سكت دوي المدافع وأزيز الطائرات في قطاع غزة، وبدت مدنه هادئة إلا من رائحة الموت التي مازالت تخيم على دمار كارثي وقف عليه الفلسطينيون وكلهم حسرة على ما تعرضوا له من إبادة جماعية.ورغم شعورهم بالغبن والحيف الذي لحقهم إلا أنهم يعلقون آمالا كبيرة على صمود الهدنة المتوصل إليها أول أمس، وان تحل الدبلوماسية محل القتل العشوائي الذي تعرضوا له طيلة شهر كامل أمام عالم فضّل البقاء متفرجا على مشاهد مجزرة ديكورها الدم والدمار وعويل الثكالي وصراخ الأيتام. وتحركت الدبلوماسية أخيرا في القاهرة المصرية علّها تتمكن من إقناع الجانبين باتفاق وقف إطلاق نار نهائي بينهما ضمن أول خطوة لإنهاء مأساة قرابة مليوني فلسطيني من سكان قطاع غزة الواقعين تحت رحمة حصار جائر منذ سبع سنوات. والتقى مفاوضون مصريون مع وفد إسرائيلي مفاوض بمجرد وصوله الى القاهرة ليلة الثلاثاء الى الأربعاء، قبل لقاء عقدوه أمس، بالوفد الفلسطيني الذي أبلغوه قائمة الشروط الإسرائيلية. في انتظار تقديم الوفد الفلسطيني شروطه للمفاوضين المصريين لنقلها بدورها الى الجانب الاسرائيلي. ووصل وفد إسرائيلي في ساعة متأخرة من ليلة الثلاثاء الى العاصمة المصرية مباشرة بعد إعلان التوصل الى هدنة الثلاثة أيام "القابلة للتجديد"، في تحول في موقف حكومة الاحتلال التي كانت الى غاية بداية الأسبوع ترفض رفضا قطعيا كل فكرة للتفاوض مع حركة حماس التي توعدت بإبادة قادتها. وكشف مصدر دبلوماسي مصري، ان مفاوضات مكثفة سيتم الشروع فيها بين الجانبين ستكون السلطات المصرية وسيطا فيها لنقل مقترحات الجانبين على اعتبار أنها ستكون غير مباشرة. وتبقى المهمة الأساسية للمفاوضين المصريين إزالة الشعور بعدم الثقة الذي ينتاب الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بسبب الريبة المتبادلة التي تكرست على مدى سنوات الاستيطان، وأكدتها النزعة العدوانية للكيان المحتل ضد كل ما هو فلسطيني. وكان مجلس الأمن الإسرائيلي عقد اجتماعا طارئا مساء الثلاثاء، استغرق ست ساعات بحث أعضاؤه طيلته فكرة الهدنة قبل قراره بإعطاء الضوء الأخضر للوفد الإسرائيلي المفاوض التوجه الى مصر لحضور أول جلسة مفاوضات لتثبيت الهدنة. ولكن هل ينجح الوسيط المصري في إقناع الجانبين بتمديد هذه الهدنة التي تنتهي نظريا يوم غد الجمعة، بسبب مواقف الجانبين المتباعدة من النقيض الى النقيض بين رغبة إسرائيلية في إحكام قبضتها على قطاع غزة وكتم أنفاس قاطنيه، ونزع سلاح مقاومته وبين إلحاح فلسطيني على رفع الحصار الإجرامي المفروض وفتح المعابر وتوسيع المجال البحري لسكان قطاع غزة الذين أصبح البحر متنفسهم ومصدر رزقهم الوحيد. وتأكد من خلال تسريبات إعلامية أن إسرائيل لا تريد إحلال السلم الدائم بعدما ربطت فكرة إعمار قطاع غزة الذي دمرته بنزع سلاح فصائل المقاومة ضمن هدف استراتيجي يرمي الى تجريد القضية الفلسطينية من جوهر بقائها كقضية تحرر وطني. وفي أول رد فعل على هذا الشرط بربط إعادة بناء قطاع غزة بنزع سلاح المقاومة قال عزت الرشق العضو القيادي في حركة المقاومة الاسلامية حماس "إننا لن نولي أي اهتمام لهذا المقترح، وكل من يعتقد انه بمقدوره طرحه خلال المفاوضات بزعم انه ربح المعركة فإنه مخطئ في حساباته". اضاف بلغة صارمة إننا سنقطع رأس كل من يريد نزع أسلحتنا". وهي الرغبة التي أكد عليها وزير الخارجية الامريكي جون كيري، الذي انحاز الى جانب موقف الاحتلال بدعوته الى إيجاد آلية للقضاء على صواريخ المقاومة وتجريد قطاع غزة من أسلحته كشرط لمستقبل أفضل". ولكنه لم يتفوه بكلمة واحدة حول العداء الإسرائيلي ورفضه لكل الحقوق الفلسطينية بما فيها مبدأ الدولتين الذي تزعم الادارة الأمريكية أنها تسعى من اجل تحقيقه ولكنها فشلت في ذلك لأكثر من عشر سنوات.