تحوّل الجسر العملاق بقسنطينة الذي دشنه الوزير الأول عبد المالك سلال على هامش الزيارة العملية والتفقدية التي قادته إلى الولاية، إلى وجهة سياحية بامتياز في أول أيام دخوله الخدمة بعد حوالي أربع سنوات من الإنجاز. وعرفت هذه المنشأة الفنية العملاقة التي تُعد أكبر مشروع فني على الصعيد القاري، حركة دؤوبة مباشرة بعد تدشينه في حدود منتصف نهار يوم السبت الفارط، حيث دخل مباشرة في الخدمة بعد مغادرة الوفد الوزاري. وشهد جسر صالح باي اكتظاظا مروريا كبيرا بعد الإفطار إلى الساعات الأولى من الفجر، حيث اصطفت طوابير طويلة بطريق شارع جيش التحرير الوطني بين حي الصنوبر ومدخل جسر سيدي راشد إلى غاية ساحة الأممالمتحدة (الفج) بحي بيدي لوزيرة. وركن عدد كبير من السائقين سياراتهم على الجهة اليمنى للجسر، وترجلوا لأخذ صور تذكارية. وكان عدد العائلات كبيرا جدا إلى درجة أن حركة المرور أصبحت بطيئة جدا على طول الجسر المقدَّر بحوالي 27 مترا، حيث كانت هذه العائلات تتوقف في العديد من الأحيان، لكن ذلك لم يزعج عابري الجسر، الذين كانوا في قمة السعادة والفرح، لاسيما أنهم قطعوا مسافة 750 مترا في أكثر من 30 دقيقة. وعبّر العديد من المواطنين عن إعجابهم بهذا المشروع الضخم، معتبرين تكلفة الجسر وتهيئة الطرق والمحولات الخاصة به والمقدرة إجمالا في حدود 30 مليار دج، لا تساوي شيئا مقارنة بهذا الإنجاز الذي يضاف إلى مشاريع قسنطينة. كما وصف بعض المواطنين ممن عبروا الجسر في أول أيام افتتاحه، هذه المنشأة، بالرائعة، وقال بعضهم ممن صادفناهم على الجسر، إنه يخيَّل لك وأنت تعبر هذا الجسر خاصة في الفترة الليلية، وكأنك تعبر جسر البوسفور في تركيا، أو أنك على جسر بدولة خارج الجزائر. وفضّل عدد من الأولياء أخذ صور لأبنائهم أمام الركيزة الأساسية بوسط الجسر، والتي كُتب عليها اسم صالح باي بمعدن النحاس بحروف كبيرة، وأسفلها اللوحة الرخامية التي تحمل تاريخ التدشين، في حين فضّل بعض القسنطينيين قطع الجسر مشيا على الأقدام، وأخذ صور في مختلف مناطق هذه المنشأة الفنية الضخمة، التي تولت شركة أندراد غوتيراز البرازيلية مهمة إنجازها. ومن المرتقب أن يتحول الجسر العملاق أو جسر الاستقلال، كما يسمى بقسنطينة، أو جسر صالح باي، حسب التسمية الرسمية، إلى وجهة سياحية هامة بمدينة الجسور المعلقة التي أضافت الجسر الثامن إلى سجلها، خاصة أن هذا المعلم التاريخي والفني يقدّم عند عبوره منظرا بنوراميا رائعا؛ فالعابر له من جهة حي الصنوبر إلى جهة ساحة الأممالمتحدة، يشاهد المدينة القديمة من السويقة إلى أعلى القصبة القديمة، ودون مقدمات يصطدم بصره بالمدينة العصرية التي أُنجزت خلال الحقبة الاستعمارية من أحياء عواطي مصطفى، رحماني عاشور، مرورا بجسر سيدي راشد، الذي وجد لنفسه في جسر صالح باي، أنيسا بعد أكثر من 102 سنة من الوحدة. كما يشاهد العابر للجسر في الأفق غير البعيد مباشرة، مسجد الأمير عبد القادر ومنارتيه الشامختين. أما من الجهة اليسرى فيشاهد المار من الجسر، البرج الإداري لجامعة منتوري، وأسفلها الحي الجامعي عائشة أم المؤمنين 2000 سرير، فمشروع نزل الماريوت من 5 نجوم إلى الطريق السريع بشارع الصومام، كما يشاهد الأقواس الرومانية وجزءا من ملعب الشهيد حملاوي. ومن المنتظر أن يكون جسر صالح باي قِبلة لمواكب الأعراس والعرسان الجدد، الذين لن يفوّتوا فرصة أخذ الصور التذكارية من على سطح الجسر، كما سيكون وجهةً لكل قاصدي قسنطينة. وبهذا الشأن أمر الوزير الأول عبد المالك سلال خلال تدشين هذا الصرح الضخم في جزئه الأول الذي استهلك حوالي 15 مليار دج، بالسهر على صيانة الجسر ومتابعته بصفة دقيقة، للمحافظة عليه لأكبر مدة ممكنة. ويبقى الجزء الثاني من المشروع قيد الإنجاز، حيث يتطلع القسنطينيون إلى استلام كامل المشروع في أقرب الآجال، خاصة أن الجزء المتبقي الذي خُصص له غلاف مالي يضاهي المبلغ المخصص لإنجاز هذه التحفة الفنية، سيربط الجسر الذي يرتفع عن واد الرمال بحوالي 70 مترا وبعرض 27 مترا، بالطريق السيار شرق غرب بنقطة جبل الوحش، عبر سطح المنصورة إلى الزيادية، فجبل الوحش. وقد أخذ جسر قسنطينة العملاق تسميته بقرار من رئاسة الجمهورية، على اسم أحد الشخصيات البارزة في تاريخ قسنطينةوالجزائر، وهو حاكم قسنطينة صالح باي أحد بايات بايلك الشرق، الذي وُلد بمدينة أزمير التركية سنة 1725، وعُيّن على رأس بايلك الشرق سنة 1771، وامتد حكمه حوالي 21 سنة. وشهدت فترة تربعه على بايلك الشرق عدة إنجازات، كما عرفت المنطقة في وقته ازدهارا اقتصاديا واجتماعيا، ساهم في زيادة نفوذه وولاء الشعب له. وتقول الروايات إن المكيدة التي تعرّض لها صالح باي من قبل باشا الجزائر العاصمة وقتها والتي انتهت بقتله سنة 1792، خلقت حزنا كبيرة بقسنطينة. وتضيف هذه الراويات أن نسوة قسنطينة حزنَّ حزنا كبيرا على بايهن، وعبّرن عن ذلك بارتداء الوشاح الأسود الذي أُطلق عليه اسم الملايا لاحقا، والذي يُعتبر من الملابس التقليدية الحالية التي تميز عاصمة الشرق الجزائري وبعض الولايات المجاورة، حيث لاتزال بعض النسوة يحافظن على ارتداء هذا الزي المحتشم إلى الوقت الحالي.