نزلت المملكة المغربية، سهرة أول أمس، ضيفا على فعاليات قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، حاملة معها جزءا من الموروث الثقافي المغربي، الذي يتقاطع في العديد من النقاط، مع الموروث الثقافي الجزائري؛ بسبب التقارب الجغرافي، والتاريخ المشترك الذي عرفته المنطقة منذ العديد من السنوات الضاربة في عمق التاريخ. وأبى وفد المملكة إلا الصعود على ركح المسرح رغم وصولهم المتأخر إلى قاعة العروض أحمد باي. ومباشرة تنقّل أعضاء الوفد من حافلة السفر إلى غرفة تغيير الملابس، ثم إلى القاعة، حيث أمتعوا الجمهور الحاضر بقراءات شعرية ووصلات أندلسية غرناطية، تتشابه كثيرا مع الألوان الفنية الجزائرية، خاصة بغرب البلاد ووسطها. وتمازجت الألواح الفنية المغربية مع الألوان المحلية الجزائرية، خاصة لولايتي بشار والمدية، اللتين تعرضان موروثهما الثقافي في إطار الأسابيع الثقافية المحلية بنفس المكان. وأشرف السيد بن شيخ الحسين سامي، محافظ تظاهرة عاصمة الثقافة العربية، على افتتاح سهرة أول أمس، معرض المملكة المغربية، الذي يدخل في إطار الأسبوع الخامس من الأسابيع الثقافية لتظاهرة قسنطينة عاصمة للثقافة العربية، حيث كان مرفقا بممثل عن الديوان الوطني للثقافة والإعلام الذي ينظم الحدث، وممثل عن وزارة الثقافة المغربية، ومستشارة بسفارة المملكة المغربية بالجزائر. وتضمّن المعرض صورا رقمية عن أبواب القصبة الجنوبية المغربية، وأهم المدن السياحية بالمغرب، والتراث المادي، المتمثل في الهندسة المعمارية العربية الإسلامية التي تزخر بها العديد من مدن المغرب، على غرار فاس، الرباط، مراكش والدار البيضاء. واستُهلت السهرة الافتتاحية في الأسبوع الثقافي المغربي، بكلمة ترحيبية من طرف السيد سمير مفتاح ممثل الديوان الوطني للثقافة والإعلام، الذي اعتبر أن الجزائر والمغرب تتقاسمان تاريخا وتراثا مشتركا وهوية أمازيغية عربية لا تختزلها الحدود. ثم قدّم ممثل وزارة الثقافة المغربية السيد الحاسن نفالي، كلمة شكر وعرفان للجزائر وللقائمين على احتضان التظاهرة، متمنيا كل النجاح لقسنطينة في فعالياتها، ليفسح بعدها المجال للقراءات الشعرية، حيث اعتلى المنصة الشاعر نبيل منصر، الذي اختار بعض القصائد من ديوانه الأخير ”غسق الغراب وشفق اليمامة”، بدأها بقصيدة ”طيف امرأة”، وقال فيها: نزعت جلدي وانزلقت بين تضاريس الماء ملابسي حلّق بها طائر غريب ففسق فجأة من طول النوم تاركا ليلة زرقاء على سرير اليقظة انظري كيف أُسقط كوب الماء وترك خدوشا حية على زجاج النفس تلك الليلة جئت بيديك من الغابة التي أتلفها البرق لأقوى على رتق العناصر لكن ذراعك الحبيبة انزلقت بين تضاريس المرآة ساحبة خلفها امرأة عارية تذكرت الطائر فضرب برق جديد تراءت في طياته ثياب تشق السماء بأجنحة الملائكة لم أتوار بل سحبت يدي في هدوء من تجويف الذراع. ثم قرأ فقرات من قصيدة بحث الغراب قال في أولها: أموات بعثوا لنا بهذا الغراب افرض جناحيه وحرك قشرة سفلى ثم رفرف نحو الأعلى وحط على ضيعتنا انظروا إليه كيف يبحث بقوائمه في الهواء كأنه يريد أن يعلمنا كيف نتخلص من أعباء موتنا ونحيى أي إكليل شربت منه أيا غراب لتلقي على ضيعتنا بهذه المهمة العسيرة، الحياة؟ وأي شربة سنتدبر بها أمرنا غير الموسيقى والنحت والرقص وإلقاء الشعر في الساحات؟ قل لنا بربك.. قل لنا بربك لقد يبست عظامنا واشتاقت إلى خرقة الشرق. بعد ذلك اعتلى المنصة الشاعر والإعلامي محمد بوشكار، الذي قرأ قصيدتين، واستهل عرضه الشعري بتقديم أبيات تحية للشعب الجزائري، قال فيها: وددت التحية والسلام من هذه القصيدة إذا جازت أن تكون منبرا إلى الشعب الجزائري الشقيق المضياف وأتبع تحيتي وسلامي حبا ويماما زاجلا من الشعب المغربي الذي أنوب عنه شعرا هذا الشعر الذي أحمد له أن صفحاته مازالت ديوانا إنسانيا مفتوحا بين الشعوب دون أن يحد هذا الديوان حتى الغلاف. ثم قرأ قصيدة طويلة بعنوان ”حلم يقبع أعلى الوسادة”، قال في صدرها: أي هذه النهارات أصبح سيفا لتتضح الشمس في ليل أعيننا دون قنديل يوجينا لا وقت نتخذه عقربا كي نفيق بسمه من حلم صار يقبع أعلى الوسادة رفا القصيدة الثانية كانت متوسطة الطول وبعنوان ”خطأ اقترفتني الحياة”، وقال فيها: صحّحيني إذا الكسر قد شج في عظم جمجمتي كل معنى إذا زغت عن ضمة انتظرتني مدى العمر في آخر السطر أو حذفتني العشيقة من معجم القلب حين التقت ساكنين لا أريد لغمز السكون العتيم على رمش حرف يحيك السراب أن يساورني بهوى في البلاغة يفسد ذوق الكتاب. وكان الشق الثاني من السهرة الافتتاحية للمملكة المغربية، فنيا موسيقيا بامتياز، أحيته فرقة ”محمد أمين ذبي” التي تأسست سنة 1987 في مدينة الرباط، والتي مثلت المغرب في العديد من المهرجانات سواء على المستوى العربي أو حتى على المستوى العالمي، وضمت الفرقة أصواتا متميزة، على غرار الفنانة بهاء الروندا، الفنان أنور زنيدي ومحمد العلمي، الذين أدوا وصلات أندلسية، ومزجوا بعض الصنائع للتراث الغرناطي، وهو فن يتقاسمونه كفنانين من المملكة المغربية مع الجزائر، حيث تم تقديم الحجاز الكبير، عرق عجم، وكذا صنائع من نوبة الأصفهان والمايا مع بعض الصنائع من السيكا الغرناطية، ليتم في الأخير تكريم كل أعضاء الوفد المشارك؛ في خطوة لإبراز مدى الترابط بين الجزائر والمغرب على المستوى الثقافي والفني. الشاعر والإعلامي محمد بشكار: جئنا بالشعر لأنه وسيلة للتواصل بين الشعوب أكد الشاعر والإعلامي المغربي محمد بشكار، عضو اتحاد الكتّاب بالمغرب وعضو النقابة الوطنية للصحافة المغربية، أن بلاده تتشرف بمشاركتها في تظاهرة قسنطينة عاصمة للثقافة العربية 2015، مضيفا أن الوفد المغربي كله سعيد بتواجده بالجزائر، وبالتحديد بقسنطينة. وقال إنه تنقّل إلى الجزائر من أجل تقديم وصلات شعرية، وإنه يتمنى أن يصل برسالته الشعرية إلى قلوب كل الحضور؛ لأن حسب رأيه الشعر هو وسيلة للتواصل بين الشعوب، وديوان مفتوح بين الشعبين الجزائري والمغربي. مستشار وزير الثقافة المغربي ورئيس الوفد الحاسن نفالي: العلاقات الثقافية بين الجزائر والمغرب أكد السيد الحاسن نفالي، مستشار وزير الثقافة بالمملكة المغربية ورئيس الوفد المغربي، أن العلاقات الثقافية بين الجزائر والمغرب، رائعة وجيدة جدا، مضيفا أن هناك جسرا من التواصل بين المثقفين المغاربة والجزائريين في كل مرة، وأن هناك تبادلا للوفود الثقافية. وقال في تصريح لجريدة ”المساء”، إن وفدا من الفنانين الجزائريين حل منذ أيام بالمغرب، وعلى رأسهم الفنان سمير تومي والشاب خالد في لونين غنائيين مختلفين، وإن في كل سنة توافدا لفنانين باستمرار من الطرفين، وخير