مجلس الأمة: رئيس لجنة الشؤون الخارجية يستقبل وفدا عن لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بمجلس الشورى الإيراني    كرة القدم/كان-2024 للسيدات (الجزائر): "القرعة كانت مناسبة"    الكاياك/الكانوي والبارا-كانوي - البطولة العربية 2024: تتويج الجزائر باللقب العربي    المهرجان الثقافي الدولي للكتاب والأدب والشعر بورقلة: إبراز دور الوسائط الرقمية في تطوير أدب الطفل    مجلس الوزراء: رئيس الجمهورية يسدي أوامر وتوجيهات لأعضاء الحكومة الجديدة    عرقاب يستقبل وفدا عن الشبكة البرلمانية للشباب    رئيس الجمهورية يوقع على قانون المالية لسنة 2025    عبد المجيد زعلاني : مذكرة الاعتقال ضد نتانياهو وغالانت زلزال قانوني وقضائي    الخبير محمد الشريف ضروي : لقاء الجزائر بداية عهد جديد ضمن مسار وحراك سكان الريف    نهب الثروات الطبيعية للصحراء الغربية: يجب قطع الشريان الاقتصادي للاحتلال المغربي    غرس 70 شجرة رمزياً في العاصمة    ساعات عصيبة في لبنان    صهاينة باريس يتكالبون على الجزائر    تمتد إلى غاية 25 ديسمبر.. تسجيلات امتحاني شهادتي التعليم المتوسط والبكالوريا تنطلق هذا الثلاثاء    "رواد الأعمال الشباب، رهان الجزائر المنتصرة" محور يوم دراسي بالعاصمة    يرى بأن المنتخب الوطني بحاجة لأصحاب الخبرة : بيتكوفيتش يحدد مصير حاج موسى وبوعناني مع "الخضر".. !    حوادث المرور: وفاة 2894 شخصا عبر الوطن خلال التسعة اشهر الاولى من 2024    تركيب كواشف الغاز بولايتي ورقلة وتوقرت    شرطة القرارة تحسّس    مشروع القانون الجديد للسوق المالي قيد الدراسة    اختتام الطبعة ال14 للمهرجان الدولي للمنمنمات وفن الزخرفة : تتويج الفائزين وتكريم لجنة التحكيم وضيفة الشرف    صليحة نعيجة تعرض ديوانها الشعري أنوريكسيا    ينظم يومي 10 و11 ديسمبر.. ملتقى المدونات اللغوية الحاسوبية ورقمنة الموروث الثقافي للحفاظ على الهوية الوطنية    الجزائر العاصمة : دخول نفقين حيز الخدمة ببئر مراد رايس    افتتاح الطبعة ال20 من الصالون الدولي للأشغال العمومية : إمضاء خمس مذكرات تفاهم بين شركات وهيئات ومخابر عمومية    تبسة: افتتاح الطبعة الثالثة من الأيام السينمائية الوطنية للفيلم القصير "سيني تيفاست"        ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 44211 والإصابات إلى 104567 منذ بدء العدوان    العدوان الصهيوني على غزة: فلسطينيو شمال القطاع يكافحون من أجل البقاء    الألعاب الإفريقية العسكرية: الجزائرتتوج بالذهبية على حساب الكاميرون 1-0    "كوب 29": التوصل إلى اتفاق بقيمة 300 مليار دولار لمواجهة تداعيات تغير المناخ    مولودية وهران تسقط في فخ التعادل    مولوجي ترافق الفرق المختصة    قرعة استثنائية للحج    المديرية العامة للاتصال برئاسة الجمهورية تعزي عائلة الفقيد    التعبئة الوطنية لمواجهة أبواق التاريخ الأليم لفرنسا    مخطط التسيير المندمج للمناطق الساحلية بسكيكدة    حجز 4 كلغ من الكيف المعالج بزرالدة    45 