دعا المشاركون في الندوة الوطنية حول ثورة الزعاطشة السلطات الجزائرية إلى العمل إلى استرجاع رؤوس قادة هذه الثورة الموجودة في المتحف الأنتروبولوجي بباريس ليعاد دفنها في مقبرة ليشانة، مشددين على ضرورة تصحيح الخطأ الوارد في الكتب المدرسية بخصوص تاريخ هذه الثورة، إلى جانب مطالبة وزارة الثقافة ل‘نجاز فيلم سينمائي عن بطولات الزعاطشة على غرار فيلم الشيخ بوعمامة. احتضن المتحف الجهوي للولاية السادسة التاريخية الذي يحمل اسم العقيد شعباني بولاية بسكرة أول أمس فعاليات ندوة وطنية حول ثورة الزعاطشة، الذي نظمته جمعية الخلدونية للأبحاث والدراسات التاريخية بمناسبة الذكرى ال 160 لهذه الثورة، وهذا في إطار أيام شهر التراث. وعلى مدى يوم كامل ناقش أساتذة مختصون من جامعات مختلفة عدة جوانب ذات العلاقة بهذه الثورة إلا أن الجميع اتفق على ضرورة أن تعمل السلطات الجزائرية جاهدة من أجل استرجاع رؤوس قادة مقاومة الزعاطشة وهم "الشيخ بوزيان، ابن الشيخ بوزيان، والشيخ موسى الدرقاوي"، وهي الرؤوس التي عملت فرنسا على ترحيلها إبان الاحتلال الفرنسي لينتهي بها المطاف في المتحف الأنتروبولوجي بباريس، وقد اعتبر المشاركون أن من الضرورة إعادة هذه الرؤوس إلى الجزائر لتدفن في مقبرة بلدية ليشانة احتراما لموتى المسلمين وإعادة الاعتبار للمنطقة، كما أكد المشاركون في الندوة على إنجاز فيلم سينمائي يمجد بطولات ثورة الزعاطشة على غرار فيلم الشيخ بوعمامة. من أجل توصيل الثورة إلى الأجيال الصاعدة وتضمن البيان الختامي لهذه الندوة توصيات خاصة لتوصيل بطولات الزعاطشة إلى تلاميذ المدارس حيث أوصى بتصحيح الخطأ الوارد في الكتب المدرسية حول تاريخ ثورة الزعاطشة ليصبح سنة 1849 بدلا من 1848، إلى جانب دعوة مديريات التربية للقيام برحلات استطلاعية لفائدة تلاميذ المدارس نحو المناطق السياحية والمعالم التاريخية التي تزخر بها ولاية بسكرة، مع توجيه طلبة معاهد التاريخ في الوطن إلى البحث في الثورات الشعبية. وعلى صعيد آخر، شددت توصيات الملتقى على دعوة الجهات المختصة للتنقيب عن الآثار المطموسة بموقع المعركة، وإلى إعداد تحقيقات إعلامية حول مراحل ثورة الزعاطشة ومسار زعمائها، إلى جانب إطلاق اسم الشيخ بوزيان والشيخ موسى الدرقاوي على إحدى المرافق الثقافية والتربوية بالولاية من أجل تخليد بطولاتهما في ذاكرة الأجيال. شاهد على جرائم فرنسا ووحشيتها وقد أوضح والي ولاية بسكرة ساعد أقوجيل الذي أشرف على افتتاح الندوة في كلمة ألقاها خلال الافتتاح أن ولاية بسكرة كانت مسرحا لكثير من الأحداث والمعارك التي سجلها التاريخ، معتبرا أن انعقاد مثل هذه الندوة في هذا المكان يحمل عدة دلالات، وهي– أي الندوة- أولا وأخيرا ثمرة جهد وفرصة جد مناسبة لتسجيل مزيد من الشهادات الحية بما سيساهم في إثراء صفحات أخرى من تاريخنا المجيد، ولم يغفل الوالي في كلمته أن ينوه بالمجهودات التي بذلتها جمعية الخلدونية في سبيل إنجاح هذه التظاهرة على غرار غيرها من التظاهرات السابقة التي قامت بتنظيمها. أما رئيس جمعية الخلدونية فوزي مصمودي فقد أوضح