أكد عدد من الصيادلة تحدثوا إلى "المساء"، أن معظم الوصفات الطبية المقدمة إليهم تكون مكتوبة بخط رديء، بمعدل يومي يتراوح بين 3 و5 وصفات، وقالوا إن الخط غير الواضح يعني صرف علاج خاطئ، بالتالي مضاعفة الخطورة على المريض. وطلبوا من الأطباء الاعتماد على الحاسوب في تحرير الوصفات، كما هو معمول في الكثير من البلدان، مرجحين سبب كتابة الوصفة الطبية بطريقة سيئة إلى ضيق الوقت مقارنة بعدد المرضى في الاستشارة الطبية، إضافة إلى تدني مستوى اللغة الأجنبية عند الكثير من الأطباء. يقوم العلاج الصحيح على أخذ الدواء المناسب في الوقت المناسب وبالجرعة المناسبة، بالتالي فإن أي خطأ قد يطرأ على أساسيات هذه العملية العلاجية، قد يفضي إلى تعقيد الحالة المرضية، مثلما قد يودي بحياة المريض، خاصة بالنسبة للمرضى المزمنين وكبار السن وحتى الأطفال، وهؤلاء جميعهم تقل لديهم المناعة، بالتالي فإن أي خطأ في صرف الجرعة المناسبة من الدواء قد يكون وخيما، أي قد يتحول الدواء إلى سم قاتل. ونقصد بالخطأ في هذا المجال، ذلك الذي يعود إلى القراءة الخاطئة للوصفة الطبية بسبب رداءة خط من حرّرها. هكذا استهلت صيدلانية حديثها معنا حول الوصفات غير واضحة الكتابة، وقالت بأن أي خطأ لغوي بسيط قد يعقد الحالة المرضية، وعددت الأخطاء التي تصادفها بشكل شبه يومي أثناء عملها في عدد جرعات الأدوية العلاجية، أو تشابه أسماء الأدوية، بالتالي عدم صرف الدواء الصحيح، أو عدم انتباه الطبيب لذكر الجرعة المناسبة لأي دواء أو حتى لعدم معرفته بالأدوية الجديدة المتوفرة والانقطاع المتواصل لأي دواء، بالتالي يتم تعويضه بالجنيس. معاناة يومية واجتهاد شخصي يعاني الصيادلة خلال عملهم من الوصفات الطبية رديئة الكتابة المقدمة من طرف مرضى يناشدون العلاج، إذ قال صيدلي من شارع باب عزون، وهو يحمل وصفة طبية يكاد يكون ما هو مُدون عليها، يشبه الخطوط الظاهرة عادة في الرسم البياني لتخطيط القلب، بأن الخط الرديء للوصفات أصبح يقلقه ويضيع الكثير من وقته حتى يتمكن من فك الحروف ويتوصل إلى قراءة الدواء المُدون بصفة صحيحة، ويقول إن هذا الإشكال يسبب له إلى جانب هدر الوقت، بذل جهد مضاعف، مما يشعره بالتعب حتى في ساعات العمل الأولى، ناهيك عن الخوف الذي يتملكه بأنه أخطأ في قراءة الدواء الصحيح، بالتالي يخطئ في صرف العلاج الملائم، مما قد يجعله يواجه مشاكل هو في غنى عنها. وتابع المتحدث قائلا: "خط كثير من الأطباء يشبه الطلاسم التي تحتاج إلى خبير لفك رموزها، إننا نعاني حقيقة من رداءة الخط في الكثير من الوصفات الطبية، وهذا ما يجعلنا نحن الخمسة نجتمع على الوصفة لعل أحدنا يتمكن من قراءتها، وإن لم نتمكن من ذلك، فإننا نتصل بالطبيب لمعرفة المحتوى الحقيقي للوصفة، وإن تعذر علينا ذلك، فإننا نطلب من المريض العودة إلى طبيبه ليحضر وصفة بخط واضح". ونبه المتحدث الذي أثنى على "المساء" اهتمامها بإثارة هذا الإشكال والسماح للصيدلي بالتنبيه في عدة أمور، إلى بعض المسائل التي تتعب عمله لعل أهمها مطالبة الأطباء ليس فقط بتحسين خطهم، وإنما أن يكونوا على اطلاع مستمر بالأدوية التي تشهد بين الفينة والأخرى انقطاعات في السوق، وكذلك الأدوية التي تشهد تغييرات في الجرعات "إذ أن الدراسات العلمية في تطور مستمر يقول - والدواء الذي قد يكون فعالا بجرعة محددة لعلاج مرض معين قد يتم تغيير جرعاته ليكون أكثر فاعلية، مثلا دواء ب 200 ملغرام قد يضاف له 50 ملغراما أي 250 ملغراما، والطبيب يدون الدواء بالجرعة القديمة ويبقى المريض يبحث بين الصيدليات على تلك الجرعة في الوقت الذي قد يتم استبدال الدواء أصلا. ويضيف: "هناك إشكال آخر يكُمن في تشابه الكثير من أسماء الأدوية وهنا الخطر يكون مضاعفا، فقد يعود الفرق بين دواءين أحيانا إلى حرف واحد، فكيف لنا أن نتأكد من أن المطلوب هو هذا الدواء وليس ذاك.. إننا نحرص دائما على ألا نقع في الخطأ الطبي ونعطي المريض العلاج الموصوف، لكن على الأطباء أن يكونوا مسؤولين أكثر". من جهتها، قالت