مع العد التنازلي لعيد الأضحى، تفضل العائلات العنابية الذهاب إلى الأسواق الشعبية أو الأرياف البعيدة من أجل اختيار كبش العيد الذي يعتبر بالنسبة لسكان بونة شيئا مقدسا لدرجة التباهي به أمام الجيران. ففي عنابة عادات وتقاليد أخرى تميز طقوس عيد الأضحى، تختلف كثيرا عن تقاليد باقي مناطق الوطن، فالمعروف في هذه المدينة أن سكانها يرهنون مجوهراتهم في البنوك، ويبيعون كل ما يملكون من أجل اقتناء كبش أقرن. رغم غلاء والتهاب الأسعار في سوق الماشية، إلا أن ذلك لا يحول دون اختيار كبش يتوفر على مقاييس معينة، تتمثل في حجمه، قرنيه وحتى وزنه أمام رغبة الصغار الكبيرة في ذلك، فتجد الآباء يقصدون “الرحبة” وهو مكان قديم تباع فيه الماشية، لشراء هذا الكبش أسبوعا قبل حلول عيد الأضحى، وهو تقليد سنوي يجلب الفأل الخير للعائلة، وعليه فإن رب العائلة يؤدي صلاة الفجر، ثم يذهب لجلب كبش العيد، حيث تستقبله النسوة بالزغاريد لدرجة أن بعض العائلات العريقة تنثر على الكبش السكر، القرنفل والعفص، إلى جانب تخضيب جبينه بالحنة، وحتى على مستوى قرنيه، بل ثمة عائلات تصنع وجبة عشاء خاصة لكبش العيد لأنه هدية الله لسيدنا إبراهيم الخليل عن سيدنا إسماعيل.
كباش ب 60 ألف دينار للتباهي والتباري في الساحات تتراوح أسعار الماشية باقتراب مناسبة عيد الأضحى، حسب بعض تجار وموالي سوق الماشية بعنابة هذه الأيام، بين 30 و60 ألف دينار، ورغم غلائها الفاحش، إلا أن سكان المنطقة لا يبالون بذلك، همهم الوحيد في السوق هو من يشتري الأفضل للتباهي أمام الجيران. ومن الآباء من يقتني كبشا يفوق سعره 60 ألف دينار، يحوله إلى حلبة التباري، وهي العادة السيئة التي يتبعها أغلب الجيران، خاصة بالأحياء الشعبية، على غرار بلاص دارم، لاكولون، بوخضرة وبعض النواحي الأخرى. كل ذلك يحدث في اليوم الموالي، حيث يخرج الجيران إلى الحوش للتفاخر والتباهي بالكباش ويشارك الأطفال والمراهقون وحتى الكهول في التنافس والتباري في حلبة خاصة بنطاح الكباش. هذه المبارزات تمثل بالدرجة الأولى متعة هدفها كسب لقب وشهرة في الأوساط الشعبية، ومن أهم الأحياء العريقة التي تشهد تنافسا بين الكباش ويطلق عليها باللهجة المحلية “رقدة”، وهو الذكر، أي فحل الماشية، والأنثى يطلقون عليها “منانة” أي النعجة، وهي عادة غير مقصودة من طرف العائلات خلال الاحتفالات بعيد الأضحى، لأن من يشتري نعجة للأضحية بولاية عنابة يجد نفسه محل مزاح، وعليه يجد الفقراء حرجا في اقتناء النعجة، حيث تعمد العائلات البسيطة إلى وضعها في مكان لا يراها فيها أحد حتى لا تشعر بالإهانة، أما البعض فيلجؤون لبيع أو رهن بعض القطع الذهبية في البنوك، أو حتى الاستدانة من عند الجيران والأهل لشراء الكبش أو حتى خروف صغير دون قرنين، المهم أن يكون ذكرا.. وتستمر أفراح مناسبة عيد الأضحى لمدة أسبوع قبل حلول صبيحته، وإلى ذلك اليوم فإن أسعار الكلأ تتراوح بين 500 إلى 700 دينار، مما يزيد في مصاريف العائلات.. ومن عادات “لعنانبة” يوم عيد الأضحى، أن العائلة الكبيرة المتكونة من الجدة، الجد وكذا الأبناء المتزوجين يجتمعون لذبح 4 أو5 كباش، حسب عدد أفراد العائلة.