مليار لتجسيد 35 مشروعا تنمويا خلال 2025    دخول وحدة إنتاج الأنابيب ببطيوة حيز الخدمة قبل نهاية 2024    دورة للتأهيل الجامعي بداية من 3 ديسمبر المقبل    الشروع في أشغال الحفر ومخطط مروري لتحويل السير    نيوكاستل الإنجليزي يصر على ضم إبراهيم مازة    إنقاذ امرأة سقطت في البحر    "السريالي المعتوه".. محاولة لتقفي العالم من منظور خرق    ملتقى "سردية الشعر الجزائري المعاصر من الحس الجمالي إلى الحس الصوفي"    السباعي الجزائري في المنعرج الأخير من التدريبات    مباراة التأكيد للبجاويين    حادث مرور خطير بأولاد عاشور    دعوى قضائية ضد كمال داود    وزارة الداخلية: إطلاق حملة وطنية تحسيسية لمرافقة عملية تثبيت كواشف أحادي أكسيد الكربون    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



10 ملايين شهيد مقابل الحرية
مصادر تاريخية ونصوص موثقة تؤكد الفعل النازي الفرنسي
نشر في المساء يوم 31 - 10 - 2014

تجمع المصادر التاريخية الأوربية وخاصة الفرنسية منها على أن احتلال فرنسا الاستعمارية للجزائر كان فعلا نازيا بأتم معنى الكلمة، ولم يكن حضاريا على الإطلاق، وتؤكد النصوص الموثقة أن فرنسا انتهجت في الجزائر سياسة مماثلة لسياسية إبادة الهنود الحمر، وهو ما ورد في تقرير الجنرال روفيقو لعام 1832 الذي يكشف عقيدة الابادة التى تبناها جيش الاستعمار الفرنسي تفننت الطوابير الجهنمية لمشاة الموت من جنود فرنسا في إبادة الجزائريين، فكانت آذان الجزائريين تقطع مقابل 10 فرك فرنسي وتعرض أجسام العديد منهم الملطخة بالدماء في باب عزون فيما عرضت آلاف الحرائر من النساء في الأسواق وبعن في المزاد كالمواشي .. والحصيلة أن الجزائر دفعت مقابل هذه السياسات أزيد من 10 ملايين جزائري أبيدوا على مدار 132 عاما.
التاريخ سجل أن الجزائر أرض محروسة رغم تحالف جيش الاستيطان الفرنسي مع المعمرين الفرنسيين والأروربيين، لإنهاء الوجود الجزائري في أرض الجزائر التي انقذت فرنسا من المجاعة خلال عام1789 ووقعت معها على سبع وخمسين معاهدة بين عامي 1619 -1830 وفكت عنها الحصار الأوروبي بمبلغ 700 ألف فرنك..كل هذا لم يشفع للجزائر عند فرنسا التي أبادت نحو 10 ملايين جزائري طيلة 132 سنة قبل أن يتمكن أحرار الجزائر من كسر القيود واطلاق ثورة نوفمبرية تلقب بأم الثورات.
تعذيب، إبادة إعدامات ونفي قسري بوثائق قانونية
تشير محامية الثورة السيدة فاطمة الزهراء بن براهم إلى أن الأرقام المتداولة عن شهداء الثورة لا يمثل ربع الرقم الحقيقي الذي تخفيه كتب التاريخ والأرشيف الفرنسي في حد ذاته، والذي لم يفوت أية مرحلة أو حادثة تاريخية إلا ودونها وذلك طيلة فترة تواجده بالجزائر فالشهداء هم أكثر من ثلث الشعب الجزائري الذين سقطوا من أجل افتكاك الحرية بحيث لم يكن يمر شهر على تواجد فرنسا إلا وسقط فيها ما لا يقل عن 1000 شهيد خلال سلسة المعارك التي خاضها الشعب الجزائر لاسترجاع أرضه المسلوبة والتي تجاوز عددها ال19 معركة أو خلال إبادات واعتقالات ثم إعدامات وغيرها...