صيدلانية بأنها تواجه يوميا ما يزيد عن 3 وصفات طبية خطها رديء، مما يجعلها تمتنع عن صرفها وتواجه بسببها تذمر المرضى، تقول: "إننا نواجه يوميا إشكال التعامل مع وصفات يُخيل لنا بأنها تحوي رموزا سرية لا يمكن فك طلاسمها إلا الخبراء، وهنا إما أن نتصل بالطبيب إن كان في الوصفة رقم هاتفه، أو نعيد المريض إلى العيادة الطبية وطلب إعادة تحرير الوصفة بخط واضح، ولكم أن تتصوروا عصبية المريض وقتها"، وتردف: "أريد في هذا المقام أن أوضح بأن الخط الرديء لا يعني فقط الدواء وإنما الأسماء أيضا، إذ أننا نصادف يوميا مشاكل مع بطاقات الشفاء بسبب حرف واحد، فمثلا الكتابة اللاتينية لاسم ‘أمال' قد يكون إما بحرف (e)، أو بحرف (a)، وإذا لم يكن متطابقا مع ما جاء في بطاقة الشفاء، فإن الوصفة يتم رفضها، بالتالي يدخل المرضى معنا في مناوشات لجهله بهذه الأمور التنظيمية، ونداؤنا هنا نوجهه للأطباء، فمن الأحسن لهم ولنا وللمريض أن يتم اعتماد الكتابة الإلكترونية للوصفة الطبية، يعني تحريرها عبر الحاسوب، فبهذه الطريقة تكون الكتابة واضحة جدا ونسبة الوقوع في الأخطاء صفر". الوصفة الطبية مرآة الطبيب من جانبه، يثير صيدلاني آخر بشارع فرحات بوسعد، نفس الإشكال مع الوصفات غير واضحة الكتابة، إلا أنه يواجه في المقابل مشكلة عدم رد الأطباء على اتصالاته للسؤال عن محتوى الوصفات التي يكون الخط فيها غير واضح، إذ يقول: "صحيح أننا نعاني كثيرا في فك محتواها ونجتهد كثيرا حتى نصرف الدواء لمن يطلبه، لكن ألا يرد الطبيب علينا أو ألا يتذكر صاحب الوصفة -المريض-، يجعلنا نعيد المريض لا محالة إلى طبيبه أو نوجهه ليقصد طبيبا آخر وإحضار وصفة واضحة يصرف على ضوئها العلاج". وأضاف: "في بعض الأحيان يكتفي الطبيب بكتابة الحرف الأول من الدواء ويتبعه بخط طويل، وعلينا بعدها كصيادلة الاستنتاج؟ وقد لا تشمل الوصفة على المعلومات الكاملة للدواء المدون، مثل الجرعات اللازمة تبعا لسن المريض ومرضه، وهذا يسبب لنا مضيعة كبيرة للوقت، لأن السيد الطبيب لم يأخذ دقيقتين من وقته ليكتب الوصفة بخط واضح". ويصف صيدلي آخر الوصفة الطبية بكونها مرآة الطبيب، لذلك عليه كتابتها بشكل واضح وجيد كي يتسنى للصيدلي فهمها، ويعتقد أن تراجع المستوى التعليمي والدراسة باللغة العربية في الأطوار التعليمية الثلاثة وبعدها الدراسة باللغة الفرنسية في الجامعة بالنسبة لمن يختار الطب، قد يكون سببا في رداءة الخط، ورغم تأكيده لإشكالية استطلاعنا إلا أنه يؤكد تمكنه من فك "شيفرتها"، يقول: "أنا أتوصل إلى قراءة جل الوصفات المقدمة إلي ونادرا ما أرجع وصفة، حتى أن صيادلة آخرين كثيرا ما يستنجدون بي، بحيث يرسلون إلى المرضى بعد عدم تمكنهم من قراءة الوصفات لعلمهم المسبق أنه بإمكاني فك طلاسم الوصفات، غير أنني أقع في المبهم أحيانا، ولا أتوصل إلى قراءة بعضها بسبب الخط الرديء جدا، وأضرب لكم مثلا بمريض آتاني مؤخرا بوصفة تمكنت من قراءة دواء واحد من ثلاثة، وهو الذي كان قد زار ثلاث صيدليات أخرى، لكنني أؤكد أنها كانت خربشة وليست وصفة". ويؤكد المتحدث أنه يواجه بصفة يومية إشكال الوصفة الطبية رديئة الخط، وأنه يجد نفسه أمام خيار من ثلاثة لفك "كود" الوصفة -حسبه-، حيث قال بأنه إما أن يتصل بالطبيب لمعرفة الأدوية الموصفة وجرعاتها، أو أن يعيد إرسال المريض للعيادة ليحضر وصفة واضحة، وإما أن يسأل المريض عن طبيعة مرضه محاولا إيجاد الدواء المناسب لحالته المرضية، ويقول: "سبق لي وأن كنت ممارسا في الطب العام، ثم اخترت فتح صيدلية، وبفعل الممارسة المهنية اليومية لما يزيد عن 25 سنة، حفظت الأدوية وما تصلح له من أمراض، وإذا أضفتها إلى روابط الألفة التي حيكت بيني وبين المرضى لسنوات، فأؤكد أنني أوفق في صرف أكثر من تسعين بالمائة من الوصفات حتى وإن كانت عبارة عن طلاسم وألغاز". وطالب المتحدث بضرورة التكوين المتواصل للأطباء والصيادلة بهدف تحسين العملية العلاجية المعتمدة على إعطاء العلاج المناسب بالجرعة المناسبة في الوقت المناسب.