لجأت الحكومة شهر سبتمبر الأخير إلى تعديل الإطار التشريعي الذي يحدد توزيع نسبة الاشتراك في الضمان الإجتماعي، حيث تم رفع هذه النسبة من 31,5 بالمائة إلى 34,5 بالمائة، كإجراء اضطراري يرمي بالأساس إلى تحسين موارد المالية لمنظومة التقاعد التي استفادت من رفع حصتها ضمن هذه الاشتراكات من 7,5 بالمائة إلى 11 بالمائة، منها 1 بالمائة تم اقتطاعها من الاشتراكات التي كان يدفعها المستخدمون لصندوق الضمان الإجتماعي "كناس"، وذلك بالنظر للوضعية المالية غير المريحة التي يعاني منها الصندوق الوطني للتقاعد والتي تفرض إعادة النظر في المنظومة بشكل شامل. فقد أقر المرسوم التنفيذي 15/236 المؤرخ في الثالث سبتمبر الماضي والمعدل للقانون 94/184 المحدد لتوزيع نسبة الاشتراك في الضمان الاجتماعي زيادة ب3,5 بالمائة في حصة الاشتراكات التي يدفعها المستخدم لمنظومة التقاعد وب3,25 بالمائة في الحصة التي يتكفل بها الأجير مع إضافة حصة ب0.5 بالمائة من الاشتراكات المحصلة من صندوق الخدمات الاجتماعية، وإذ أسفر هذا التعديل عن رفع حصة الاشتراك الذي يدفعه المستخدم في منظومة الضمان الإجتماعي ككل من 24 إلى 25 بالمائة، وارتفاع اشتراكات العامل الأجير من 7 إلى 9 بالمائة، إلا أنها في المقابل أقرت تخفيضا في الحصة المدفوعة لنظام التقاعد المسبق بالنسبة للفئتين من 0.5 إلى 0,25 بالمائة، وهو ما قد يفهم على أنها بداية لإقرار إلغاء هذا النظام التقاعدي الذي تنادي الكثير من الأطراف بما فيها الحكومة والمركزية النقابية بضرورة إلغائه بالنظر إلى الأعباء الثقيلة التي يكلفها هذا النظام لمنظومة التقاعد بشكل عام. ولم يخف الوزير الأول، عبد المالك سلال في مداخلته أمام شركاء الحكومة الاقتصاديين والاجتماعيين خلال اجتماع الثلاثية ال18 التي انعقدت مؤخرا ببسكرة، نية الحكومة في مراجعة العمل بنظام التقاعد المسبق والتقاعد النسبي، معتبرا بأنه من غير المعقول أن يحال عمال على التقاعد في سن ال50 أو أقل لأنهم استكملوا 32 سنة من الخدمة في الوقت الذي يتكفل الصندوق الوطني للتقاعد بمعاشاتهم. وذكر في نفس السياق بأن الصندوق الوطني للتقاعد بلغ في الفترة الأخيرة، حالة عجز مالي اضطرته إلى التدخل شخصيا لدعمه بمبلغ 9 ملايين دينار تم اقتطاعها من موارد الصندوق الوطني للتأمينات الاجتماعية، وهي الحصة التي تكون حسب مصادر من الصندوق الوطني للتقاعد قد ترتبت عن تطبيق التعديل الجديد للنص المحدد لتوزيع الاشتراكات في المنظومة الاجتماعية، والتي تمثلها حصة ال1 بالمائة التي اقتطعت من الاشتراكات الموجهة ل«كناس" وتحويلها إلى التقاعد. وقد سبق لمدير التقاعد بالصندوق الوطني للتقاعد أن أعلن صراحة خلال استضافته في منتدى "المساء" بأن الصندوق غير مرتاح من الناحية المالية، حيث أشار إلى أن المبلغ الإجمالي الذي يدفع شهريا لفئة المتقاعدين والمتراوح بين 72 و74 مليار دينار، يعرف ارتفاعا في كل سنة وذلك يثقل كاهل الصندوق الذي يعتمد في تمويله على اشتراكات المؤمنين اجتماعيا، مبرزا الضرورة الملحة لإدخال بعض الإصلاحات على المنظومة ككل. وتقدر مصادر من الصندوق العدد الإجمالي للمتقاعدين المعنيين بنظام التقاعد المسبق والتقاعد النسبي بنحو 120 ألف متقاعد سنويا، فيما تصل الحصة المالية التي يتقاضاها هؤلاء بنحو 45 بالمائة من الحصة الإجمالية للأموال التي يدفعها الصندوق الوطني للتقاعد شهريا في شكل معاشات. وشكلت مسألة إلغاء التقاعد دون شرط السن والتي يندرج ضمنها نظامي التقاعد النسبي والتقاعد المسبق، محور نقاش مستمر تمت إثارته منذ سنوات عند اقتراب مواعيد اجتماعات الثلاثية، حيث تم الحديث في كل مرة عن إدراج هذه النقطة ضمن جدول أعمال هذه الاجتماعات، ولكن المسألة ظلت مطروحة وتم في كل مرة إرجاء الفصل فيها إلى مواعيد لاحقة، غير أن الوضع المالي الصعب الذي تمر به البلاد بفعل التأثيرات الخارجية، يوحي بأن الحكومة لن تتأخر كثيرا هذه المرة على تقويم وضعية هذه المنظومة الاجتماعية، لا سيما أن إصلاح هذه الأخيرة يحمل بُعدين أساسيين من منظور السياسة المتبعة من قبل الدولة لترشيد النفقات وتقوية الاقتصاد الوطني، حيث تسمح عملية مراجعة هذا المنظومة للصندوق الوطني للتقاعد من الاستفادة من موارد إضافية لتحسين وضعه المالي من جهة، كما تمكن الاقتصاد الوطني من الاستفادة بشكل كامل من طاقاته وموارده البشرية عبر طول المدة الزمنية المحددة لعمر النشاط، والمقدرة حاليا ب60 سنة، لا سيما وأن نظام التقاعد المسبق يعتبر إجراء استثنائي لجأت إليه السلطات العمومية في تسعينيات القرن الماضي لمواجهة ظروف خاصة مرت بها البلاد آنذاك، حيث تم إقرار التقاعد النسبي والتقاعد دون شرط السن بموجب الأمر رقم 97 /13. وحتى إن كانت عملية مراجعة نظام التقاعد غير آنية على اعتبار أن كلا من وزارة التشغيل والعمل والضمان الاجتماعي ومديرية الصندوق الوطني للتقاعد لم تتلقيا أية تعليمات لحد الآن بشأن الشروع في التحضير لهذا الإجراء، إلا أن إعلان الوزير الأول في بسكرة عن نية الحكومة مراجعة هذا النظام، وكذا الإجماع شبه الكلي الحاصل حول هذه المسألة بين مختلف الأطراف والشركاء، يوحي بأن تنفيذ هذا الإجراء لن يتأخر كثيرا، وقد يشكل إحدى أهم النقاط التي ستجتمع حولها أطراف الثلاثية، إما في الاجتماع التقييمي المبرمج قبل نهاية السنة الجارية أو في الدورة المقبلة للثلاثية المقرر انعقادها في ربيع العام المقبل.