وحسب الأرقام فإن أزيد من عشرة ملايين جزائري سقطوا منذ بدء التواجد الفرنسي بالجزائر وما 1.5 مليون شهيد إلا جزء من هذا الرقم وأوضحت المحامية في حديث تاريخي خصت به ال"المساء" أنه وانطلاقا من مهمتها التي كلفت بها للدفاع عن حقوق أرامل وأبناء الشهداء من طرف أبناء الشهداء وأراملهم باعتبارهم أولى ضحايا جرائم فرنسا، فأنها استطاعت أن تتحصل على وثائق هامة وهي مستعدة لمواجهة السلطات الفرنسية أمام القضاء الدولي بتهمة التعذيب والإبادة الجماعية استناداً إلى تلك الوثائق الرسمية وبمساندة محامين فرنسيين من مؤيدي القضية الجزائرية.
وتشير بن براهم إلى "أننا اليوم أمام قضية مؤسسة من طرف مدني وضحية ومجرم وقانون دولي واضح يتوج كل هذا، باعتبار أن التعذيب والإبادة يعدان جرائم ضد الإنسانية تقتضي متابعة قانونية على المستوى الدولي"، مضيفة أن وثائق هامة تثبت أن فرنسا استعملت التعذيب بشكل قانوني من خلال أوامر صادرة من السلطات العليا لتعذيب الجزائريين وهو ما تؤكده الوثيقة التي تحصلت عليها بن براهم بمساندة زملاء فرنسيين والصادرة بتاريخ 19 مارس 1957 والتي تأمر من خلالها السلطات الفرنسية كل من هو عسكري بتعميم التعذيب والقتل ضد كل جزائري.
وقد اعتمد الجيش الفرنسي وقادته إستراتجية الحرب الشاملة في تعاملهم مع الشعب الجزائري، بهدف الإسراع في القضاء على مقاومته المستميتة التي أظهرتها مختلف فئات الشعب، وقد ازداد إصرار القادة الفرنسيين وتجذر في الوجدان الفرنسي مدنيا كان أو عسكري، على انتهاج كل أنواع القهر والإبادة والتدمير دون مراعاة أي وازع إنساني أو ديني أو حتى حضاري، حتى أضحت يوميات وتقارير الفرنسيين لا تخلو دون سرد المذابح والجرائم الفظيعة والافتخار بها.
وبقيت معالم الحرب الشاملة التي خاضتها الإدارة الاستعمارية الفرنسية ضد الشعب الجزائري ماثلة بكل أوجهها، من إبادة للجنس البشري وطمس معالم المجتمع الجزائري العربية والإسلامية، وهدم مؤسساته الدينية والثقافية، وشن الحملات العسكرية دون هوادة ضد القبائل الرافضة للاستيطان، وما ترتب عنها من أعمال تعسفية كالنفي والإبعاد والتهجير والحبس، كان قادة وحكام فرنسا من عسكريين ومدنيين الذين تولوا تسيير شؤون الجزائر الأداة الفاعلة في تنفيذ هذه السياسة الوحشية، مكرسين كل طاقتهم من أجل تثبيت الاحتلال وترسخ دعائمه.
ويعترف أحد القادة العسكريين الفرنسيين في واحد من تقاريره، قائلا "إننا دمرنا تدميرا كاملا جميع القرى والأشجار والحقول والخسائر التي ألحقتها فرقتنا بأولئك السكان لا تقدر، إذا تساءل البعض، هل كان عملنا خيرا أو شرا؟ فإني أجيبهم بأن هذه هي الطريقة الوحيدة لإخضاع السكان وحملهم على الرحيل...»، وقد فسر الجنرال بيجو عدم احترام الجيش الفرنسي للقواعد الإنسانية في تعامله مع الجزائريين بإلى أن احترام هذه القواعد يؤخر عملية احتلال الجزائر، وهو اعتراف صريح بممارسة الجيش الفرنسي لأسلوب الإبادة والتدمير والنهب والتهجير تجاه الجزائريين.
