نوه وزير الخارجية السيد رمطان لعمامرة، أمس، بالأجواء التي تسود انطلاق الجولة الثالثة من الحوار المالي الشامل، مشيرا إلى أنه يتسم بالكثير من النضج والعقلانية والطموح الذي يتقاسمه الجميع حتى يتسنى تحقيق تقدم من شأنه أن يسهم في تلبية الحاجيات الأساسية لسكان شمال مالي. كما أوضح أن فريق الوساطة أعدّ وثيقة ثرية ستعتمد خلال أشغال هذه الجولة والتي تعتبر بمثابة مشروع تمهيدي للتوصل إلى اتفاق سلام نهائي في المنطقة. وأوضح السيد لعمامرة، في ختام الجلسة الافتتاحية للحوار، أنه تم توزيع هذه الوثيقة على الأطراف المعنية بتسوية الأزمة مساء أول أمس، وأنها ستكون من الآن فصاعدا بمثابة قاعدة للجهود المبذولة التي يمكن من خلالها التوصل إلى الأهداف المسطرة، وأنها ستكون بمثابة مرافق ناجع وفعال للمجموعة الدولية لتطبيق الالتزامات، مؤكدا في هذا الصدد على الاستعداد الدائم للجزائر لتقديم دعمها الكامل مثلما فعلت خلال جولات الحوار السابقة. كما أعرب رئيس الدبلوماسية الجزائرية، عن تفاؤله للإرادة التي تحدو الأطراف المعنية من أجل الدفع بالمفاوضات قدما، مضيفا أنه لا يجب تجاهل العراقيل الموجودة على أرض الميدان، في الوقت الذي يظهر وجود نضج في العملية التفاوضية مما يتطلب تقديم كل طرف إسهاماته لتجاوز الصعاب. وإذ أشار إلى أهمية العمل على لم الشمل وتكريس قيم العدالة والحرية، فقد أبدى السيد لعمامرة، قلقه من تنامي ظاهرة الإرهاب في المنطقة، وعودة الاعتداءات الإجرامية بشكل مكثف، داعيا في هذا الصدد إلى التحلّي بالمزيد من اليقظة، من منطلق أن الإرهاب بمثابة حجر عثرة أمام مسار السلم. وتطرق في هذا الصدد إلى ما تعرضت له البعثة الأممية في مالي "المينوسما"، حيث دفعت الثمن الباهض بمقتل العديد من القبعات الزرق. وعليه أكد الوزير على ضرورة القضاء على الظاهرة بحزم وإصرار، مشيرا إلى أن التململ الحاصل في المنطقة راجع إلى "المواجهة الأخوية" بين الحركات المالية، وأنه حان الوقت لأن تضع هذه المواجهة أوزارها ليتم الشروع في قرارات على المستوى الأمني والدولي، وحتى يتسنى لسكان شمال مالي الاستفادة من ثمار المصالحة والعيش في جو من الأخوة، انطلاقا من أن هذا التمزّق الأخوي لا يجب أن يدوم طويلا في ظل مساعي تدعيم الثقة. ومن باب إبراز المساعي الملموسة منذ بدء جولات الحوار المالي، قال وزير الخارجية، إن إجراءات تكريس الثقة تم تطبيقها كما هو الشأن للإفراج عن المساجين من قبل كافة الجهات المعنية، وتدعيم آليات تطبيق اتفاقية واغادوغو، حيث تم احترام وقف إطلاق النار. وإذ أشار إلى أن اجتماع الجزائر يشكل منعطفا لوضع الأسس اللازمة للتوصل إلى سلم دائم، فقد أكد أنه ينبغي الإسراع في وضع حد للذين يريدون عرقلة المسار. كما أبرز السيد لعمامرة، في بداية الاجتماع الاهتمام الذي يوليه رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، للمفاوضات قائلا في هذا الصدد "نريد استغلالا وجيها للوقت المتاح لنا من خلال استئناف الحوار في جولته الثالثة، لبلوغ المرحلة المرجوة في تسوية الأزمة المالية من خلال إرادتنا في العمل سوية مثلما يتجسد ذلك عبر الحضور المكثف لكل الأطراف" في اجتماعات الجزائر. إشادة بالدعم الدائم للجزائر تجاه مالي من جهته جدد وزير الخارجية المالي، السيد عبداللاي ديوب، التزام حكومة