خلال كلمته أن ثورة الزعاطشة ستبقى شاهدة على جرائم الاستعمار الفرنسي الوحشية، معتبرا أن إقدام فرنسا الاستعمارية على تعليق رؤس قادة مقاومة الزعاطشة ببسكرة وتحنيطها ببعد ذلك ليتم نقلها إلى المتحف الاننتروبولوجي بباريس ما هي إلا دليل مادي لإدانة المعتديين وصورة من صور بشاعة حاملي شعرات "الحرية، المساواة، والعدالة" ممن يدعون أنهم جاؤوا إلى أرض الجزائر من أجل نشر المدينة والحضارة. وعليه رفع مصمودي نداء باسم الجمعية وكافة وباسم كافة الغيورين على التاريخ ومن خلال والي ولاية بسكرة إلى رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة من أجل استعادة هذه الرؤوس الثلاثة بغية صيانة كرامة أصحابها كأنفس بشرية أولا وكمقاومين جزائريين شرفاء ثانيا، داعيا في نفس الصدد إلى إعادة دفنها في موكب مهيب ببلدية ليشانة. وعلى صعيد آخر، أوضح رئيس جمعية الخلدونية أن الجزائريين لن يفتحوا أية صفحة بيضاء مع أحفاد هؤلاء المجرمين إلا بعد اعتراف فرنست بجرائمها وتقديم اعتذار رسمي للدولة الجزائرية ومن ثم التعويض، وتوجه مصمودي في ختام كلمته بالشكر الجزيل إلى الوالي ساعد أقوجيل الذي رعى الندوة ماديا ومعنويا وإلى مدير يومية "صوت الأحرار" محمد النذير بولقرون الذي قدم دعمه الكامل لإنجاح هذه الندوة....وغيرهم من الأطراف المساهمة في إنجاح هذه التظاهرة. ثورة الزعاطشة ملك لكل الجزائريين من جهته، أوضح محمد النذير بولقرون المدير العام مسؤول النشر ليومية "صوت الأحرار" في كلمة ألقاها بالمناسبة أن زعيم مقاومة الزعاطشة الشيخ بوزيان مازال حيا في وجدان الجزائريين، أما السفاح "أيربيان" وزبانيته فقد أصبحوا في طي النسيان، مضيفا أن إحياء ذكرى الزعاطشة يجب أن يكون بعيدا عن أية خصخصة أو احتكار للتاريخ لأن هذه الثورة وشيخها الجليل ملك للجزائريين جميعا شأنها شأن بقية الثورات الشعبية الأخرى، وعليه فإن هذه الثورة يجب أن تبقى مصدر فخر واعتزاز للجزائريين جميعا، كما يجب الاهتمام بها من خلال إنتاج فيلم عن الشيخ بوزيان ومؤسسة للزعاطشة تعنى بتخليد هذه الثورة المجيدة، وأضاف المتحدث أن بسكرة التاريخ تفخر بأنها أم ولود لأعلام جمعوا بين العلم والجهاد والشهادة، وأن بسكرة الراهنة خزان للثقافة والشعر والأدب. وبعد أن شكر جمعية الخلدونية على تنظيمها لهذا الملتقى ولوالي ولاية بسكرة احتضانه ودعمه لمثل هذه العمال الجليلة أضاف مدير يومية "صوت الأحرار": " لقد تفتحت عيوننا وأذهاننا في بلدية ليشانة على ضرورة الزعاطشة المقاومة التي ما تزال موشومة في الذاكرة، وكانت تتناهى إلى أسماعنا أحاديث عن علماء أجلاء وأولياء ومجاهدين أشاوس من أمثال عبد الرحمان بولقرون، سيدي عبد الباقي، الشيخ بوزيان، فرحات بن الدراجي، أحمد سحنون،... وغيرهم"، معتبرا من جهة أخرى أن المنطقة مازالت تحوي دليل الجريمة في جوفها بعد أن دمر الاستعمار بمدفعيته الحاقدة تلك القلعة الثائرة، وأضاف المتحدث أن ثورة الزعاطشة تروي للأجيال قصة شعب يأبى أن يخضع أو يركع مشبها هذا المشهد بمشهد النخلة التي لا تموت إلا وهي واقفة. وتميزت