إن العقلية العسكرية للجيش الفرنسي قد غلبت عليها النزعة العدوانية الوحشية، إلى درجة أن القائد السفاح مونتانيك أطلق على جنوده صفة شبه رسمية، وهي "مشاة الموت"، كما أن كبار الضباط والمؤرخين كانوا يطلقون على طوابير التخريب التي سلطها بيجو على الجزائر، تسمية شبه رسمية وهي الطوابير الجهنمية التي افتخر بجرائمها سانت أرنو في رسائله، بأنه محا من الوجود عدة قرى، وأقام في طريقه جبالا من جثث القتلى، ولما لام البرلمان الفرنسي الجنرال بيجو، عن الجرائم التي مارسها ضباطه وجنوده في الجزائر، رد على وزير حربيته قائلا؛ «وأنا أرى بأن مراعاة القواعد الإنسانية تجعل الحرب في إفريقيا تمتد إلى ما لا نهاية».
مذابح البليدة، العوفية، غار الفراشيش.. واعترافات مخزية
إن اعترافات المجرمين الفرنسيين تؤكد أن الشعب الجزائري عاش وسط حرب ابادة جماعية منظمة تبنتها فرنسا منذ عام 1830 وإلى غاية عام 1962، وكانت البداية بمذبحة البليدة على عهد الجنرال كلوزيل، ثم مذبحة العوفية في عهد الدوق دي ريفيقو، التي كشفت طبيعة الإبادة الجماعية، كأسلوب لسياسة فرنسا في الجزائر، وتلتها مذابح كان أشهرها مذبحة غار الفراشيش على يد العقيد بليسييه، ناهيك عما اقترفه المجرم كافينياك في حق قبائل الشلف، الذي طبق طريقة تشبه الإعدام عن طريق الاختناق، فكانت مجزرة قبائل السبيعة، ولم تنحصر عملية إبادة العنصر البشري على منطقة محددة في الجزائر، بل أصبحت هواية كل قائد عسكري فرنسي، أو كلت له مهمة بسط نفوذ فرنسا ورسالتها الحضارية، حسب ادعائتهم.
ولم تتغير أساليب الاستعمار الفرنسي الوحشية التي كان يمارسها على الجزائريين ولم تنقص مثقال ذرة، طيلة سنوات الاحتلال حتى أصبح يشك في وجود شيء اسمه الإنسانية، فقد سجل التاريخ صفحات مخزية من انحطاط خلقي وأدبي وإنساني كتبت بأقلام قادة وجلادى الاستعمار الفرنسي، في هذا الشأن، كتب ضابط يدعى «بان» واصفا مذبحة اقترفت ضد أبناء الجزائر "أنها مذبحة فظيعة اختلطت فيها الجثث بالحجارة والحيوانات وبيوت الشعر والتراب، وقد تبين من تقرير دقيق قمنا به بعد الانتهاء من العملية أننا قتلنا 2300 شخصا بين النسوة والأطفال، وكان جنودنا يهجمون على المنازل ويذبحون كل مخلوق يعثرون عليه أمامهم".
الجزائريون اعتبروا من الجنس المنحط، حسب جول فيرى الذي قال: "إن المعمرين يعتبرون الأهالي من جنس بشري منحط، لا يصلح إلا للاعتقال والأعمال الشاقة بدون مقابل، ولا يستحقون إلا القهر والإذلال"، وقد ارتكبت فرنسا مئات المجازر الجماعية، من تقتيل فردي وعشوائي، حيث استعانت بعدة وسائل وقوانين عقابية تتعارض مع القوانين الدولية وحتى الفرنسية، أطلقت عليها اسم "القوانين الخاصة"، كما أطلق أحد الجنرالات الفرنسيين المسمى "Bugeaud" سياسة الأرض المحروقة وحرب الإبادة على مشروع همجي لإنهاء الوجود الجزائري بكل الطرق.
