«الذاكرة حقي والجزائر مستقبلي.." هو الشعار الذي رفعته جمعية "ندى" للدفاع عن حقوق الأطفال بمناسبة إشرافها مؤخرا، على تنشيط يوم احتفالي إحياء لستينية اندلاع الثورة، حيث كان الموعد في مدرسة ‘شفيقة مازي' الابتدائية الكائنة ببلدية ابن عكنون، وأشرف الوزير السابق للثقافة، لمين بشيشي، على إلقاء محاضرة حول ثورة نوفمبر منذ بدايتها إلى غاية الاستقلال، بأسلوب فيه الكثير من التشويق، كما رد على أسئلة الصغار. باشر المجاهد لمين بشيشي محاضرته بالحديث عن الطريقة التي اختارتها فرنسا لدخولها إلى الجزائر وحجم المعاناة التي عاشها الشعب الجزائري من ويلات الاستعمار، وصولا إلى عدد المقاومات الشعبية التي كانت تعتبر بداية لوعي المجتمع الجزائري بأهمية الثورة، ثم عرج إلى التنظيم المسلح، فاستقلال الجزائر الذي أكد أنه لم يكن مطلقا سهلا ولا يسيرا، وأن دماء الجزائريين كانت ثمن الاستقلال، ليختم محاضرته بتوجيه دعوة إلى الأطفال بضرورة حفظ الذاكرة التاريخية، من خلال البحث والاطلاع حول كل ما يخص ثورة نوفمبر الخالدة، وأمام تفاعل الحضور تم فتح مجال طرح الأسئلة بين المحاضر والأطفال الذين راحوا يستفسرون بأسئلة عفوية تكشف مدى اهتمامهم بالثورة الجزائرية. حملة واسعة في المدارس وعلى هامش التظاهرة الاحتفالية، تحدثت "المساء" إلى عبد الرحمان عرعار، رئيس "شبكة ندى"، الذي قال: "أردنا من وراء هذه الاحتفالية بعث ثقافة الحفاظ على الذاكرة المجتمعية التي تعتبر حق كل الأجيال بعيدا عن الأبعاد السياسية، وفي اعتقادي، أكبر ضامن لنقل الذاكرة هي الأجيال، لذا ينبغي عدم إبقائها محصورة في المناسبات فقط، من خلال تسطير آليات دائمة، كبرمجة زيارات ميدانية إلى المتاحف، التي أعتقد أنها ليست بالاحترافية المطلوبة، بالنظر إلى سرعة المعلوماتية، فطفل اليوم شغوف بالمعلوماتية ولا يحبذ فكرة البحث بالطرق التقليدية". ويضيف محدثنا قائلا: "البحث في الذاكرة التاريخية حق كل مواطن لتكوين مجتمع متوازن يحافظ على هويتيه من خلال وعيه، وكمجتمع مدني قررنا أن يكون لنا دور في المدارس لنقل الذاكرة للأطفال عن طريق تنظيم خرجات إلى المدارس، بالاعتماد طبعا على شخصيات عاشت الثورة، بالتالي يسير مشروعنا نحو التأسيس لذاكرة تاريخية حية نستهدف من خلالها الأطفال والأولياء، على حد سواء. رفض السرد المجرد والتطلع إلى ما هو ملموس اقتربت "المساء" من بعض الأطفال المشاركين في التظاهرة، وحول ما تستوعبه ذاكرتهم من أحداث تاريخية تخص ثورة نوفمبر، حدثنا مروان خيثيري قائلا: "أدرس في السنة الرابعة ابتدائي، وأجد صعوبة في فهم بعض الأحداث التاريخية المرتبطة بثورة نوفمبر"، مرجعا ذلك إلى الطريقة التي يعتمدها المعلم ويطغى عليها السرد المجرد للأحداث ويعلق: "أحفظ الأحداث التاريخية كما جاءت في المقرر، وبمجرد انتهاء الاختبار أنسى كل ما حفظته". وهو نفس الانطباع الذي لمسناه عند عبد الوحيد