توعدت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" إسرائيل بدفع الثمن غاليا بعد اغتيالها لقيادييها الميدانيين في قطاع غزة محمد برهوم ورائد العطار ومحمد أبو شمالة. وقال سامي أبو زهري، الناطق باسم حركة حماس أن "إقدام إسرائيل على هذه الجريمة لن يثبط من عزيمة المقاومة بقدر ما يزيدها إصرارا على تحدي الاحتلال والثار لهؤلاء الشهداء". وسار آلاف الفلسطينيين في تشييع جنازة قادة كتائب عزّ الدين القسام، في رسالة أكدوا من خلالها التفاف سكان قطاع غزة حول الجناح العسكري لحركة المقاومة، وافشلوا بذلك مخطط إسرائيل التي كانت تريد من خلال بشاعة جرائمها الى جعل سكان القطاع يثورون على حركة حماس ويحمّلونها مسؤولية ما يعانونه من جرائم ومآس. وكانت طائرة عسكرية إسرائيلية قصفت مبنى كان الثلاثة بداخله في مدينة رفح في جنوب القطاع بتسعة صواريخ حتى جعلت البناية تنهار ركاما وتأكدت من عدم نجاتهم جميعا. وكشف هذا التحامل أن جيش الاحتلال لم يرد هذه المرة الوقوع مرة أخرى في الخطأ الذي وقعت فيه في العملية الفاشلة التي نفذها نهار الأربعاء، ضد قائد كتائب عزّ الدين القسام محمد ضيف، الذي نجا بأعجوبة من عملية قصف استهدفت منزله في وسط قطاع غزة، وأودت بحياة زوجته وابنه الرضيع وابنته سارة صاحبة الثلاث سنوات التي تم انتشال جثتها من تحت أنقاض منزل والدها يوما بعد ذلك. ويعتبر محمد أبو شمالة، قائدا ميدانيا بارزا لكتائب عزّ الدين القسام في منطقة رفح جنوب قطاع غزة، وتحمّله مخابرات الاحتلال مسؤولية أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط سنة 2006 تماما كما هو الأمر بالنسبة لمحمد برهوم، القائد الميداني الآخر لكتائب القسام. أما رائد العطار، فتؤكد تقارير المخابرات الإسرائيلية انه مهندس فكرة بناء الأنفاق بين قطاع غزة والعمق الإسرائيلي، وهي الصفات التي جعلت حكومة الاحتلال تدرجهم ضمن القيادات الفلسطينية التي يتعين القضاء عليها من بين خمسة قادة في الجناح العسكري لحركة المقاومة الاسلامية. ورغم أن حركة "حماس" قللت من تأثير استشهاد أبرز قادتها على مسار المقاومة والعمل المسلح ضد الاحتلال، إلا أن الضربة كانت موجعة إذا سلمنا بوزن وأهمية الشهداء الثلاثة الذين شكلوا الجيل الجديد في الهيكل التنظيمي للجناح العسكري للحركة، وأعطوا نفسا جديدا للعمل المسلح بفضل طبيعة التدريب وتكتيكات المواجهة مع جيش نظامي بحجم جيش الاحتلال، وكذا مصداقية الضربات الصاروخية سواء من حيث مداها أو دقة إصابة أهدافها. وكان مقتل 64 جنديا إسرائيليا في العدوان المتواصل على قطاع غزة بمثابة المفاجأة التي وضعت إسرائيل ولأول مرة منذ استيطانها لأرض فلسطين أمام علامة استفهام كبرى حول حقيقة قدرة جنودها على ضرب المقاومة بخسائر بشرية "صفرية". ورغم محاولة حركة المقاومة، تجاوز وقع الصدمة إلا أنها تأكدت أن طائرات الاحتلال ما كانت لتضرب بتلك الدقة المكان الذي كان الثلاثة فيه لولا وشاية تكون قد وصلت جهاز المخابرات الإسرائيلية من داخل قطاع غزة، مما سهل عليه مهمة اغتيالهم. وهو ما يفسر أيضا إقدام حركة حماس أمس، على إعدام ثمانية عشر متعاونا مع جيش الاحتلال بعضهم أعدم رميا بالرصاص في ساحة عمومية وأمام الملأ مباشرة بعد انتهاء صلاة الجمعة. وأكدت المقاومة في بيان لها أنها لن تستثني أي خائن تثبت في حقه تهمة التخابر مع الاحتلال وسيتم إعدامهم من طرف محاكم ثورية. وفي عمل انتقامي أطلقت كتائب عزّ الدين القسام، من جهتها عشرات الصواريخ بلغ بعضها مدينة تل أبيب، وأرغمت حكومة الاحتلال على تأجيل انطلاق بطولة كرة القدم التي كان من المنتظر أن ينطلق يومها الأول اليوم. وفي ظل هذه الأجواء المشحونة تراجع الحديث عن مفاوضات القاهرة، التي يبدو أن حكومة الاحتلال بهذه الاغتيالات قد طوت صفحتها وأيضا بعد أن استدعت عشرة آلاف جندي احتياطي إضافي لتعزيز وحداتها في قطاع غزة لمواصلة إبادة المدنيين الفلسطينيين. وواصل الطيران الحربي الإسرائيلي قصفه للأهداف المدنية في مختلف مدن القطاع مما خلف استشهاد حوالي خمسين فلسطينيا ورفع حصيلة ضحايا العدوان الى 2091 شهيدا. ويستمر العدوان في يومه السابع والأربعين والعالم باق يتفرج دون حراك على مذبحة تنقل على المباشر لأطفال ونساء وشيوخ يعدمون دون تمييز بشتى أنواع الأسلحة والقنابل والصواريخ. وهو الواقع المر الذي يدفع ثمنه سكان قطاع غزة، في انتظار أن يأتي الفرج ربما من مبادرة بريطانية، فرنسية، ألمانية بدأت تتبلور في كواليس مجلس الأمن الدولي، من أجل استصدار قرار أممي لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، ولكنها قد تبقى حبيسة الأدراج فاسحة المجال أمام آلة حرب لا ترحم.