إلى جانب عمليات الاستيطان واغتصاب الأراضي الصالحة للزراعة شنت قوات الاستعمار الفرنسي حرب إبادة منظمة بتوجيه من قادة الجيش، وهو ما يعترف به أحد الفرنسيين المشاركين في إحدى عمليات الإبادة «...إن مسألة العرب قبرت نهائيا، ولم يبق لهم سوى الموت أو الهجرة أو قبول الخدمة عند أسيادهم، هل يستيقظون قبل أن تطلق عليهم رصاصة الرحمة؛؟ أتمنى ذلك...»، أحد القادة الفرنسيين يعترف كذلك»... وقد تتخذ الإجراءات الصارمة للإطاحة بالقبيلة المراد تدميرها بقوات كبيرة، بحيث يكون الهرب مستحيلا لأي مخلوق، والسكان الآمنون لايدركون الخطر المحدق بهم، إلا عندما يسمعون قرع الطبول التي تضرب نغمة مؤذية للسمع وبعد ذلك تحدث المفاجأة، التي لايوجد لها مثيل إلا فيما نعرفه من قصص إبادة الهنود الحمر».
ويعترف الكونت ديريسون هو الآخر في كتابه "مطاردة الإنسان"، فيقول: «إننا والحق يقال أتينا ببرميل مملوء آذانا غممناها أزواجا من الأسرى...»، حيث يؤكد ديريسون أنه في أيام احتلال بلاد القبائل سنة 1857 كان قادة الاحتلال الفرنسي يشجعون الجنود ويعطوهم عشر فرنكات عن كل زوج من آذان الأهالي التي يحضرونها...! ويضيف ديريسون في اعترافاته «...اقترفنا جرائم يذوب لوحشيتها الصخر، وكثيرا ما حكمنا بالإعدام... ونفذنا ذلك رميا بالرصاص»، في نفس الإطار، يقول العقيد فوري «انطلقت من مليانة سبعة طوابير بهدف التخريب، واختطاف أكبر عدد ممكن من قطعان الغنم، وعلى الأخص النساء والأطفال، لأن الوالي العام (الجنرال بيجو) كان يريد إرسالهم إلى فرنسا،واختطفنا في هذه الحملة ما يزيد على ثلاثة آلاف من رؤوس الغنم، وأشعلنا النار في ما يزيد على عشرة من القرى الكبرى وقطعنا وأحرقنا أكثر من عشرة آلاف من أشجار الزيتون التين وغيرها..».
ويتحدث الرائد «ويستي» عن إحدى حملاته فيقول هو كذلك «إن الدواوير التي أحرقت والمحاصيل الزراعية التي أتلفت، لا تكاد تصدق، فلم يكن يرى من الجانبين من الطابور سوى النيران». ويقول ديفو في مذكراته عن قرية بني راشد «بعد العشاء كانت جميع المنازل قد التهبت بالحطب الذي بنيت به، وكانت السنة اللهب تتصاعد، فكم كانت هذه العملية جريئة من طرف جيوشنا، فرغم الجرائم لا أنسى قساوة حياة هؤلاء المساكين في فصل الخريف القريب، كم امرأة وطفل هلكوا..»
لم تكن عمليات الإبادة والتخريب قاصرة على المناطق الشمالية، بل امتدت إلى المناطق الجنوبية وإلى واحات الصحراء، مثل ما حدث في واحة الزعاطشة سنة 1849التي قال فيها العقيد «بان» يكرر نفس المشهد في مدينة الأغواط سنة 1852 «لقد كانت مذبحة شنيعة حقا، كانت المساكن والخيام التي في ساحة المدينة والشوارع والأزقة، والميادين، كلها تغص بالجثث ، إن الإحصائيات التي أقيمت بعد الاستيلاء على المدينة وحسب معلومات استقيناها من مصادر موثوقة، أكدت أن عدد القتلى من النساء والأطفال 2300 قتيل، أما عدد الجرحى فلا يكاد يذكر لسبب بسيط، هو أن جنودنا كانوا يهجمون على المنازل ويقتلون كل من وجدوه بلا شفقة ولا رحمة».