الحنة والشواء على الجمر احتفالا بالكبش يوم العيد ومن تقاليد بونة الخالدة في ليلة الاحتفال بعيد الأضحى، تحضير صحن الحنة وتخضيب عتبة مخرج المنزل بها لجلب الرزق للعائلة، كما توضع كمية منها على جبين الكبش، ويتم تزيين قرنيه بشريط لونه أحمر، وفي الصباح الباكر، تنهض النسوة لتحضير نوع واحد من الحلوى تتمثل في طبق “المقروض” العنابي، أو “البراج” وهي عجينة تخلط مع معجون التمر لصنع حلوى تقدم للأهل قبل صلاة الفجر، وتنتظر العائلة عودة رب البيت من المسجد، حيث يجتمع كل الأفراد لذبح أضحية العيد، كما أن بعض الأشخاص ينتظرون في طابور طويل دورهم لنحر أضحيتهم من طرف رجل مسن يعرف جيدا طقوس الذبح على الطريقة الإسلامية، حيث يتشارك الجيران معه في تنظيف، غسل الأضحية وتحويلها إلى النسوة، إذ تكون المرأة المسنة قد حضرت مشواة الفحم من أجل طهي أجزاء الخروف المتكونة من “الكبدة”، إلى جانب “الدوارة” التي يضاف إليها التوابل وبعض الأعشاب، لتزيد من لذتها وتقدم ساخنة للعائلة، كما تضاف إلى هذه الأطباق لواحق أخرى، منها المشروبات الغازية وبعض المقبلات الأخرى، لتستمر الأفراح على مدار ثلاث أيام، يتم خلالها تقطيع الخروف إلى عدة أجزاء من أجل تحضير طبق “الكسكسي”، وهي أكلة تقليدية تحضر في اليوم الثاني ساعة قبل صلاة الفجر، وتوزع بمدينة عنابة على الجيران، الأهل، الفقراء والمصلين، وهنا تتنافس النسوة على تحضير هذا الطبق، وماتزال العائلات العنابية متشبثة بعاداتها وتقاليدها لدرجة أن كل الأكلات الشعبية تكون حاضرة خلال أيام العيد، منها أطباق “الثريدة” و”الشخشوخة”.
القديد للضيوف تخصص العائلات جزءا كبيرا من لحم الخروف لصناعة القديد، وهو عبارة عن قطع من لحم الخروف المجفف تحت أشعة الشمس، قبل مزجها بخليط من الأعشاب المتمثلة في الثوم، البصل، المعدنوس، البهارات والملح، حيث يضفي عليه نكهة خاصة. ويخزن القديد لمدة طويلة، ليستغل خلال أيام البرد والعواصف الثلجية لصنع أطباق تقليدية تساعد على مقاومة البرودة، حيث تتفنن النسوة في إعداد الأكلات الشعبية المعروفة بقيمتها الغذائية، مثل الكسكسي، كما تحضر أطباق “البركوكس” المعروف باللهجة المحلية لدى “لعنانبة” ب “العيش”، وهو مشتق من دقيق الشعير والقمح، تستعمله العائلات في الطبخ مع القديد في فصل البرد، من أجل الحفاظ على اللياقة البدنية وقوة الجسم.
فخذ الخروف هدية العروس.. في ثالث يوم من أيام عيد الأضحى، يخصص أهل العريس جزءا من كبش العيد، يتمثل في الفخذ، يوضع في كيس خاص يزين بشريط أحمر، وعليه يضع أهل عنابة بعض اللواحق التابعة له المتعلقة بعشاء العروس، حيث يقدم لها كهدية قبل زفافها إلى أهل زوجها، وتسمى هذه العادة بعيد العروس، إذ يتكرم عليها أهل زوجها ويمنحونها حقها من لحم الخروف، وهذا يدخل حسب خالتي خديجة ضمن عادات الأجداد القديمة، وفي هذا الشأن، يستحسن أهل العروس هذه الهدية لأنها تضمن لهم العشرة الطويلة، التفاهم، التآخي والتآز، وعليه فإن كبش العيد فأل خير على العروس، أهلها وحتى العريس، لأن زوجته تشاركه هذه الهدية المميزة.