بلاده بمسار المفاوضات الذي ترعاه الجزائر وكل الاتفاقيات المتمخضة عنه، خاصة في هذه "المرحلة الحاسمة" من الحوار، معربا عن أمله في أن يتكلل ذلك بالتوصل إلى معالم الاتفاق النهائي لحل أزمة الشمال. وأعرب ديوب، باسم الرئيس المالي أبو بكر إبراهيم كايتا، عن "الامتنان العميق للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لالتزامه الدائم ووقوفه إلى جانب الشعب المالي منذ سنوات وخاصة خلال هذه السنوات الأخيرة الصعبة التي مرت بها البلاد"، مشيدا بجهود الجزائر الرامية إلى تحقيق السلم و الاستقرار في مالي والمنطقة. وثمّن الوزير المالي جهود المجموعة الدولية التي وفرت كافة الإمكانيات من أجل مرافقة جهود الحكومة المالية في تحقيق الأمن في ربوع البلاد، مؤكدا سعي بلاده إلى"تحقيق السلام الدائم بين جميع الماليين مهما كانت انتماءاتهم وأعراقهم، والاستجابة لتطلعات جميع الماليين من أجل رفاهية مشتركة لأبناء الوطن الواحد". وطالب ديوب، جميع الأطراف المشاركة في الحوار "باحترام التزاماتها وتهدئة الأوضاع من أجل الوصول إلى نتائج ملموسة"، مقدما في هذا السياق تعازيه لكل البلدان التي فقدت جنودها في شمال البلاد خاصة التشاد والنيجر. من جهة أخرى أبدت الحركات السياسية العسكرية المالية إرادتها لتفعيل ما سيتم الخروج منه خلال الجولة الثالثة من الحوار، في الوقت الذي أقرت فيه بعدم اختراق حكومة باماكو لتعهداتها، مؤكدة على ضرورة الاستجابة لانشغالات سكان الأزواد مع التصدي لأعمال العنف التي تشهدها المنطقة. فقد أشار ممثل تنسيقية الحركات الموقّعة على إعلان الجزائر شهر جوان الماضي، السيد مبيري آغ عيسى، إلى أن "التنسيقية تدين بقوة الأعمال الإرهابية من أي نوع كانت ضد جنود البعثة الأممية في مالي (مينوسما)، وكذا ضد المدنيين في شمال مالي"، مقدما تعازيه "الخالصة لعائلات ضحايا الإرهاب". وأضاف مبيري أنه "بالنظر إلى ما حدث في منطقة الأزواد طيلة 50 سنة فإن جلوسنا على طاولة واحدة اليوم، يعد رهانا حقيقيا لتسوية هذا النزاع"، مشيرا إلى أن "هذا الرهان نجح بفضل جهود الجزائر والمجموعة الدولية لأن الحوار أصبح فعليا على الرغم من أنه كان صعبا في بعض الأحيان". وشدد على أن مسار الحوار الذي ترعاه الجزائر "أكد إرادة الجميع للمضي قدما إلى الأمام لتسوية الأزمة"، مجددا "الإصرار على العمل من أجل إيجاد سلم مستدام في إطار الطموحات المشروعة لسكان الأزواد". وإذ ثمّن مبيري "احترام الحكومة المركزية بباماكو لاتفاق واغادوغو و اتفاق وقف إطلاق النار"، فقد أعرب عن "شكر سكان الأزواد للجزائر على الجهد المركز حول البحث على حل نهائي لهذا النزاع". من جهته أعرب ممثل الحركات الموقّعة على أرضية التفاهم المبدئية شهر جوان الماضي، هارون آتوري، عن أمله في أن "يتمكن رفقة الزملاء في التنسيقية من وضع تصور مشترك لمستقبل مالي"، مشيرا إلى أن هذه المرحلة تعد "منعطفا حاسما في مسار الحوار لأننا موجودون معا لتحقيق السلم ومن أجل مصير مشترك لدولة مالي". وجدد آتوري، التزام الحركات التي يمثلها بالعمل على "تحقيق السلم رفقة جميع أبناء الوطن، وهذا لا يمكن القيام به إلا بوجود إجماع مشترك على مستقبل البلاد"، قائلا في هذا الصدد "يمكن أن نختلف في الآراء و المنهجيات لكن ليس من حقنا المساس بأمننا". فريق الوساطة