لقد تعددت جرائم الإبادة في المرحلة الممتدة بين عام 1830 إلى عام 1870، بهدف خنق المقاومة التى كان يخوضها الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي لبلادهم، كإبادة سكان البليدة يوم 26 نوفمبر 1830 التي وقعت على اثر الهجوم الذي نظمه المقاومون ضد الحامية الفرنسية بالمدينة، وبعد انسحاب المقاومين قامت القوات الفرنسية بالانتقام من السكان العزل، حيث أقدم الضابط «ترو لير» على إصدار أمر إلى وحداته العسكرية بمحاصرة بلدة البليدة وتقتيل جميع سكانها البالغ عددهم قرابة الألفي مواطن، وفي بضع ساعات تحوّلت المدينة إلى مقبرة حقيقية امتزج التراب بالدم حتى أصبح لون الأرض أحمر لشدة القتل الذي لم يرحم لا طفلا ولا شيخا ولا عجوزا ولا امرأة.
قبيلة العوفية بوادي الحراش تعرضت هي الأخرى يوم 05 أفريل 1832 إلى عملية ابادة ومصادرة ممتلكاتها بسبب اعتقاد القوات الفرنسية أن هذه القبيلة قامت بسب مبعوثي فرحات بن السعيد أحد عملاء فرنسا بمنطقة الزيبان، بالرغم من أن التحقيق قد أوضح أنه ليس لقبيلة العوفية أي مسؤولية في ذلك، حيث أقدم الجنرال دوروفيقو الذي يعرف بسياستة العنصرية اتجاه الجزائريين، بإعطاء أمر بمحاصرة قبيلة العوفية المتمركزة في المنطقة الجنوبية من وادي الحراش، وبعد إلقاء القبض على شيخها «الربيعية» وإعدامه دون محاكمة، قتل جميع أفرادها في مذبحة رهيبة والناس نيام، وعند عودتهم من هذا العمل المخجل حمل الجنود الفرنسيون القتلى على أسنة رماحهم.
ولم يكتف دوروفيقو بذلك بل قام ببيع كل أرزاق العوفية لقنصل الدانمارك، وباقي الغنيمة عرضت في سوق باب عزون، وكان يبدو في هذا المنظر الفظيع أساور النساء في معاصم مبتورة، وأقراط أذان لاصقة وأشلاء اللحم متدلية منها، ثم وزع ثمن هذا البيع على ذابحي أصحابها، وفي مساء ذلك اليوم أمرت السلطات السكان بإضاءة محلاتهم احتفالا بذلك...وقد ظلت لعنة أرواح أفراد قبيلة العوفية التي زهقت باطلا، تراود الدوق روفيقو في نومه ويقظته حتى أصيب بهستيريا رهيبة، فقد على إثرها عقله وجن.
إبادة قبيلة بني صبيح خلال عام 1844 هي الأخرى يعترف بشأنها الجنرال كافينياك فيقول ؛«لقد تولى «الجنود» جمع كميات كبيرة من الحطب، ثم كدسوها عند مدخل المغارة التي حملنا قبيلة بني صبيح على اللجوء إليها بكل ما تملك من متاع وحيوانات، وفي المساء أضرمت النار وأخذت جميع الاحتياطات حتى لا يتمكن أي كان من الخروج حيا ..»أما الناجون من فرن كافينياك الذين كانوا خارج أراضي القبيلة، فقد تولى العقيد كانروبار جمعهم بعد حوالي عام من حرق أهاليهم، ثم قادهم إلى المغارة ثانية وأمر بغلق جميع مخارجها ليجعل منها على حد تعبيره «مقبرة واسعة» لإيواء أولئك المتزمتين ولم ينزل أحد تلك المغارة، ولا يعرف أحد غيري أنها تضم تحت ركامها خمسمائة من الأشرار الذين لن يقوموا بعد ذلك بذبح الفرنسيين».
وفي تعليقه على هذه الجريمة قال السيد برار «لقد ظلت تلك المغارة مغلقة وبداخلها جثث رجال ونساء وأطفال وقطعان تتآكل أو يأكلها التراب»، جرائم الإبادة المنظمة التامة الأركان تعرضت لها كذلك قبيلة أولاد رياح خلال جانفي من عام 1845 كان مهندسها القائد الفرنسي بيليسيه، بعد وقوع معركة كبيرة بناحية الظهرة والتي تعرف عند الفرنسيين بانتفاضة الطرق الصوفية، شاركت فيها على الخصوص القادرية والرحمانية والدرقاوية والطيبية وفروعها، وكانت قبيلة أولاد رياح التي شاركت في الانتفاضة تقطن جنوب تنس فغزاها بيليسيه، بحجة المشاركة في هذه الانتفاضة، حيث تعرض أفرادها إلى عمليات الحرق العشوائي.
