عكس البيان الختامي الذي توج أشغال الاجتماع الثالث رفيع المستوى بين الجزائروإيطاليا، حجم التوافق في الرؤى بين البلدين، لاسيما فيما يخص المسائل الدولية الثقيلة وبشكل خاص تلك التي تمس منطقة الساحل وتبعاتها، والتي بيّنت قوة الطرح الجزائري ونظرته الثاقبة والسديدة للوضع، وتجلّت أهمية هذا اللقاء في جملة المسائل التي تم الاتفاق عليها والتي تؤسس لمستقبل واعد ومزدهر يعكس تمسك الطرفين الكبير بمواصلة تعميق الحوار السياسي رفيع المستوى، وتطوير التعاون مؤكدين على الطابع الاستراتيجي للشراكة السياسية و الاقتصادية التي التزم الطرفان بترقيتها وتجسيدها. وفي قراءة عميقة لمضمون البيان الختامي المشترك الموقّع بين الجزائروإيطاليا، يتبين أن الطرح الجزائري فيما يتعلق بالمسائل الدولية قد حظي بالإجماع الدولي، وفي السياق اعترفت إيطاليا بقدرة الجزائر على فرض الاستقرار في منطقة شمال إفريقيا من منطلق جهودها الرامية إلى إرساء السلم والأمن في هذه المنطقة بالنظر إلى الوضع السائد في كل من مالي وليبيا، وثمّنت من خلال البيان التوقيع على اتفاق السلام و المصالحة في مالي. ومن منطلق الانتصار الدبلوماسي المحقق في ملف المصالحة بمالي، دعمت إيطاليا وبقوة المقاربة والمسعى الجزائري من أجل إيجاد "حل سياسي" في ليبيا، كما التزمت إيطاليا بتوثيق التعاون مع الجزائر والعمل معا من أجل التوصل إلى حل في هذا البلد من منطلق أن المشكل في ليبيا ليس داخليا، ومن الضروري أن تتضافر الجهود على جميع المستويات مشيرا إلى "التعاون الكبير" بين الجزائروإيطاليا اللذين يدعمان جهود المبعوث الخاص للأمم المتحدة في ليبيا برناردينو ليون. وبخصوص آخر مستعمرة في إفريقيا وهي الصحراء الغربية، التزمت الجزائر وروما بدعم جهود الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون، ومبعوثه الشخصي للصحراء الغربية السيد كريستوفر روس، الرامية إلى إيجاد حل سياسي عادل ودائم و مقبول من الطرفين يؤدي إلى تقرير مصير الشعب الصحراوي طبقا للوائح السديدة لمجلس الأمن الدولي، والمبادئ المعلنة في ميثاق الأممالمتحدة.. وهو نفسه الحل الشامل والمنصف فيما يخص الشرق الأوسط والمفاوضات بين الاسرائيليين والفلسطينيين، والحل القائم على الدولتين طبقا للشرعية الدولية واللوائح السديدة لمجلس الأمن الدولي وعلى صعيد آخر، وفيمايخص علاقات التعاون الثنائي سجل البيان الختامي اهتماما بالمسائل السياسية والاقتصادية، وقرر الطرفان مواصلة تسهيل عملية تنقل الأشخاص بين البلدين في إطار الاتفاقات السارية من خلال السماح بمزيد من المرونة والسرعة في منح التأشيرات من قبل الممثليات الدبلوماسية والقنصلية للبلدين لاسيما بالنسبة لإطارات المؤسسات في مهام رسمية والمواطنين المتنقلين في إطار زيارات عمل ودراسة أو زيارات عائلية أو سياحية، وعلى اعتبار أن الجزائر أضحت قبلة إفريقيا للاستثمار ومن دون منازع، وجّه الطرفان رسالة قوية لرجال الأعمال والصناعيين الإيطاليين مفادها أن العلاقات بين البلدين "ممتازة"، وأنهما يعملان ما بوسعهما من أجل مرافقة أولئك الذين يريدون الاستثمار في الجزائر باعتباره بلدا كبيرا وشريك قويا، وسيعمل الطرفان على تشجيع تطوير تعاون اقتصادي وصناعي مستدام ومتوازن ويعود بالفائدة على الطرفين، مع منح الأولوية للتعاون في ثلاثة قطاعات حددت كقطاعات واعدة تتوفر على إمكانيات هامة، وهي الطاقة والمنشآت والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة. والتزم الطرفان بتشجيع وتعزيز شراكة "مثمرة ومتنوعة" من خلال تحفيز المتعاملين الاقتصاديين لكلا البلدين باستغلال الفرص المتاحة في مجال الاستثمار والشراكة، وفي هذا الصدد تم توجيه نداء إلى المؤسسات الإيطالية لتطوير مشاريع الشراكة الصناعية والتكنولوجية أكثر مع نظيراتها الجزائرية، و اغتنام الفرص التي توفرها السوق الجزائرية وبالتالي المساهمة في إنشاء شركات مختلطة وتطوير الاقتصاد الجزائري وتنويعه، وعصرنة الفروع الصناعية بضمان نقل المهارة والتكنولوجيا والتسيير. للإشارة أدى الوزير الأول عبد المالك سلال، الأربعاء الماضي، زيارة عمل إلى إيطاليا بدعوة من رئيس مجلس الوزراء الإيطالي ماتيو رنزي، ترأس خلالها السيدان سلال ورنزي مناصفة أشغال الاجتماع الثالث رفيع المستوى الجزائري-الإيطالي الذي توّج بالتوقيع على عشر اتفاقات في مجال التعاون الثنائي، وتخص مجالات الفلاحة والبيئة والتنمية المستدامة والشباب والرياضة. كما تم التطرق إلى العلاقات الثنائية والوضع السائد في ليبيا ومكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، علما أن الاجتماع الثالث رفيع المستوى يعقد بموجب معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون بين البلدين الموقّعة في 27 جانفي 2003، وهي المعاهدة الكبرى التي تحدد محاور التعاون السياسي والاقتصادي والعلمي والثقافي بين البلدين.