دليل على ذلك توافد فرقة الفرد البشارية، التي أحيت مند 15 يوما حفلا بالدار البيضاء. وأثنى ضيف الجزائر على هذه العلاقات التي لم تبلغ مستوى طموحات وتطلعات الشعبين، موضحا أن الفنانين الجزائريين محبوبون عند المغاربة، والعكس صحيح. وقال إنه يبقى الآن الدور على المبدعين والمثقفين من أجل إطلاق مبادرات أخرى رسمية، على غرار اتحاد الكتّاب المغربي ونظيره الجزائري ونقابتي الفانين بالبلدين لتعزيز هذه العلاقات في إطار رسمي.. وقال السيد الحاسن النافلي إن الجزائر قطعت أشواطا كبيرة، خاصة من جانب المنشآت القاعدية الخاصة بالثقافة، والجزائر تحظى بتنوع فني وثقافي كبير، أعطى ثراء للموسيقى الجزائرية، التي واكبتها مؤهلات ثقافية ومهرجانات وهياكل قاعدية، مما سيعطي دفعا للثقافة الجزائرية بشكل عام، مضيفا أن الشعب المغربي يعرف الفن الجزائري من خلال سفرائه، خاصة في أغنية الراي، على غرار الشاب خالد، فضيل ومامي، وهناك أيضا، حسبه، فنانون أبدعوا خارج الراي، على غرار عبد القادر شاعو، نادية بن يوسف ورابح درياسة، معتبرا أن الفن الجزائري لايزال متشبثا بالأصالة، وهذا شيء رائع، وهذا لم يمنع من ظهور ألوان شبابية عصرية على غرار الراب. وعن الحضور المغربي المحتشم في التظاهرة، قال مستشار وزير الثقافة المغربي، إن الأمر مرتبط بالتظاهرة ككل، وإن المشاركة كانت من أجل عدم ترك المقعد شاغرا فقط، مضيفا أن بلاده تحضّر لمشاركة فعالة وكبيرة خلال الأيام الثقافية للمملكة المغربية بالجزائر في سنة 2016، ووعد الجمهور الجزائري بأنهم سيكونون بقوة خلال فعاليات الأيام الثقافية للمملكة المغربية بالجزائر السنة المقبلة. وعبّر رئيس الوفد المغربي عن سعادته للمشاركة في هذا الحدث، وقال إن سعادة الوفد زادت أكثر لأنهم في بلد شقيق، وله ثقافة واحدة وديانة واحدة وتجمعه به العديد من القواسم المشتركة، مضيفا أنهم حاولوا تقديم خلال حفل الافتتاح، لونين من الفن المغربي، الأندلسي والعصري، إضافة إلى شاعرين من الشعراء الشباب من الجيل الجديد بالمملكة المغربية، ومعرض تراثي يؤرخ للقصبات، القصور والأبواب القديمة من التراث المغربي. وقدّم شكره لوزارة الثقافة الجزائرية والديوان الوطني للإعلام والثقافة، مبديا إعجابه الكبير بقاعة العروض أحمد باي، التي وصفها بمعلم ثقافي يعتز به كل المغاربة والأفارقة، قد يعطي دفعا ثقافيا مهمّا، ينعكس على المنطقة ككل. الفنانة بهاء الروندا: التظاهرة أكثر من رائعة عبّرت الفنانة المغربية بهاء الروندا عن سعادتها بتواجدها للمشاركة في فعاليات قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، وقالت في تصريح لجريدة ”المساء” على هامش الحفل الذي نشطته رفقة ثلة من الفنانين المغاربة: ”هي مشاركة كالعادة في هذه الأرض الطيبة. حظينا باستقبال رائع وحار، وأحسسنا بأننا في وسطنا العائلي ووسطنا الفني. حقيقة، فإننا وقفنا على الترتيبات المقامة بمناسبة هذه التظاهرة، التي نرى أنها أكثر من المستوى الذي كنا نتوقع سواء من ناحية التنظيم، الاستقبال أو البرامج المرافقة للتظاهرة. لنا الشرف في أن نساهم في هذه التظاهرة الثقافية، ونتمنى المزيد من التألق لقسنطينة عاصمة الثقافة العربية وكل التظاهرات المختلفة للجزائر، ونحن على استعداد لتلبية دعوة الجزائر في أي وقت وفي أي مكان”.