وبعد فرار ما تبقى من السكان إلى الجبال واحتموا بغار يطلق عليه اسم غار الفراشيش، وعددهم أكثر من 1000 شخص رجال ونساء وأطفالا وشيوخ مع حيواناتهم، حاصرهم بيليسيه وجنوده من جميع الجهات، وطالب القبيلة بالاستسلام فردت عليه بإطلاق النار، فأعطى الأوامر لجنوده بتكديس الحطب أمام مدخل المغارة، وإشعاله فهلك كل أفراد القبيلة، حيث استمرت هذه العملية يومين كاملين 17 إلى 18 جوان من عام 1845، وقبل طلوع نهار اليوم الثاني بنحو ساعة وقع انفجار كبير داخل المغارة فقضى على من تبقى على قيد الحياة، ونظرا لكون السلطات الفرنسية أعجبت بهذا العمل، قامت بمكافأة الجنرال بيجو الحاكم العام، حيث منحت له «عصا المارشالية» أو ما يسمى بقاهر الجزائريين.
بدافع الانتقام من الانتصارات التي حققتها مقاومة الشيخ بوزيان ببسكرة، أرسلت السلطات الفرنسية والعقيد كاريوكسي بتاريخ 26 نوفمبر 1849، جيشا قوامه 19 ألف جندي بقيادة الجنرال هيربيون الذي حاصر كل المحيط الخاص بقبيلة زعاطشة، حيث استخدمت المدفعية لضرب الواحة وتدميرها، وكلل هذا القصف بدخول الفرنسيين إلى الواحة وبدءوا في تنفيذ أحكام الإعدام في حق أكثر من 1500 شخص وعلى رأسها الشيخ بوزيان الذي علق رأسه على مقصلة أمر بنصبها الجنرال هيربيون على باب معسكره، رفقة رأس ابنه ورأس الحاج موسى الدرقاوي نكاية وعبرة للثائرين.
إبادة 2،3 مليون جزائري من المقاومين
بين 1830 و1861
بين عامي1830 و1861 قامت قوات الاحتلال الفرنسي بإبادة 2.267.000 جزائري، هذه الإبادة كانت نتيجة المقاومة الشعبية التي خاضها الجزائريون، فمنذ أن احتلت فرنسا الجزائر لم تمر سنة واحدة من دون مقاومة شعبية إلى غاية عام 1919، في المقابل فقد تضاعف عدد المغتصبين من الفرنسيين وأجناس أخرى من الأوروبيين ثماني مرات، حيث وصل عدد المستوطنين الأوروبيين سنة 1847 إلى 109000 نسمة وارتفع هذا العدد إلى 829000 نسمة سنة 1921.
وقد تزامنت هذه الهجرة مع الإبادة المبرمجة عن طريق التجهيز والتفقير وحشد السكان في الأراضي القاحلة والصحاري وسفوح الجبال والمساعدة على نشر الأوبئة بين السكان مثل الطاعون والكوليرا والتيفوييد، ونفي الآلاف منهم إلى المستعمرات الفرنسية ككاليدونيا الجديدة وغيرها. وقد جاء في تقرير رسمي رفعته لجنة التحقيق الفرنسية إلى الملك شارل العاشر سنة 1833م، ما نصه: «كيف يجوز لنا أن نشكو من مقاومة الجزائريين للاحتلال، في وقتٍ قامت فيه فرنسا بتهديم المساجد، وإلغاء القضاء الشرعي، والاستيلاء على أموال الأوقاف، وتعيين الإمام والمفتي الموّالين للإدارة الفرنسية؟! لقد أهدرت السلطات الفرنسية حقوق الشعب، وداست مقدساته، وسلبت حرياته، واعتدت على الملكية الفردية، ودنَّس جنودها المساجد، ونبشوا القبور، وأعدموا شيوخا من الصالحين؛ لأنهم تجرءوا على الشفاعة لمواطنيهم!».
