لا تفوت العائلات العنابية الاحتفالات برأس السنة الهجرية الجديدة المتزامنة مع أول محرم، حيث تعرف الأسواق الشعبية توافدا قويا من طرف المستهلكين من أجل اقتناء العجائن، خاصة "الشخشوخة" و"الثريدة" و"المقرطفة"، وهذه العجائن أساس الأطباق الأكثر حضورا خلال هذه المناسبة الدينية المميزة التي تعتبر فرصة لمّ شمل الأهل والجيران وحتى الأصدقاء. تتفنن نساء بونة في عملية إعداد طبق الثريدة باعتباره الأكلة التقليدية المفضلة عند الكثير من سكان المنطقة في جل المناسبات الدينية تحديدا، حيث يتم شراء العجين من "مارشي الحوت"، وهو الوجهة الحقيقية للعائلات، خاصة خلال المناسبات الدينية، مثل أول محرم، ففيه تجتمع كل العادات المتوارثة من خلال عرض المستلزمات الخاصة بأية احتفالية. وعشية الاحتفال برأس السنة الهجرية، تزينت أجنحة السوق بأنواع مختلفة من العجائن التي تعدها بعض العائلات الفقيرة ومحدودة الدخل للترويج لسلعتها، حيث بلغ سعر الكيلوغرام الواحد من الرشتة أو الثريدة بين 200 إلى 400 دينار، حسب نوعية العجين وطريقة صنعها التي تختلف من منطقة إلى أخرى، حسب خصوصيتها بعنابة. لكن يجمع أغلب المتوافدين على نفس السوق على أن اقتناء الثريدة العنابية شيء أساسي، لأنها مصنوعة بطريقة مميزة ولها نكهة خاصة بعد تحضيرها ببعض المتبلات والحمص، إلى جانب لحم الضأن، وتقدم ليلة إحياء السنة الهجرية الجديدة. وعن هذه الاحتفالية، قالت بعض النساء بأنه يتم الاحتفال بأول محرم بشراء الحلويات، وهناك من سكان مدينة عنابة من يحضر طبق الملوخية حتى يفتتح السنة بالخير، لأن هذه الأكلة ترمز إلى الخير والبركة، إلى جانب تحضير القشقشة، وهي عبارة عن مجموعة من المكسرات، منها اللوز والجوز وحتى البلوط والحلوى بمختلف أنواعها، وتوزع على الصغار والعازبات أيضا، وهي عادة توارثها أهل بونة منذ قرون وتوحي إلى غرس المحبة في قلوب الناس وتآلفها على الخير. ولم تنته عادات سكان بونة الأصيلة عند هذا الحد، بل تجتمع النساء خلال ليلة أول محرم في "الحوش" أو الفناء الكبير للبيت من أجل قضاء سهرة بنكهة الحكواتي والبوقالات، حيث تستأنس الفتيات بحكايات العجائز وتقدم من خلال كلامها الحكمة وتوجيه الفتاة إلى السلوك الحسن، إلى جانب وضع الحنة المرصعة بالشموع مع تزيين المكان بالفوانيس، وتوزع الحنة على كل بنات الجيران. هذه هي أهم صور إحياء رأس السنة الهجرية بعنابة القديمة، وهي التقاليد التي ما تزال حاضرة بقوة في كل بيت عنابي، حتى الشباب يقضون ليلة خاصة خلال أول محرم، حيث يجتمعون في ساحة الثورة ويحتفلون من خلال حلقات "القوال" وبرمجة بعض السهرات الخاصة مع الفنانين المحليين.