الندوة بحضور عدة إطارات ومفكرين بخوض الأساتذة المحاضرين في مختلف جوانب ثورة الزعاطشة، فقد أوضح الأستاذ عبد الحميد عمران من جامعة المسيلة في مداخلة حملت عنوان "يوميات ثورة الزعاطشة" أن الانتفاضة اندلعت بتاريخ 16 ماي 1849 قبل أن يتم إخمادها يوم 26 نوفمبر من نفس السنة مشيرا إلى أن المعارك ضد العدو الفرنسي انخرط فيها كل أبناء البلدة حتى النساء وكذا مقاتلون متطوعون من مختلف أرجاء الزيبان والأوراس والصحراء. شهادات حية، محاضرات، وقصائد شعر وأضاف المتحدث أن القوات الفرنسية قد تمكنت وفقا للمصدر من اقتحام البلدة عقب حصار مرير وسقط في المعركة الأخيرة ما لا يقل عن 800 شهيد من بينهم زوجة بوزيان وزوجة ابنه و150 آخرين كانوا بمعية أفراد العائلة وذلك بغض النظر عن مئات أعدموا لاحقا وسلبت ممتلكاتهم. فوزي مصمودي باحث في تاريخ الزيبان إلى أن المعركة أسفرت أيضا عن إلقاء القبض على بوزيان الذي عذبه المحتل إلى أن سقط شهيدا وقطع رأسه ولعبوا به على شاكلة كرة وقطع كذلك رأس نجله حسن ورأس رفيق الدرب في الجهاد موسى الدرقاوي الأغواطي نسبة إلى منطقة الأغواط، وأكد ذات المتحدث أن الرؤوس الثلاثة نقلت بعد التنكيل بها من الزعاطشة إلى مدينة بسكرة إذ علقت على أحد أبوابها لعدة أيام ترهيبا للسكان المحليين ثم نقلت إلى قسنطينة ومنها إلى باريس. وأوضح محمد قويدري وهو أحد المهتمين بتاريخ المنطقة أن بوزيان رجل ورع ولديه ثقافة وكان جنديا سابقا في صفوف المقاومة الشعبية للأمير عبد القادر وكانت له اتصالات وتبادل مراسلات مع أحمد باي بقسنطينة، مضيفا أنه بالنسبة للزعاطشة فهي بلدة ذات تضاريس ليست معقدة و تقع على بعد نحو 30 كلم غربي بسكرة عاصمة الزيبان ويعود تاريخها إلى العهد الفينيقي وتعداد سكانها آنذاك حوالي 3 آلاف نسمة وبها ثروة هائلة من النخيل تقارب 10 آلاف نخلة من مجموع 70 ألف نخلة عبر كل الزيبان. ومن جهته، ركز أستاذ الأدب العربي بجامعة بسكرة محمد عبد الهادي في مداخلته على ثورة الزعاطشة والثورات الشعبية في الأدب الجزائري، مقدما أمثلة على ذلك من الشعر الشعبي الجزذائري، وتميزت الفترة المسائية بدردشة أشرف عليها الدكتور بجامعة الجزائر الطاهر الزبيري الذي دعا إلى ضرورة فهم الماضي لاستيعاب الحاضر، معتبرا أن المؤرخ الذي لا يفتح نافذة على المستقبل لا يمكن أن يكون مؤرخا. واعتر المتحدث من جهة أخرى أن المقاومات لا يمكن أن تكون إلا شعبية مشيرا إلى أن المقاومات الشعبية ليست عسكرية فقط بل إن لها أيضا جانبا اجتماعيا ينبغي أخذه بعين الاعتبار، وتطرق الزبيري إلى المقاومات الشعبية لأنها كانت الاستراتيجية التي اختارها الجزائريون آنذاك لمحاربة فرنسا بما أنهم لم يكونوا يملكون جيشا لمجابهة فرنسا ولا قوة تضاهي قوتها، فكانت المقاومات الشعبية أفضل حل لذلك، وأصر الزبيري من جهة أخرى على ضرورة أن يتم تدريس النشء العلوم الإنسانية التي تضمن بناء مواطن صالح يعتمد عليه في بناء الدولة الجزائرية، ليتم اختتام الندوة بأمسية شعرية تفنن خلالها عدد من شعراء المنطقة في الإشادة بثورة الزعاطشة وقادتها.