باتت الزحمة المرورية مشكلا تزداد حدته بالعاصمة من سنة إلى أخرى، بالرغم من استحداث وسائل النقل الجماعية، على غرار المترو والتراموي، حيث تؤثر هذه الزحمة سلبا على تنقل الأفراد وعلى حالتهم النفسية ومردودهم في العمل، حيث تكشف "المساء" خلال هذا الروبورتاج الذي قامت به عن العوامل الأساسية والأسباب التي جعلت العاصمة تعيش اختناقا دائما، كما يقترح بعض المسؤولين الحلول اللازمة التي تساعد على إنهاء هذه الظاهرة التي وصفت ب"الخطيرة" . تعتبر العاصمة محور استقطاب العديد من القادمين من الجهات الداخلية للوطن، كون أغلب المصالح الإدارية والوزارات مركزة داخلها، لذلك زادت حدة ظاهرة الاختناق المروري وأصبحت ميزة تطبع تقريبا جميع شوارع العاصمة، سواء بوسطها أو في مداخلها الشرقية والغربية ومختلف الطرق المؤدية إليها.
تمركز المؤسسات الإدارية بوسط المدينة سبب كاف لزيادة الضغط من أهم العوامل التي تزيد من حدة الاكتظاظ بالعاصمة؛ تمركز جل مقرات المؤسسات الإدارية، التربوية والصحية في قلب المدينة، مما يجلب إليها عددا كبيرا من الوافدين الذين يزيدون في عدد المتنقلين عبر الشوارع، وأغلبهم يستعملون سياراتهم الخاصة، حيث أكد المدير العام للمركز الوطني للوقاية والأمن عبر الطرق، السيد الهاشمي طالبي ل"المساء"، أن الجزائر العاصمة مدينة قديمة ذات شوارع ضيقة، والتوسع الذي عرفته في أغلبه عشوائي ولم يؤخذ بعين الاعتبار، إلى جانب السلامة المرورية وضمان السيولة للمركبات، لأن أغلبية الأحياء بالعاصمة ضيقة ولا تتناسب مع أحجام المركبات، مما يزيد من حدة الاختناق المروري بالعاصمة، موضحا أن هناك عوامل عديدة تجعل الاكتظاظ يزيد من سنة إلى أخرى، أهمها أن العاصمة تتمركز فيها كل المؤسسات والأقطاب الاستشفائية والجامعية، الشركات، البنوك والإدارات، هذا ما يجعل أصحاب المدن الخارجية يقبلون بكثافة على العاصمة، كما أن حظائر المركبات في تزايد يقارب المليوني مركبة، حسب الإحصائيات الأخيرة.
السائق يشتكي من نقص المنشآت القاعدية ويعتبرها حل أنسب من جهة أخرى، اعتبر السائقون أن مخططات المرور لا تساير الزيادة والتطور في حجم الحظيرة، وأنه لابد من تحديثها لتنظيم حركة المرور بالعاصمة، كما أن قلة الحظائر لركن المركبات يساهم في توقيف حركة المرور، بالتالي نجد المواطن يجوب كل الأحياء بغرض ركن سيارته، ليضطر في النهاية إلى ركنها على الرصيف، مما يولد الضغط خصوصا بالمراكز التجارية، الإدارات، الجامعات والمستشفيات، وهو الأمر الذي لم ينكره السيد الهاشمي الذي أكد أن العاصمة تواجه اختلالا بين المنشآت القاعدية ومتطلبات المرور، فالعاصمة عرفت زيادة في نسبة التنقلات داخلها، وحسب دراسة ميدانية حديثة، فإن عدد المركبات التي تدخل العاصمة خلال فترة الذروة بين الساعة السابعة والثامنة صباحا يفوق 30.000 مركبة، زيادة على عدد المركبات الموجودة داخلها، والتي تقدر حسب إحصائيات بداية هذه السنة بأكثر من 1.400.000 مركبة.
انعدام محطات الربط بمداخل العاصمة وعوامل أخرى يخنقان المرور واعتبر السيد الهاشمي أن زيادة الاختناق المروري بالعاصمة يعود لعدة عوامل، منها قلة حظائر المكوث، كثرة التقاطعات، قلة الملتقيات الدائرية، قلة الأطوار والمحاور، قلة المسالك والممرات المحمية المخصصة للمشاة ونقص تنظيم المرور، ولعل أهم الأسباب الحقيقية - يقول مصدرنا - يعود لانعدام محطات الربط والعجز في توفير النقل الجماعي، حيث أوضح أن عدم وجود محطات الربط في مداخل العاصمة؛ جنوبا، شرقا وغربا، يضطر وسائل النقل الآتية من الضواحي وغيرها من القرى والمدن، لاسيما السيارات الخاصة إلى الدخول إلى مراكز المدينة، فتسبب ازدحاما، بل شبه انسداد في حركة المرور، خاصة في أوقات الذروة، بالتالي، لابد أن توفر هذه المحطات وتحتوي على حظائر لركن السيارات، بحيث تتسع لحجم المركبات التي تنوي دخول العاصمة، تكون مؤمنة وتتوفر على مرافق خدماتية سريعة، كما يجب أن تكون هذه المحطات موصولة بوسائل نقل تؤدي إلى العاصمة، مثل سيارات الأجرة، المترو، التراموي، وحافلات بأسعار معقولة.
