تسلم الدكتور نصر الدين بغدادي منذ حوالي شهر مهمة إدارة أرشيف الإذاعة الوطنية بعدما كان يديره بالنيابة. في هذا اللقاء يكشف السيد بغدادي عن عملية ترتيب بيت الأرشيف باعتباره رمزا للسيادة وللتاريخ وللتراث الوطني، معتمدا في ذلك على الخبرات العلمية الكفاءة، وعلى تجميع المادة الأرشيفية، وعلى الرقمنة والصيانة، ثم استغلال هذه الثروة الوطنية على المستوى الوطني والدولي. - هل تعرض الأرشيف إلى الضياع والتلف، وماهي خطتكم لاسترجاع محتوياته أو إثرائها؟ * تسلمت هذه المهمة منذ شهر فقط علما أنني قبلها كنت مديرا للأرشيف بصفة غير رسمية منذ سنة 2003. أأكد أن عددا كبيرا من المادة الأرشيفية بالإذاعة ناقصة خاصة في فترة ما بعد الاستقلال، والمادة الأكثر عرضة للسرقة هي الحفلات الموسيقية حيث سجلنا ضياع 70 بالمائة منها علما أن تلك الحفلات كانت تسجل على اسطوانات (بيرال)، علما أني أعرف من تعدى على هذا الأرشيف الوطني وسأكشفه في الوقت المناسب. فيما يتعلق بالتمثيليات الإذاعية فإنها على العكس من ذلك لم تتعرض للنهب ونملك تمثيليات تعود الى سنة 1945وحتى يومنا. - ماهي أهم محتويات هذا الأرشيف، وهل من مشروع لإثراء هذا الرصيد؟ * يضم الأرشيف بالإذاعة الوطني كنوزا لا تقدر بثمن تعكس هوية هذا الشعب وذاكرته وتاريخه علما أن أول تسجيل بالإذاعة الجزائرية يعود الى سنة 1890 وهو للفنان الراحل الشيخ سفينجة الذي كان يؤدي النوع الأندلسي، إضافة إلى روائع أهم رواد الأغنية الجزائرية كعبد الكريم دالي، والعنقى ورينات وغيرهم، وبعض الممثلين الذين برزوا في بدايات القرن الماضي، وعلى رأسهم رشيد القسنطيني. هناك مادة أرشيفية جديدة نتكفل بإدراجها، 80 بالمائة منها ملكي الشخصي حيث أدرجت بعض أعمال مغنيين لم يسجلوا رسميا في الاذاعة منهم الراحل رضوان بن ساري الذي غنى مع كوكب الشرق أم كلثوم في الثلاثينيات من القرن الماضي ويضم هذا التسجيل الذي أضيفه 120 ساعة كلها مستمدة من الأعراس والمناسبات الخاصة والقعدات. نفس الشيء مع الراحلين الصادق بجاوي، بن عاشور وعبد الكريم دالي، إضافة إلى الوثائق التاريخية والصور والأحاديث الخاصة كالحديث الذي جمع بين "العنقي وكاتب ياسين حول الثقافة بلغة فرنسية راقية". وتسجيل نادر ب20 ساعة مع العربي بن صاري وهو على فراش المرض، مع عبد الكريم دالي وهو يؤدي الأغنية القبائلية الذي تعلمها عند إقامته بالعاصمة مع الشيخ نور الدين (مؤلف موسيقى وقائد الجوق القبائي وممثل)، كما يؤدي عبد الكريم دالي أغنية رائعة لأم كلثوم "وحقك أنت المنى والطلب" وتسجيل مصور مع دالي والسائحي في حصة صبيانية في السنوات الأولى للاستقلال. إضافة إلى الأرشيف المكتوب كمجلة الإذاعة التي أملك كل أعدادها والتي كانت تصدر بالعربية والفرنسية في عدد واحد بعنوان "هنا الجزائر"، وكتب فيها أشهر الكتاب الجزائريين والفرنسيين منهم عمر راسم وبودالي سفير وغيرهم. أشير فقط وبدون أية خلفيات سياسية أنني تكفلت من خلال الأرشيف بالحفاظ على تراث الأغنية الكلاسيكية الجزائرية ومن بعض الشيوخ الجزائريين ذوي الديانة اليهودية والذين برعوا في هذا الفن وأدوه على أصوله العربية الاسلامية دون تحريف. ومنهم "رينات" وغيرهم كثيرين أحتفظ بكل أعمالهم وتسجيلاتهم الصوتية وبالتالي الحفاظ على هذا الإرث الوطني كي لاتستغله جهات أجنبية وتنسبه إلى ثقافتها. - هل هناك مساع لاسترجاع أرشيفنا الإذاعي من الخارج؟ * بداية أشير الى أن أرشيفنا الاذاعي مطلوب من بعض المحطات الاذاعية بالمغرب العربي خاصة من تونس والمغرب إذ تطلب منا المسلسلات التاريخية الجزائرية، والأغاني والمسرحيات كي يعاد بثها، وبالفعل نقوم نحن بارسالها عن طريق الساتل (فيسات) وترسل مباشرة. فيما يتعلق باسترجاع الأرشيف فإنني تقدمت لدى إذاعة المغرب لاسترجاع أرشيف الفنان الراحل وراد بومدين الذي كان في وقت ما قائد الجوق الأندلسي بمدينة وجدة والذي نملك عنه الكثير والى حد الآن لم نتلق الجواب لكني مصر على استرجاعها ولو بطريقتي الخاصة، كما أننا نملك بالإذاعة الأرشيف العربي بكثرة ومنه المغربي فنحن نملك أرشيف الفنان المغربي الكبير (مطلوب من المغرب) عبد القادر بلحاج الوجدي الذي سجل بإذاعة الجزائر سنة 1952 إضافة الى تسجيلات مغاربة آخرين كعبد الوهاب أومي ومحمد البيضاوي، ومن تونس حسيبة رشدي، الهادي جويني، صفية الشامية، فتيحة خيري، الجاموسي، والرياحي وكلها نادرة تكفل بها الفنان الراحل مصطفى اسكندراني الذي ترأس جوق الإذاعة هذا الأخير الذي رافق أشهر المطربين العرب منهم الراحلة اسمهان في أغنية "ليالي الأنس" قبل وفاتها ب20 يوما في مصر. تملك الإذاعة أيضا تسجيلات لمريم أمين المصرية (1959) وغيرها كثير. - وماذا عن عملية ترميم الأرشيف وتجديده ورقمنته؟ * عملية ترميم الأرشيف تمت بنسبة 30 بالمائة، إضافة إلى ترميم النظام المعلوماتي، وحرصنا أن تتجاوز عملية الترميم الإطار التقني حيث تم مراعاة أداء الأذن الموسيقية كي لا تبدو الأصوات المسجلة ذات تسجيل صوتي معدني. الأرشيف تجاوز 1500 ساعة من الترميم، الترميم يعني أيضا التصنيف ثم الانطلاق عبر شبكة الانترنت وصولا لانشاء مركز للاستماع بالإذاعة خاص بهذا التراث، بالمناسبة أشكر المواطنين وكل من ساهم بتزويدنا بالمادة الأرشيفية والمتمثلة في اسطوانات تسجيل نادرة. عملية أخرى خاصة بتشخيص الأرشيف من خلال الهوية بمعنى تسجيل الأغاني القديمة بالنوته وبالتسجيل الصوتي لقطع الطريق أمام سرقتها واستغلالها من طرف ملحنين آخرين وينسبوها إليهم. كما أنني أحرص على أن يكون "الأرشيفي" رجل موسيقى وتكنولوجيا وثقافة يعطي لكل فنان بطاقته الفنية الخاصة لكي يكون الأرشيف مرجعية موثقة. - هل سيتمكن جمهور الإذاعة الوطنية من الاستمتاع بالروائع النادرة التي تحدثتم عنها؟ * طبعا سيكون ذلك من حق الجمهور الذي يتوق لمثل هذاالتراث، كما سيكتشف الجيل الجديد ذلك أيضا، علما أنني خضت هذه التجربة من خلال حصة نشطتها على أمواج الإذاعة بالقناة الثالثة بعنوان "نوشا أرشيف" (الحنين الى الأرشيف) وهي محاولة لإعادة بعث أو كما يحول أن أصفه "بتكليم" الأرشيف. من جهة أخرى لا يمكننا أحيانا أن نفرض أرشيفنا على القنوات الاذاعية وبرامجها بل ما علينا إلا أن نلبي طلباتها بكل قنواتها ومحطاتها إذا ما طلبت منا هذه المادة. أضيف فقط بأنه يتم اكتشاف هذا الأرشيف من خلال موقع الكتروني (غوغل) يعرف ب"آنترنات الجزائر" ثم يمتد ليشمل المحطات الإذاعية الجهوية. - جمهور آخر لا يقل أهمية وهو جمهور الباحثين الذين يهمهم ما بداخل خزائن الأرشيف فماذا تقدمون له؟ * أبوابنا مفتوحة لهؤلاء وبصدر رحب فنحن نقدم لأي باحث كل ما يطلبه فمثلا بعض الباحثين أتوا يبحثوا عن أعمال رشيد القسنطيني وكان لهم ذلك، كذلك مؤسسة التلفزيون ضمن حصة ألحان وشباب، زيادة على الأرشيف المكتوب المطلوب بكثرة علما أن هذا الأخير مر على "السكانينغ" ومصنف حسب المواضيع. - اهتمامكم بالأرشيف يتعدى إطار الوظيفة فهل يستحق هذا القطاع كل هذه التحديات؟ * الأرشيف جزء هام من ذاكرة هذا الشعب وجزء من ثقافته وهويته لا شك في ذلك تجميع التراث مسألة شخصية بالنسبة لي فأنا أبحث عن هذا الأرشيف أينما وجد سواء في أرض الجزائر أو خارجها وأجلبه مهما كلفني من مال وعناء، فمثلا عندي حصص وستجيلات تلفزيونية جلبتها بطريقتي الخاصة من فرنسا كي نستفيد منها، علما أن هذه الجمعيات كان لها الفضل في الحافظ على هذا التراث الموسيقي الوطني وبدافع من هذه المسؤولية فقد أقوم في الكثير من المرات بالمعالجة التقنية لهذه المادة الأرشيفية كأي عامل في قسم الأرشيف. أتمنى أن يلقى هذا الاهتمام ثماره التي تخدم ثقافتنا الأصيلة البعيدة عن التهريج والرقص والمناسباتية، والميزانيات الضخمة، والحمد لله فلقد تلقيت الضوء الأخضر من المدير العام للإذاعة الوطنية السيد عز الدين ميهوبي. كما أنني ألقى التقدير من الأوساط الموسيقية العلمية العربية منها والأوربية باعتباري عضو في المجلس العلمي الموسيقي بجامعة السوربون، وعضو بالأكاديمية العربية للموسيقى التي كرمتني في بيروت.