الدولية يدعو إلى تعزيز مكاسب الجولات السابقة كما جدد فريق الوساطة الدولية، دعمه لمسار المفاوضات التي تحتضنها الجزائر، داعيا إلى "تعزيز المكاسب" التي تم التوصل إليها في الجولات السابقة من أجل الخروج باتفاق نهائي يتضمن حلولا مستدامة لأزمة شمال البلاد. وأبرز ممثل الاتحاد الإفريقي في مالي والساحل، بيار بويويا، في كلمته أهمية المرحلة الحاسمة للمفاوضات الجوهرية بين الفرقاء في مالي، منوها في هذا الصدد بالتقدم الهائل الذي تم تحقيقه لحد الآن، خاصة وأن أطراف الحوار ناقشت خلال المراحل السابقة العديد من النقاط المهمة، حيث تم في هذا الصدد التوصل إلى نقاط مشتركة للتفاهم. من جهته عبّر بويويا، عن امتنانه العميق للجهود الكبيرة التي تبذلها الجزائر من أجل تحقيق تطور إيجابي في هذه الأزمة، معربا عن "استعداد الاتحاد للمساعدة في التوصل إلى اتفاق سلم تاريخي كفيل بتحقيق السلم والأمن في المنطقة". بدوره قال ممثل رئيس المجموعة الاقتصادية لتنمية غرب إفريقيا (الإكواس)، كايونكا مسينتوش، إن "مسار الجزائر يجب أن يعبّر عن إرادة فعلية للسلم بين أطرف النزاع"، داعيا الجميع إلى العمل في هذا الإطار. كما جدد الاستعداد التام للإكواس لمواصلة هذه الجهود إلى جانب الشركاء الدوليين من أجل مساعدة مالي على العودة للاستقرار واستعادة مكانته بين الأمم. كما ثمّن مسينتوش، دور الجزائر في هذا الإطار، مؤكدا أن "هذه المرحلة من الحوار حاسمة نظرا لأهميتها في مساعدة مالي على تحقيق السلم وتأسيس مستقبل جديد للأجيال المقبلة في إطار الوحدة الترابية لدولة مالي"، خاصة وأن استقرار مالي مهم لمنطقة غرب إفريقيا والقارة عموما. من جهته دعا ممثل الأممالمتحدة أرنولد أكوجانو، إلى "العمل سويا من خلال تضافر الجهود لضمان أمن و سلام مستدامين في إطار خارطة طريق الجزائر، والاتفاقيات الموقّع عليها في المراحل السابقة من الحوار"، مجددا التزام الأممالمتحدة بمرافقة مسار الحوار. وأكد المسؤول الأممي أن "هذه المرحلة تأتى في ظروف حاسمة خاصة في ظل الاعتداءات التي يقوم بها أعداء السلم في المنطقة"، معربا عن تعازيه لضحايا الهجمات على وحدات "المينوسما" شمال مالي. أما يحيى لاوال، الممثل الخاص لأمين عام منظمة التعاون الإسلامي إياد مدني، فقد أكد استمرار دعم المنظمة لمسار الحوار "الذي نحن على يقين أنه سيكلل بالنجاح لصالح السلم والأمن في مالي"، في حين جدد دعمه للجزائر التي ترعى هذا الحوار. من جانبه قدم ممثل الاتحاد الأوروبي ميشال دومينيك ريفايرون، شكره للجهود التي تبذلها الجزائر من أجل التوصل إلى النتائج المرجوة، مشيرا إلى أن "الاتحاد الأوروبي نشيط في مسألة تنمية مالي وكل بلدان الساحل بشراكات متميزة"، في حين أوضح أن هذه المرحلة الثالثة من الحوار "ستسمح بالتقدم في الأشغال وفتح صفحة جديدة في هذه المنطقة ليسودها السلم والأمن". للإشارة فإن المرحلة الثالثة من مفاوضات السلام "الجوهرية" بين أطراف النزاع في مالي والتي تتواصل في جلسات مغلقة، تأتي استكمالا للمرحلتين السابقتين اللتين احتضنتهما الجزائر شهري جويلية وسبتمبر الماضيين، حيث توجتا بتوقيع حكومة مالي والحركات السياسية المسلحة الست الناشطة في شمال المالي على وثيقتين تتضمنان "خارطة الطريق للمفاوضات في إطار مسار الجزائر" و"إعلان وقف الاقتتال".