يتحدث البروفيسور مرزاق غرناؤوط، رئيس الأكاديمية الجزائرية لعلوم أمراض الحساسية عن نقص الدراسات المتخصصة في مجال هذه الأمراض في الجزائر، مبينا أن الأكاديمية ستشرف شهر أكتوبر2015 على تنظيم مؤتمر وطني حول إعداد برنامج متخصص لتطوير التكوين ما بعد الجامعي والمتواصل في مجال طب أمراض الحساسية، إلى جانب المساهمة، من خلال الأبحاث المتخصصة، في تنفيذ البرامج الوطنية والدولية في مجال الصحة. كما شدد على أهمية التأسيس لحصص التربية العلاجية للتعايش مع أمراض الحساسية بالمستشفيات الكبرى والعيادات المتعددة الخدمات، بهدف تكفل أحسن بالمرضى وتحسين وضعهم الصحي. المساء: في البداية بروفيسور نود معرفة الفرق بين أمراض الحساسية والأمراض الصدرية التنفسية وهل هناك تداخل بينهما؟ ❊❊ البروفيسور غرناؤوط: أولا الأمراض الصدرية هي اختصاص طبي بحد ذاته يهتم بالرئتين والقصبات الهوائية وكل ما يتصل بالعملية التنفسية، وحتى بأمراض السل والسرطانات والقصور التنفسي والالتهابات الرئوية وغيرها، أما الحساسية فهو مقسم إلى عدة اختصاصات، منها أمراض العيون وأمراض الأنف، الأذن والحنجرة، وأيضا ربو الأطفال وحتى حساسية الأطعمة وحساسية الأدوية، مثلا طب الأذن والحنجرة يهتم بحساسية الأنف، وفي اختصاص أمراض العيون نجد حساسية التهاب قرنية العين، وفي اختصاص طب العمل نجد أيضا حساسية لنوع العمل المزاول، مثلا هناك حساسية الخباز أو حساسية الحلاقات، وهذه الأمراض تظهر بعد مزاولة المهنة لمدة معينة والتعرض لبعض المواد وبسببها تظهر الحساسية لإحدى المواد الطبيعية مثل الفرينة وغيرها بالنسبة للخباز، أوالكيماوية المستعملة في صالونات الحلاقة النسوية. وهنا أوضح أيضا أن الخباز وبعد سنوات عمل يمكنه أن يصاب بربو الخبازين، وهذه الإصابة من المفروض أن تدرج ضمن الأمراض المهنية المعوضة، ولكن هذا لم يحدث بعد في الجزائر، ونفس الشيء بالنسبة لربو الحلاقات. وكذلك الأمر بالنسبة للحساسية عند البياطرة بسبب احتكاكهم المباشر مع الحيوانات..لذلك فإن أمراض الحساسية تمس تقريبا كل الاختصاصات الطبية وهذا ما يصنع تميّزها عن باقي الاختصاصات.. هنا أيضا نشير إلى أن هناك نوع آخر من الحساسية وهي تلك الخاصة بحساسية مواد التخدير، إذ يمكن تعرض مريض إلى السكتة القلبية وهو في غرفة الجراحة بسبب حقنة التخدير ما قبل إجراء العملية الجراحية. ❊ هذا يجرنا للسؤال عن مدى توفر اختبارات الحساسية بالوطن، فما قولكم؟ = هذا صحيح، هناك نقص حاد في هذه الاختبارات التي بفضلها نتمكن من معرفة إصابة الشخص بالحساسية من عدمه، ومعرفة أيضا نوعية الحساسية لديه، والمفروض أن معهد باستور هو المسؤول عن استيراد هذه الاختبارات، ولكن الحاصل اليوم أننا نقوم بتوفيرها بطرقنا الخاصة، فكل مختص يجلب الاختبارات لنفسه وهذه فوضى كبيرة لا بد من تنظيمها. ❊ وهل طرحتم هذا الإشكال على وزارة الصحة؟ ❊❊ أكيد، ولكن ما زال الأمر معلقا إلى اليوم. ❊ هل يمكن القول إن أمراض الحساسية تعتبر مشكلا صحيا في الجزائر، وهل هناك أرقام عن عدد المصابين بها؟ ❊❊ طبعا تمثل مشكلا من مشاكل الصحة العمومية، منظمة الصحة العالمية تشير إلى وجود أكثر من 350 مليون مريض بالربو في العالم، وأكثر من 500 مليون مصاب بالتهاب مخاطية الأنف، والسبب المباشر في هذه الإصابات يعود للحساسية التي سببها الأول تلوث الهواء. وحسب نفس المنظمة، فإنه بحلول 2020 فإن نصف سكان العالم سيصابون بأحد أمراض الحساسية، أي شخص من كل اثنين عبر المعمورة سيصاب بالحساسية. ورغم نقص الدراسات في الجزائر، يمكن القول إن أكثر من مليون شخص مصاب بأمراض الحساسية المختلفة، وأن أكثر من 80% من أنواع الحساسية تظهر في الصغر، لذلك لا بد من التشخيص المبكر لتفادي تطور الإصابة وتحولها إلى مرض مزمن لاحقا يؤثر على نوعية الحياة للأفراد. نشير مثلا إلى حساسية الأنف إن لم يتم علاجها مبكرا فإنها ستتطور للإصابة بالربو، ونعرف أن 80% من مرضى الربو يعانون من حساسية الأنف و40% من مرضى الحساسية يعانون من الربو، إذن نؤكد أنه لابد من توفير علاج مبكر لحساسية الأنف الأكثر انتشارا بالوطن. ❊ هذا يجرنا للحديث عن سبل الوقاية، هل هي ممكنة بالنسبة لهذه الأمراض؟ ❊❊ طبعا، كل الأمراض يمكن الوقاية منها والأساس هو تخصيص ميزانية للوقاية ليتم التأسيس لتربية علاجية ليس فقط من أمراض الحساسية وإنما من كل الأمراض، لأن الوقاية هي الأساس وبعدها يأتي العلاج وليس العكس، فمثلا إذا تحدثنا عن التدخين، فإن الوقاية منه يعني حتما إنقاص عدد الإصابات بالسرطانات وبالقصور التنفسي المزمن ومن عدة أمراض، لذلك فإن ملف الوقاية من الحساسية لابد من أخذه بعين الاعتبار. وتماما مثلما تم وضع مخطط وطني للتكفل بالسرطان بالوطن، نحن نريد مخطط وطني لأمراض الحساسية. ❊ هل معنى هذا أن الأكاديمية تطالب بوضع مخطط وطني لأمراض الحساسية؟ ❊❊ نعم نحن كأكاديمية جزائرية لعلوم أمراض الحساسية، نريد وضع مخطط وطني للتكفل بأمراض الحساسية الذي يقوم أساسا على الوقاية، وكذا التكوين المتخصص وأيضا توفير كل الأدوية الخاصة بهذه الأمراض والموجودة بالخارج.. نحن نريد أن يتم تحرير وصفة طبية جزائرية 100%، لأننا نرى أن عددا لا بأس به من المرضى يستعين بجلب دوائه لإصابة معينة بالحساسية من الخارج وهذا غير مقبول اليوم، الأكثر من ذلك أن أداة إجراء اختبار الحساسية غير متوفرة، وهو شيء بسيط من المفروض توفره في كل المستشفيات والعيادات المتعددة الخدمات، علما أن توفير هذه الأدوات والاختبارات والأدوية، يعني تشخيص مبكر وبالتالي الوقاية في وقتها ويعني كذلك إنقاص عدد مرضى الحساسية، ما يعني التخفيف من تكاليف العلاج. نتكلم أيضا عن نقص مادة الأدرينالين ذاتي الحقن، وهي مادة يمكن لمريض الحساسية حقن نفسه بها بمجرد تعرضه لنوبة حساسية حتى لا يتفاقم المشكل الصحي لديه، هذه المادة غير متوفرة تماما بالجزائر، علما أنها يمكن أن تقي من عدة تعقيدات مرضية، فمثلا التعرض لحساسية الحشرات مثل النحل والدبابير أوالحساسية من بعض الأطعمة مثل الفول السوداني أو»الكاوكاو» لابد من أن يتم حقن الأدرينالين مباشرة دون أدنى انتظار، ما يعني أننا نشرف كمختصين على تعليم المريض كيفية الحقن للوقاية من أي خطر صحي قد يظهر بسبب أي تعقيدات، ولكن الواقع يؤكد الانعدام الكلي لهذه الحقن في الوطن. ❊ هل تقصدون بهذا أن الوقاية ممكن أن تكون بحصص التربية العلاجية مثلما هو حاصل مع مرضى السكري أوالضغط الدموي؟ ❊❊ تماما، في الصحة تظهر الوقاية كأهم عمود وفيها عدة مستويات وتظهر التربية العلاجية كأحد أهم تلك المستويات، فالمريض من حقه ومن واجبه أيضا أن يتعلم ويفهم كل ما يتعلق بمرضه، بالمقابل يتعلم كيف يتقبله وكيف يتعايش معه، ونؤكد أن بمستشفى الرويبة توجد مدرّسة للتربية الصحية حول الربو وأمراض الحساسية، وكل مساء ثلاثاء نستقبل مرضى من الصنفين ونعلّمهم كيفية استعمال البخاخات، ونفهمهم نوعية الأدوية الواجب أخذها والعكس، وبالنسبة لمرضى حساسية الأطعمة نعرفهم بقائمة الأطعمة الواجب تجنبها، وكذلك الأمر بالنسبة لمرضى حساسية الأدوية. ونحن نريد تعميم مدارس التربية الصحية على كامل التراب الوطني، أي في المستشفيات والعيادات المتعددة الخدمات. ❊ لكن قد يظهر هنا إشكال آخر هو مدى توفر مختصي أمراض الحساسية عبر الوطن! ❊❊ يمكن القول أن هناك أطباء للتكفل بهذا المرض ولو أن الأكاديمية لا تتوفر حاليا على العدد الحقيقي لهؤلاء المختصين، وهذا كما قلنا بسبب نقص الدراسات المتخصصة، ولكن التحدي الأكبر ليس في عدد الأطباء المختصين وإنما في التكوين المتخصص، وهو الذي نعمل كأكاديمية للتأسيس له، كما نسعى إلى تأسيس ‘كفاءة' كتكوين موجه لجميع الأطباء العامين أوالمختصين، فمثلا 4 تكوينات في السنة مدة كل تكوين أسبوع واحد، وفي آخر السنة يخضع إلى اختبار يمكنه بعدها التخرج كطبيب مؤهل في أمراض الحساسية، كما أن الأكاديمية ستنظم في أكتوبر القادم مؤتمرا وطنيا يجمع كل الاختصاصات الطبية بغرض تحيين المعارف الطبية والعلمية حول علوم أمراض الحساسية، كما ستعمل على إعداد برنامج التكوين ما بعد الجامعي والمتواصل في مجال طب أمراض الحساسية، إلى جانب مساهمتها في تنفيذ البرامج الوطنية والدولية في مجال الصحة، وهذا من خلال الأبحاث التي تجرى في هذا المجال. ❊ هل هناك نصائح خاصة بمرضى الحساسية في رمضان؟ ❊❊ لابد أن نعرف أن العوامل المسببة لأمراض الحساسية هي بالدرجة الأولى تلوث المحيط وانتشار الغبار، بالإضافة إلى شعر القطط والكلاب وصراصير المنازل وبعض أنواع الأغذية والمواد الحافظة، وكذلك تناول الأدوية بدون وصفة يعتبر من مسببات الحساسية بكل أنواعها. ونحن في رمضان نوضح أنه لابد من أخذ الدواء في وقته وكذا أخذ الحذر في نوع الأطعمة المتناولة في وجبة الإفطار التي قد يكون لها تأثير على مريض الحساسية، كما ننصح المرضى الذين يستعملون البخاخة بأخذها في وقت الإفطار وكذا السحور لكي لا تتفاقم حالتهم ولا يُستعصى عليهم التنفس خلال ساعات الصيام. ❊ في الأخير، أعطونا لمحة عن الأكاديمية الجزائرية لعلوم أمراض الحساسية. ❊❊ الأكاديمية تأسست في ديسمبر 2014، وتضم 5 اختصاصات، منها طب الأمراض الصدرية وطب الأطفال وتخصص الأنف والأذن والحنجرة وطب أمراض العيون وطب أمراض المناعة، وهدفها الأول إجراء دراسات وتكوين موجه لكل الأطباء حول علوم أمراض الحساسية، إضافة إلى حملات التوعية والتحسيس عبر الوطن لتأسيس ثقافة الوقاية من أمراض الحساسية المختلفة، إضافة إلى تأسيس شهادة «الكفاءة» لكل طبيب يريد التخصص في هذه الأمراض، بالتنسيق مع وزارتي الصحة والتعليم العالي... ونحاول أيضا تكوين المريض الجزائري ليعرف طبيعة حساسيته وكيف يواجهها. علما أن مقر الأكاديمية يوجد بالمؤسسة الاستشفائية العمومية الرويبة، شرق العاصمة، وتأمل في أداء دور محوري في التكفل بانشغالات المرضى.