شكّل موضوع التسامح محورا ملفتا اهتم به عدد من الأكاديميين العرب والجزائريين في ملتقى احتضنه قصر الثقافة "محمد العيد آل خليفة"، أوّل أمس، ضمن تظاهرة أيام الفيلم العربي المتوَّج بقسنطينة؛ لما يحمله هذا المبدأ من قيم عميقة من الواجب الترويج لها، لا سيما في الظروف العربية الراهنة بالأدوات الفنية والثقافية المتاحة، وبالسينما على وجه التحديد. افتتح إبراهيم صديقي محافظ التظاهرة، الملتقى. وقال في مداخلته إنّ محافظته تراهن كثيرا على النخبة من الفنانين والأكاديميين، لإثراء محور التسامح على طاولة النقاش؛ إذ يرى أنّ الوطن العربي بأمسّ الحاجة إلى مراجعة المعنى الحقيقي والتراثي والثقافي لمصطلح التسامح في مجتمعاته. ووعد المحافظ بأن تتولى إدارتُه جمع وطباعة كلّ المداخلات التي سيتم تقديمها خلال الملتقى في كتاب، تضاف إليه هوامش من المهرجان، ليتّم إرساله لكلّ ضيوف المهرجان مستقبلا. من جهته، نبّه الروائي سمير قسيمي المشرف على الملتقى، إلى أهمية الشق العلمي الأكاديمي في كلّ المهرجانات التي كثيرا ما تغفله، وأنّه لا يمكن أن يبقى من المهرجانات إلاّ ما هو موثّق، ولا يمكن توثيق إلاّ ما هو علمي، وهو الدور المنوط بالملتقيات العلمية في المهرجانات.وقدّم الناقد السينمائي العراقي كاظم سلوم، المحاضرة الأولى التي عنوانها "حين ينتصر التسامح على هيمنة السلاح، فيلمي غاندي ومانديلا نموذجا"، عرض فيها عددا من التجارب السينمائية العربية والعالمية التي تناولت موضوع التسامح، على غرار "فيلم حسن ومرقص" و«الناصر صلاح الدين" و«غاندي" و"مانديلا"، وهي الأعمال التي اعتبرها المتحدّث نماذج سينمائية تؤصّل لمبدأ التسامح. وأكّد المحاضر أنّ عدد الأفلام العربية التي تروّج للحروب والعنف أكثر من الأفلام التي تدعو للسلام والتسامح، الشيء الذي وصفه بالخطير، معتبرا أنّه انزلاق للفن والسينما والفنانين في سيل الأحداث التي تشهدها مختلف الدول العربية، خاصة العراق وسوريا، مشيرا إلى أنّ الفنان لا يملك الحق في التعبير عن ميوله السياسي والطائفي في أعمال تروّج لانقسام وتشتّت أبناء الوطن؛ على اعتبار أنّ الفنان هو حامل لرسالة الوحدة والسلام والأمن، وهو ما جاء في فليمي "غاندي" و«مانديلا"، اللذين يقدّمان نموذجين لرمزين عالميين في التسامح. وقدّم الباحث الجزائري قادري عبد الكريم محاضرة عنوانها "تجليات التسامح في ثلاثية يوسف شاهين: "العصفور"، "عودة الابن الضال" و«إسكندرية ليه؟"، التي اعتبرها تجارب سينمائية تكرّس مبادئ التسامح والتصالح والتعايش بين الشعوب العربية، وأنّه بالضرورة بما كان العودة إليها؛ كونها متجذرة في الأصل في الثقافة العربية المحلية.