يحتضن رواق "حسين عسلة" إلى غاية 8 ماي الجاري معرضا تشكيليا للفنان محمد كليمو باكلي، بعنوان "الفاتح المظلم" يستعرض عبره مشوار تجربة فنية طويلة تعكس مدى البحث والتكوين والممارسة، والفنان كليمو، مولع بالألوان والأفكار التي تعكس هيجانا ما يجعل من الريشة تثور وتواجه المشاهد وجها لوجه لتحبسه في مضمونها المعبأ بثراء الألوان والأشكال. يشتمل المعرض على أكثر من 40 لوحة تعالج بالأساس متناقضات الكون، وتكاد تعتمد كلّ اللوحات على جدلية قائمة بين الإنسان ومحيطه ومختلف التغيّرات التي تطرأ من حوله، إنّها تفاعلات قد تفتح تساؤلا مستمرا لفهم ما يدور حول هذا الإنسان الضعيف. بعض المتغيّرات لها علاقة بقانون الطبيعة ونواميس الخلق التي أقرّها الخالق والتي لا حيلة للإنسان أمامها، وهنا يحاول الفنان قراءة ما يجري من ظواهر ضمن قراءة فلسفية ميتافيزيقية على الرغم من أنّه في الكثير من الأحيان يعجز هذا الإنسان على فكّ خيوط تركيبة الخليقة، وهنا يلجأ إلى التأمّل ورصد ما يحدث من تناغم أو تناقض فيبحث في الليل والنهار والحركة والسكون والفقر والغنى، علما أنّ كلّ إنسان بطبيعته ينجذب لكلّ ما هو نقيض ليفهم أسراره، وبالتالي يقدّم هذا المخلوق ملاحظاته وقوانينه الفكرية المرتكزة على محاولة التوفيق من أجل بناء التعايش حتى لا يحدث أيّ صدام بين هذه المتضادات. أبدع الفنان محمد كليمو باكلي، في تجسيد مختلف الظواهر الكونية بريشته الوفيّة التي نقلت بأمانة المخطّطات التشكيلية الموزّعة على أكثر من 40 لوحة فنية اختلفت أشكالها وألوانها، وحاول من جهة أخرى تسجيل مختلف المراحل الفنية التي عاشها خلال مسيرته المكلّلة بالنجاحات. من بين أهم المواضيع التي اشتغل عليها هذا الفنان في معرضه والتي لها علاقة مباشرة ببني البشر نجد البيئة والجمال والقيم الإنسانية، وفي نفس الوقت حاول الفنان ربط هذه المواضيع ببعضها وبالإنسان، حيث تحمل جلّ اللوحات تشكيلة من المعاني والرموز المستمدة من الطبيعة الكونية منها مثلا الربيع والأنوار والصفاء الروحي المجسّد في الفلسفة الصوفية، وتجلّت في الجنوب الكبير المعطّر بالمسك والعنبر. واستعان الفنان التشكيلي محمد كليمو باكلي، بألوان تتدرّج بين الفاتحة والداكنة، كما يحسن توظيف الألوان لتبدو في شكل متناغم يخدم المعنى، لذلك يضمن التوازن بين الألوان الداكنة والفاتحة والتي قد تتداخل أحيانا مشكّلة مساحات متوازية، في حين يخصّص فضاءات أخرى بيضاء كليا بحواف حمراء داكنة وفي لوحات أخرى نجدها مقسومة إلى نصفين بخط تماس أحمر بها رموز مختلفة تشبه الإشارات. لوحات أخرى التزمت بالرمادي وحده وغالبا ما يظهر فيها العمران أو أمواج البحر الهائجة، واعتمد الفنان الأسلوب التجريدي أمّا التصويري فكان مع لوحتين إحداهما خاصة بقارئ يرتدي اللباس التقليدي، والأخرى لأحد شوارع غرداية الضيّقة ذات الإنارة العالية. للإشارة، الفنان كليمو، تشكيلي سينوغرافي وأستاذ وكاتب من مواليد سنة 1957 بمنطقة تافيلالت، وهو خريج مدرسة الفنون الجميلة بقسنطينة، ثم من المدرسة العليا للفنون الجميلة بالعاصمة (79-83)، ثم بالأكاديمية الملكية للفنون الجميلة ببروكسل، ليعمل ويتكوّن بسويسرا ابتداء من سنة 1988، وله العديد من المعارض عبر مختلف المناطق داخل الوطن وأيضا بالخارج خاصة بفرنسا وألمانيا، كما شارك في عدة ملتقيات دولية خاصة تلك المتعلقة بالتراث والفن. اشتغل الفنان في بداياته بالأسلوب التعبيري ثم التجريدي، وكتب عنه الراحل الطاهر جاوت قائلا "شاركت معه من خلال فعل الذهاب والمجيء وبين التشخيصي والتجريدي، وبين الإضاءة التعبيرية وحرية التعبير التجريدية وبألوان النهار والليل تضيئنا وتقودنا يروّضها الفنان ليشكّل بها أدوات خاصة ليسائلنا بها". للفنان كليمو عدّة إصدارات مهمة منها كتابه "الجمال الفني" وكتاب "غرداية تحترق لماذا؟" و"الرائد بكير"، كما صمّم عدّة أوسمة وشعارات وله أيضا العديد من التصميمات السينوغرافية التي حاز بها جوائز وطنية ودولية خاصة في مجال المسرح، إضافة للتكريمات العديدة في الكثير من المهرجانات واللقاءات، وللفنان أيضا نشاطه الإذاعي المتميز الذي عرّف بالتزامه اتجاه القضايا الإنسانية.