يستضيف رواق ”عسلة حسين” إلى غاية 12 مارس الجاري الفنانات التشكيليات بكلّ ألوانهن وأطيافهن، يوقّعن إبداعهن بلمسة أنثوية راقية وخجولة تخفي الجمال وفيض الأحاسيس وما تيسّر من تجارب سطّرت مسيرة رحلة معبّقة بالزهر والياسمين. يقام المعرض بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمرأة، وهو أيضا مناسبة من ذهب تجتمع فيها تلك الفنانات للاطلاع على تجارب بعضهن وما تمّ تحقيقه من إبداع وتميّز. وكالعادة طبعت المعرض تقاسيم الأنوثة والحميمية التي تتشكّل مع الإنسان والجماد لإضفاء روح من التفاعل والحركية وبالتالي استنطاق كلّ شيء ليعبّر بنفسه عن نفسه بطريقة لم يألفها غيره منه. مواضيع المرأة بسيطة بساطة حياتها وتطلّعاتها وأحلامها المشروعة التي تبحث لها عن تحقيق على أرض الواقع، مع تسجيل بعض الاحتجاجات التي تؤرق صفو يومياتها وتمنعها من أن تعيش ككائن محفوظ الكرامة. كما يضمّ المعرض لوحات فنية تعالج شتى المواضيع، تناولت المرأة والطبيعة وفن الأرابيسك. وقد استعملت في هذه الأعمال تقنيات متعددة تبعا لميولات كلّ فنان، منها الرسم على الزجاج وجاءت أخرى على القماش وكذا التقنية المزدوجة. هو حديث عن واقع المرأة وعلاقتها مع الآخر، بعضهنّ يتحرّر من قيود المجتمع وبعضهن يلتزم برصد هذا الواقع كما هو بكلّ ما فيه من تناقضات، وبذلك جمع هذا المعرض لوحات فنية بوجوه مختلفة من التفاعلات اللونية والماديّة تزج بالجمهور في دائرة الدهشة وبالتالي اكتشاف ما أملته دواخل تلك الفنانات من رؤى وتصوّرات. أغلب المشاركات درسن الفنون الجميلة بمختلف المعاهد وبالتالي يبرز نتيجة ذلك تلاقي الإبداع والحس الفني بقواعد التكوين الأكاديمي، وتعتبر من جهة أخرى هذه المبادرة إشارة دالة على أفق فنّي ولدته المرأة وجعلته ناطقا باسمها في عيدها العالمي يطرح بخصوصية مسائل فنية وجمالية وفكرية مختلفة. يعجّ المعرض بالحوارات التشكيلية المتبادلة بين الفنانات، نتج عنها غنى تعبيري متعدّد على مستوى اللون والتقنية بين الرسم الزيتي، الألوان المائية وغيرها، كما أنّ حضور تلك الفنانات دلالة على المثابرة ورفض للانسحاب من الساحة واستغلال للون والتقنية كمطيّة لكشف الستار عن المتناقضات. حضر في المعرض اللون بكلّ أطيافه وكذا الضوء والعتمة والمادة والأحجام وغيرها من التقنيات لتلبي ما تمليه عليها ملكة الإبداع، واستطاعت الفنانة دوكمان مثلا أن تثير الطبيعة لتكشف عن جمالها الخلّاب المترامي في الهضاب المخضرة المطلة على القرى المغروسة في الشمال الجزائري، مع الحرص على تثبيت منظر غابات الزيتون الممتدة عبر الأفق في منظر ساحر يشعر بالطمأنينة مستعينة بالأسلوب التعبيري. بالمقابل تكشف الفنانة تناقضات الطبيعة التي تتحوّل خريفا لتعبّر عن حزنها وذبولها وهنا تسلّط الضوء على شجرة تطل من أعلى الجبل وكأنها تشتكي حزنها للقرية المقابلة وتذكرها بسالف الحال. وفي نفس موضوع الطبيعة دائما، تبدع دوكمان في تصوير ”الطبيعة الميتة” فتتألّق في عناقيد الياسمين ذات الألوان الأنثوية كالزهري والبنفسجي الفاتح. من جهتها، قامت آمال بن فلة بالاستعانة بألوان الأنوثة لتشكّل منها باقات الورد، بعضها كساء لبعض الحسناوات كدليل على جمال المرأة الربّاني الذي لا يجب أن يلطّخ، كما وظفّت هذه الفنانة بعض الرموز الثقافية على فستان إحدى النساء ورصعته بحبات جواهر حقيقية. الفنانة طرشي فتنها البحر الهادئ عند ساعة الغروب فجسّدته من خلال باخرة قديمة تشقّ البحر بألوانها المنعكسة على الماء المالح، وركّزت الفنانة قاسي زهية على الإنسان من خلال طيفه المنير الذي يقابل ضوء القمر وهو يشكو له الحال والأحوال، فيما التفتت الفنانة شران للطبيعة الميتة لتجسّدها بالأسلوب الكلاسيكي فتبدع في لوحة سكنتها أغصان الزيتون وزجاجة الزيت وأخرى بها وشاح أحمر عليه الكتب والشمعة المنيرة وعنقود العنب كدلالة على أهمية العلم وخيراته. بن جعفر مزجت بين البحر واليابسة في تلاحم سلمي ملوّن بين الأخضر والأزرق، أمّا الفنانة عبيد فقدّمت أكثر من لوحة كلّها ذات شكل أفقي وأغلبها يحمل بصمة التراث ابتداء من الصحراء بباديتها وقراها التي تعبرها الوديان وسلاسل النخيل وكلّها ذات ألوان ترابية يغلب عليها البني والأحمر الآجوري. ومن الصحراء تتوالى لوحات عن معالم تراثية أخرى كالقصبة والموانئ وقوارب الصيد واللباس التقليدي الذي يترأسه الحايك والعجار. عمدت الفنانة صدّوق إلى تقنية التكبير لتعرض شخوصها النسائية العملاقة في مساحات واسعة أغلبها بالأبيض والأسود منها صورة لامرأة تقرأ رواية وتتخيّل عالمها الخاص الذي لا أثر له في حياتها المعاشة. والتزمت الفنانة إيمان قاسي موسى بالأسلوب التجريدي من خلال توظيف تقنية التنقيط والبقع التي تتداخل لتشكّل جسد امرأة، وفي لوحة أخرى تتفرّع منها المربعات في أحجام مختلفة تتوسّطها مفترقات طرق كدليل على اختيارات المرأة في مشوار حياتها. سامية عرضت رسمها على الزجاج في لوحات عمودية بها مربعات تحوي بعض الرموز الثقافية كالخامسة مثلا وبها ألوان مختلفة تطبعها الداكنة وتلفها الخيوط الذهبية. تلك الفنانات أكّدن بإصرارهن على الفعل الإبداعي التشكيلي وقدرتهن على استقطاب كلّ التجارب الفنية مع الالتزام ببصمة الهوية، وهي أيضا تعكس روح التناقض الذي تعيشه المرأة بين النور والعتمة والظاهر والباطن، وبين الربيع والخريف.