تحول مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني الحاكم، في دورته العشرين، إلى حدث دولي شد إليه الأنظار، ووضع خطاب الرئيس الصيني شي جين بينغ تحت مجهر مخابر التحليل والاستشراف الغربية الكبرى، وعلى رأسها الولاياتالمتحدة. ويتزامن الحدث مع تغييرات تطال تركيبة النظام العالمي المتوجه نحو قطبية متعددة، وتظهر الصينوروسيا رغبتهما في المشاركة في صنع القرار الدولي، في حين تنظر الولاياتالمتحدة إلى الأولى كونها أكبر خطر يتهدد مكانتها كأول قوة اقتصادية وعسكرية في العالم. وضجت وسائل الإعلام الدولية بالأخبار والتحاليل حول ما سيتمخض عن مؤتمر الحزب الحاكم من مخرجات وسياسات تعني الصين من الداخل والمجموعة الدولية، وحملت هذه القراءات تذكيرات بسجلات الصين في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية وكخطر يتهدد منجزات الديمقراطيات الغربية. ورسم الرئيس الصيني شي جين بينغ، في كلمته خلال افتتاح المؤتمر، ملامح مستقبل بلاده، متكئا على ما أحرزته الصين من إنجازات خلال السنوات الماضية، ونقلت صحيفة "تشاينا ديلي" الصينية 10 رسائل للرئيس الصيني. وأبرزت الرسالة الأولى ما حققه الحزب الشيوعي الصيني من إنجازات وتغييرات تاريخية في قضية الحزب والدولة خلال العقد الماضي. فيما حملت الرسالة تعهدا من الرئيس شي جين بينج اعتبارًا من هذا اليوم، بأن تكون المهمة المركزية للحزب الشيوعي الصيني هي قيادة الشعب الصيني من جميع الأعراق في جهد متضافر لتحقيق الهدف المئوي الثاني المتمثل في بناء الصين لتصبح دولة اشتراكية حديثة عظيمة من جميع النواحي، والمضي قدمًا في "تجديد شباب الصين". فيما حملت الثالثة تعهدا بتحقيق الازدهار المشترك للجميع، والتقدم المادي والثقافي والأخلاقي، والتناغم بين الإنسانية والطبيعة، والتنمية السلمية، وأكدت الرسالة الرابعة على تحقيق تنمية عالية الجودة لبناء دولة اشتراكية حديثة من جميع النواحي. وشدد الرئيس في رسالته الخامسة على ضرورة أن يبقى الابتكار في قلب حملة التحديث بالصين، مشيرا في رسالته السادسة إلى توسع الصين بثبات نحو الانفتاح المؤسسي فيما يتعلق بالقواعد واللوائح والإدارة والمعايير. وأشار في السابعة إلى "استكمال المعركة ضد الفساد على نطاق غير مسبوق"، فيما شدد في الثامنة على أن حل قضية تايوان هو شأن الصينيين، وهو أمر يجب على الصينيين حله. وأكد في رسالته التاسعة أن الصين ملتزمة بتنفيذ سياسة دولة واحدة ونظامين بشكل كامل، والتي بموجبها يدير شعب هونج كونج هونج كونج ويدير شعب ماكاو ماكاو، وكلاهما يتمتع بدرجة عالية من الحكم الذاتي. وفي رسالته العاشرة، شدد على وقوف الصين بحزم ضد جميع أشكال الهيمنة وسياسات القوة، وعقلية الحرب الباردة، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، والمعايير المزدوجة، مشددا على أن الصين ستكرس جهودها لتعزيز المجتمع البشري والمصير المشترك للجميع. هذه الرسائل تلقفتها الأوساط الصينية، كما وصلت إلى العواصم الغربية، وهي المدركة لثقل الصين المتزايد دوليا بالنظر إلى تزايد أهميتها الاقتصادية العالمية، بالرغم من تراجع وتيرة النمو المسجلة بسبب التدابير الراديكالية في مواجهة انتشار جائحة كورونا، حيث تحوز الصين على 20% من الناتج العالمي الخام، وهذه النسبة مرشحة أن تتزايد خلال السنوات القادمة، ما يجعلها أكبر اقتصاد عالمي، في تقديرات تؤكدها حتى مراكز الدراسات الأمريكية والغربية، وهو ما يجعل كل الأنظار تركز على الصين، إلى جانب أن الصين تطمح لبناء جيش يعكس قوتها ومكانتها في حدود سنة 2027. ما يشهده العالم اليوم من تطورات تفرضها الحرب في أوكرانيا ما هي إلا معركة ضمن حرب مستقبلية متعددة الأوجه، تستخدم فيها كل الأسلحة، بما فيها سلاح القوة الناعمة، بين المعسكر الذي ستتزعمه الصين بدرجة أولى، إضافة إلى روسيا، في مقابل المعسكر الغربي، وسيكون أكبر تحدٍّ لهذا المعسكر هو إيجاد الطرق والوسائل لكبح جماح تمدد الاقتصاد الصيني وسطوة الشركات الصينية عبر العالم.