تحولت قضية اللاجئين العراقيين في مناطق الشمال وبشكل مفاجئ الى قضية دولية تحركت لأجلها مختلف العواصم الغربية بدعوى حماية الأقليات من هجمات عناصر تنظيم الدولة الإسلامية، المتطرف الذي زرع الرعب في أوساط الطائفة اليزيدية والعراقيين المسيحيين. واستنفرت الولاياتالمتحدة وفرنسا وبريطانيا واستراليا بشكل مفاجئ كل سلطاتها ل"نجدة" العراقيين في جبال سنجار من اليزيدين وفي داهوك والموصل من المسيحيين الذين وجدوا الأمان والحماية لدى قوات البشمركة الكردية من بطش عناصر تنظيم الدولة الإسلامية الذين استباحوا دمهم وأرغموهم على دفع الجزية. ويبدو أن إلقاء المعونات ومختلف المواد الغذائية جوا لم يكف الادارة الأمريكية وقررت إرسال تعزيزات عسكرية قالت إنها لمساعدة هؤلاء على النجاة من موت يترصدهم ووضعت من بين الخيارات لذلك إجلاءهم ضمن اكبر عمليات إنقاذ بشرية في العراق، بعد تقرير "تخويفي" أصدرته الأممالمتحدة أكدت من خلاله خشيتها وقوع إبادة جماعية ضد اللاجئين الفارين من تنكيل عناصر الدولة الإسلامية. وفي انتظار حسم واشنطن في خياراتها المطروحة واصل طيرانها الحربي قصف مواقع الدولة الإسلامية في محاولة لتقزيم قوتها النارية في منطقة جبال سنجار، حيث يوجد قرابة 30 ألف يزيدي محاصرين دون غذاء ولا ماء وفي ظروف مناخية جد صعبة. وإذا كانت المسؤولية الأخلاقية للولايات المتحدة كقوة عظمى تحتم عليها إنقاذ فئات بشرية من جحيم الموت المحقق مهما كانت عرقياتهم ودياناتهم، فإن كل المسلمين يطرحون سؤالا سوف لن يجدوا إجابة عنه وهو: لماذا انتاب هذا الشعور النبيل إدارة الرئيس باراك اوباما عندما تعلق الأمر بهؤلاء اللاجئين ولكنها افتقدته عندما كانت إسرائيل تزرع الرعب والتقتيل الجماعي ضد سكان قطاع غزة لأكثر من شهر ضمن عمليات إبادة فاقت في بشاعتها جرائم النازية الهتلرية. والأكثر من ذلك من أين لتنظيم مسلح صغير أن يتقوى بهذه الطريقة وبهذه السرعة ويصبح دولة داخل دولة بحجم العراق في اقل من شهرين التي رعتها الولاياتالمتحدة طيلة عقد من الزمن ولتجد نفسها في النهاية لا تقدر على مواجهة مسلحين خرجوا من العدم. فإذا سلمنا بمضمون مذكرات وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون، التي أكدت أن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" قبل أن يتحول الى الدولة الإسلامية يبقى صنيعة أمريكية وبالتالي فإن تدخل الولاياتالمتحدة لم يكن سوى مجرد إصلاح أحد أكبر أخطائها الاستراتيجية في العراق إذا اقتنعنا أيضا أن تنظيم "الدولة الإسلامية" خرج عن عصا طاعتها وهي تقوم بتقويمه وردعه. ولكن الاحتمال الأكثر مصداقية يبقى أن الولاياتالمتحدة أرادت للأوضاع أن تعرف مثل هذا المنحنى حتى بلغ درجة التعفن الذي يعطيها المشروعية والمبررات للتدخل والبقاء في العراق بطريقة أكثر فعالية هذه المرة في إقليم كردستان، تحديدا بالنظر الى الأهمية الاستراتيجية لهذا الإقليم الواقع على أبواب آسيا الوسطى ومشارف أوروبا وقلب الشرق الأوسط. ويكون هذا الاحتمال وارد جدا الى الدرجة التي جعلت وزير الخارجية الامريكي جون كيري، يجعل من هذه القضية "الإنسانية" قضية الدولة الأمريكية بكيفية زحزحت الوضع في قطاع غزة الى المرتبة الثانية من حيث الاهتمام الامريكي. وقال إننا نفكر بشكل استعجالي لإخراج هؤلاء النازحين من جبال سنجار، وان إرسال 130 عسكريا إضافيا يدخل ضمن مهمة تقييم الأوضاع.