عربي، تلميذ في السنة الرابعة ابتدائي، يقول بأنه لفهم الأحداث التاريخية المرتبطة بثورة نوفمبر، فإنه يعتمد على أسرته، مشيرا إلى أنه يجد صعوبة في ذلك، خاصة فيما يتعلق بالتواريخ وبعض الأحداث المرتبطة باندلاع الثورة، كما يرهق ذاكرته يوم الامتحان للإجابة على الأسئلة فقط وسرعان ما ينسى ما حفظه. أما بالنسبة للبرعمة ياسمين ألاء كول، فتعتبر ثورة نوفمبر مشوقة وغنية بالأحداث التاريخية، وعلى الرغم من كثرة الوقائع والتواريخ، إلا أنها تحاول أن تحفظ ما تستطيع لتتشبع بروح الوطنية وحب الوطن، وتعلق بالقول: "أعتمد كثيرا على الصور التاريخية والأفلام المنجزة حول الثورة التي تساعدني على التذكر". فيما اختارت نرجس حميداش طريقة مختلفة لحفظ الأحداث التاريخية في مخيلتها، حيث قالت بأنها تقوم بالعديد من الأبحاث حول أبطال الثورة، وتزور المتاحف التاريخية، مثل متحف المجاهد، بفضلها ظلت الكثير من الأحداث عالقة في مخيلتها، منها "حادثة المروحة" التي تأملتها كثيرا، وصور المجاهدين المعذبين، والأسلحة المستعملة في الثورة، كلها أمور جعلتها تحب ثورة نوفمبر لقداستها". وللأولياء رأيهم عرفت التظاهرة الاحتفالية تردد بعض الأولياء رفقة أبنائهم، أملا في الاستفادة، نظرا لأهمية الموضوع المتعلق بالذاكرة التاريخية، واحتكت "المساء" ببعض الأولياء، فكانت البداية مع والدة وعبادي أسماء التي ترى بأن موضع الذاكرة التاريخية عند الأطفال يتطلب التركيز على ما هو محسوس وملموس، وتجنب السرد الشفهي للأحداث من دون التفاعل معها، الأمر الذي يعطي للطفل الانطباع بعدم أهمية الموضوع، لذا قالت "حبذا لو يتم التركيز على الأفلام والأشرطة والصور التاريخية، أي العودة إلى طريقة التدريس المعتمدة في الماضي. فأذكر أيام دراستي حين كان المعلمون يصطحبوننا في زيارات دورية إلى "مقام الشهيد" وبعض أحياء القصبة، لنقف على الأحداث ونحاول أن نعيشها ونستشعر عظمتها، وهو ما لا يحدث اليوم، حيث يعتمد المعلمون على نقل المعلومات مجردة ومختصرة لمجرد الحفظ. من جهته، يعتبر عبد الرزاق تيمزيرت الذي حضر التظاهرة رفقة طفليه، أن حفظ الذاكرة التاريخية وتلقينها للأطفال يتطلب إيصالهم مباشرة بصانعي الثورة من المجاهدين، طبعا، كما حدث اليوم، حيث جيء بالمجاهد لمين بشيشي، ليتم الاعتماد على أسلوب الحكاية مباشرة مع الأطفال، مما يساعدهم على التذكر وحفظ هويتهم لأنهم ينهلون من المصدر مباشرة. وهو الرأي الذي أكدته نوارة تابحريتين، مديرة المدرسة الابتدائية "سعدي 1" التي ترى بأن طريقة التلقين في المادة التاريخية وتحديدا فيما يخص ثورة نوفمبر، لابد أن تكون بالاعتماد على المادة المحسوسة، أي لابد للمتمدرس أن يعيش الأحداث ويتفاعل معها لتتمكن ذاكرته من تخزين المعلومات بعد إدراك ماهيتها، بالتالي كلما كانت الوسائل متوفرة، كالصور الجدارية والأشرطة والأفلام الوثائقية، كلما كانت درجة الاستيعاب والحفظ كبيرة.