عن مصالحها في ليبيا أو منطقة أخرى وتعمل على مصارعة الفواعل الأخرى للإبقاء على هيمنتها من خلال برخان. ونظن أن التشاد ستكون امتدادا للمسرح الليبي ويمكن أن نرى فيها قواعد عسكرية غربية جديدة وحروبا لا تماثلية وبالوكالة بين الفواعل الإقليمية في المنطقة. وكيف سيكون تأثير هذه التطورات على الجزائر؟ من منظور جيوبولتيكي، نجاح الدبلوماسية في التوفيق بين الفرقاء الماليين ونجاح العملية السلمية في ليبيا سيعطي متنفسا للجزائر يمكنها من تسريع خط الحرير الذي يجمعها مع الصين، لكن بناء الجبهة الداخلية واقتصاد قوي يكون في وجود حدود أكثر أمانا. عودة الدبلوماسية الجزائرية بقوة في المرحلة الأخيرة وربما حتى اقتصاد الجزائر الذي يمكن أن يحدث شراكات ثنائية قوية بين إفريقيا عموما واليابان وألمانيا وتركياوالصين وروسيا تهدد مصالح بعض القوى التقليدية التي هيمنت على المسرح الإفريقي، بالإضافة لعودة الشعور الإفريقي بما أنتجته فرنسا من خراب في إفريقيا وحتى الشعور بالكراهية نحو فرنسا أصبح يمثل هاجسا كبيرا لفرنسا التي تحاول إعادة بناء استراتيجية جديدة بناء على المعطيات والتحولات التي تعرفها المنطقة.