نهاية مشكل الضغط بالعاصمة مرتبط بحلول لابد من اعتمادها اقترح السيد الهاشمي العديد من الحلول للقضاء على ظاهرة الاختناق المروري بالعاصمة، أهمها تدعيم وسائل النقل الجماعية، وهو ما باشرته الدولة منها المترو، التراموي والمصاعد الهوائية، كما تدعمت شركة النقل الحضري وشبه الحضري بالحافلات، بالإضافة إلى تنظيم حافلات الخواص وتوفير العدد الكافي منها الذي يعمل في مختلف الاتجاهات، ولابد أن تكون الأسعار مدروسة ومحفزة تمكن المواطن من استغلال وسائل النقل الجماعية والتخلي عن سيارته الخاصة، كما يتوجب إنشاء محطات الربط بمداخل العاصمة، تحيين مخططات المرور والتقليل من التقاطعات الموجودة، إنشاء الملتقيات الدائرية، إلى جانب الجسور والمحولات للتخفيف من الضغط، منع مرور الشاحنات الكبرى التي تنقل البضاعة عبر موانىء العاصمة، والتي تساهم في عرقلة حركة المرور، الإسراع في استكمال مركز ضبط المرور الذي انطلقت السلطات المعنية في إنجازه، حيث يتحكم المركز في حركة المرور بالعاصمة وبإمكانه ضبط المخالفين لاحتوائه على أجهزة وكاميرات لمراقبة الحركة المرورية داخل المدينة، توقيف إنجاز المستشفيات والأقطاب الجامعية داخل المدينة، والمفترض أن تنجز هذه المنشآت خارج العاصمة للتقليل من كثافة المرور.
الطرق السريعة لم تسلم من الاختناق بالأخص في أوقات الذروة على صعيد متصل، أكد المكلف بالإعلام بقيادة الدرك الوطني، المقدم عبد الحميد كرود ل "المساء"، أن حركة المرور تتوقف في أوقات الذروة على مستوى الطرق السريعة والاجتنابية، موضحا أن توافد المواطنين في ساعة معينة عبر الطرق السريعة يساهم في عرقلة الحركة المرورية، كما أن عدم مبالاة المواطن بإعطاء الأولوية لأصحاب المركبات الكبرى يضاعف من حجم المشكل، وتصبح حركة المرور صعبة حتى على مستوى الطرق السريعة، والازدحام عادة يكون في الطرق الاجتنابية لأن القادم من المدينة يكون قد استغرق وقتا كبيرا للخروج من زحمتها، لذا يقوم بالتجاوزات في الطرق السريعة لاستدراك الوقت الضائع، كما أن عدم احترام إشارات المرور، خصوصا على مستوى مفترق الطرق بمداخل ومخارج الطرق السريعة يساهم في زيادة الضغط، إضافة إلى أن المواطن لا يحترم الإشارات الضوئية ويقوم بتجاوزات خطيرة على اليمين، حيث يقوم السائقون بخلق رواق رابع وخامس على شريط الأروقة الثلاثة، مما يؤدي إلى حوادث مرور خطيرة، الأمر الذي يجعل فرق الدرك الوطني تتدخل بسرعة، حيث تسهر فرق الدراجات النارية على تنظيم وضمان سيولة الحركة المرورية واستمراريتها دون توقف، من خلال الذهاب والإياب، مع تفادي الاصطدام من اليمين، "ونحن كدرك وطني، نطالب المواطن بالالتزام بقوانين المرور لتفادي المشاكل وضمان سلامته" يقول المقدم كرود.
الاتحادية الوطنية للسيارات تطالب الوصاية بالحلول السريعة من جهته، شدد رئيس الاتحادية الوطنية لسيارات الأجرة، السيد آيت إبراهيم ل"المساء"، على ضرورة الاهتمام بمشكل الاختناق المروري بالعاصمة، حيث أصبح هاجس كل مواطن جزائري، إذ أوضح أن السلطات المعنية لابد أن تفتح باب الحوار مع مختلف الجهات، على غرار البلديات والدوائر لاتخاذ الإجراءات المناسبة قصد فك الخناق عن العاصمة، مشيرا إلى أن اتحادية السيارات اقترحت العديد من الحلول، على غرار وضع الطريق المزدوج بدل الاعتماد على الاتجاه الواحد. ووصف السيد آيت ابراهيم وضعية الطرق ب "الكارثية"، بسبب الازدحام المروري الذي يشتكي منه المواطن بصفة عامة، وسائقو السيارات بصفة خاصة، كونهم يستعملون الطرق بشكل يومي، وهذه الظاهرة تسبب لهم حرجا كبيرا لأنها تؤثر على صحتهم النفسية والبدنية وتسبب العديد من الأمراض، منها ارتفاع ضغط الدم، السكري والتهاب المفاصل، أمام الساعات الطويلة التي يقضيها السائق في طوابير الازدحام، وأرجع الظاهرة إلى عدة عوامل، أهمها ضيق العاصمة وتمركز كل المصالح بها، إضافة إلى التوسع العمراني الكبير والعدد الهائل للسيارات بسبب سهولة اقتناء المركبات، ليتضاعف عدد الحظيرة إلى 10 مرات، كما أن مخطط النقل يحتاج إلى دراسة يضيف مصدرنا.