وبالتزامن مع سياسة الابادة والتهجير التى تعرض لها الشعب الجزائري من طرف سفاحي فرنسا الاستعمارية، تبنى قائد الغزو الفرنسي روفيجور مخطط تحويل المساجد إلى كنائس بقوله «يلزمني أجمل مسجد في المدينة لاجعل منه معبدًا للمسيح»، فاختار مسجد القشاوة وأمر على الفور بتحويله إلى كنيسة، فتقدمت إحدى فرق الجيش الفرنسي وهجمت على المسجد بالفؤوس والبلط، وبداخله 4000 مسلم جزائري ممن اعتصموا خلف الأبواب دفاعا عن بيت الله، لتهجم عليهم القوة العسكرية بالسكاكين والحراب، وقد استمرت هذه المعركة طوال الليل وادت في النهاية إلى قتل كل المصلين ولما انتهى الجنود من اغتصاب هذا المسجد، تحوّلوا إلى مسجد القصبة الغني بالذكريات عن الإسلام، ففعلوا به ما فعلوه بمسجد القشاوة..!! ثم اصطف الضباط، والجنود بعد ذلك لإقامة قداس ابتهاجا بهذا الفوز العظيم!!. سياسة الهدم والتخريب أكدها تقرير فرنسي صدر سنة 1833 جاء فيه «لقد حطمنا.. وجرّدنا السكان الذين وعدناهم بالاحترام .. وأخذنا ممتلكاتهم الخاصة بدون تعويض ..»، هذا المسلك اعتمده السفاح بيجو في مخططه الذي تضمن عدة أساليب جهنمية منها تخريب القرى التي يسكنها الأهالي تخريبا تاما، وهدم المؤسسات الدينية أو بيعها للمستوطنين الأوربيين فهدموها وبنوا مكانها.
القرن العشرون..منحى آخر من الجهنمية الفرنسية
ولم تتوقف جرائم الإبادة التي رسمتها أنامل الجنود الفرنسيين في حق الجزائريين عند هذا الحد، فبداية من سنوات الخمسينات من القرن التاسع عشر اقترف سفاحون آخرون جرائم إبادة أخرى من أمثال ديمونتنياك الذي اشتهر كقاطع للرؤوس، والذي سجل في كتابه رسائل جندي «أننا رابطنا في وسط البلاد وهمنا الوحيد الإحراق والقتل والتدمير والتخريب حتى تركنا البلاد قاعا صفصفا، إن بعض القبائل لازالت تقاومنا لكننا نطاردها من كل جانب حتى تصبح النساء والأطفال بين سبي وذبيح والغنائم بين سلب ونهب».
جرائم الاستعمار الفرنسي في القرن التاسع عشر لا تزال مجرد قطرات من بحر الدماء الذي اغرق فيه الجزائريون بلا رحمة ولا شفقة، هذه الجرائم الابادية لم تتوقف عند هذا الحد، بل أخذت مناحي أخرى وأشكالا أكثر جهنمية في القرن العشرين، كان أبطاله الجنرال بيجو مهندس الابادة، الذي منذ أن حلّ بالجزائر سنة1841، تبنى سياسة الحرب الشاملة ضد الشعب الجزائري، معتمدا على حرب الإبادة التى كانت في نظره كفيلة بالقضاء على مقاومة الشعب الجزائري وإضعاف قدراته القتالية والنضالية ومن معاونيه الجنرال سانت أرنو الذي قال في مذكراته؛ "لقد كانت حملتنا في الجزائر حملة تدميرية أكثر منها عملا عسكريا، ونحن اليوم وسط جبال مليانة لا نطلق إلا قليلا من الرصاص، وإنما نمضي وقتنا في حرق جميع القرى والأكواخ، وإن العدو يفر أمامنا سائقا أمامه قطعان غنمه".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.