أكّد الدكتور إسماعيل سامعي، الأستاذ المحاضر في التاريخ بجامعة "الأمير عبد القادر" بقسنطينة، خلال مشاركته مؤخرا في فعاليات القافلة الثقافية لقالمة، التي حطت في "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية"، أنّ منطقة قالمة كان يعيش فيها الدب لأنّ التاريخ الجيولوجي قبل 1200 سنة يوضّح أنّ أوروبا كانت كلها مغطاة بالجليد، وكذا الشمال الإفريقي الذي تصحّر فيما بعد، وأضاف أنّ قالمة تعرّضت أثناء القرن الرابع ميلادي لزلزال بلغ 8 درجات على سلم ريشتر وحطم الكثير من المباني، لكن التدمير الأكبر كان عندما غزاها الوندال بعد البيزنطيين. وأكّد الأستاذ إسماعيل سامعي أنّ تسمية أية مدينة لا يوضّحها شخص وإنّما يشترك في التسمية أشخاص، هيئات، شعوب وأزمنة تاريخية، ويضيف أنّ اسم المدن، القرى، والأناشيد الثورية والشعبية لا يؤلفها شاعر واحد، إنما يؤلفها عدد من الشعراء أو الموهوبون وكذا المواطنين، وعن تسمية قالمة قال بأنّ هناك باحثين تابعوا البحث ووجدوا تفسيرات وتأويلات لهذا الاسم، فيه قصة أي الجانب الخرافي واللغة، من حيث اللغة فهو مركب من كلمتين "ق"، "م" بمعنى "ق" لقي أي وجد و"م" أي الماء بمفهوم لقى الماء، لأنّ الرحل أو العربان من العرب المتواجدين في منطقة الهضاب لتربية المواشي، خاصة الغنم، يتوافدون إلى هذه المنطقة في الربيع، ثم يعودون إلى هوامش الصحراء في أواخر الصيف، لأن قالمة مهيأة للأكل والماء لما تختزنه من وديان وغابات ومزروعات في كل الفصول. وهذه التسمية حسبه، غير صحيحة وغير منطقية، فهو تفسير وصفي، إذ هناك تفسير أخر يقال بأنّ قالمة فيها نبات القصب مع الوديان يستعمل لأقلام الكتابة في اللوحة، وكان حينها القلم مهما جدا، فهذه كذلك تفسيرات خرافية لغوية، بينما التفسيرات العلمية يرجعها البعض إلى العهد الفينيقي، فالفينيقيون جاؤوا إلى سواحل المغرب وهم من سواحل لبنان في حوالي 1200-800 ق.م، وهم ناس تجار توغّلوا إلى منطقة قالمة وكذا منطقة السواحل كعنابة وسكيكدة، وآثارهم لا تزال إلى يومنا هذا، ويقال بأنّ هذه المدينة كانت مقامة من قبل وزاد تدعيمها من طرف الفينيقيين وأطلقوا عليها اسم "مالاكا" أو ملكة، ولما جاء الرومان من بعد وقرؤوا هذا الاسم بالحروف اللاتينية من اليسار إلى اليمين، أي العكس، فأصبح الاسم "كالاما" ومن بعد أصبح الاسم قالمة. منطقة للجذب كانت تعرف كحصن يقول الأستاذ سامعي بأنّ منطقة قالمة كان يعيش فيها الدب لأنّ التاريخ الجيولوجي قبل 1200 سنة، يوضّح أنّ أوروبا كانت كلّها مغطاة بالجليد وكذا الشمال الإفريقي الذي تصحّر فيما بعد، كما وجدت أوان بالمنطقة مما يبيّن أنّ الإنسان وجد في هذه المنطقة منذ 1200 سنة، فقالمة منطقة للجذب ولا تطرد السكان، نظرا للمياه التي تزخر بها، فيها 6 حمامات من ينابيع حارة، وتشكّل دائرة من حمام الدباغ، حمام أولاد علي، حمام برادع، حمام النبايل، حمام العساسلة والرومية، وحمام قرفة وبلحشاني، فضفاف وادي سيبوس تصلح للحمضيات وكلّ الخضر، والأراضي الأخرى تصلح للزراعة، حيث أن أشهر قمح في بلادنا هو قمح وادي الزناتي، وهي الشتلة المميزة في العالم، وأصبحت ترابا يزرع في كندا، الولاياتالمتحدةالأمريكية والأرجنتين، حسب بعض المهندسين الفلاحين الذين أجروا التجارب، بمعنى شتلة مهيأة للقمح والتي تخص وادي الزناتي، عين عبيد، قسنطينة وحمام الدباغ. ويضيف المتحدّث أنّ قالمة عبارة عن حفرة أو حوض محاط بالجبال التي لعبت دورا في المقاومات، خاصة الثورة التحريرية، فجبال المنطقة سلسلة لمرور الجنود إلى تونس من أجل جلب الأسلحة، فقادة الثورة مروا من هنا، منهم كريم بلقاسم، ابن خدة، ابن طوبال وغيرهم، وجبال ماونة هي سلسلة كبيرة فيها غابات مهمة جدا للسكان والاقتصاد، فيها البلوط، الفلين، الصنوبر وعدة نباتات مختلفة وكذا النحل لإنتاج العسل، كما تملك أجود أراضي البرتقال، التفاح والرحيقاني. وأشار إلى أنّ قالمة كانت تعرف كمدينة وكحصن، لكن ليس بموقعها الحالي، فموقعها كان على بعد 3 كلم من هذا المكان جنوبا وسط جبال ماونة وقريب من بن جراح، فالمؤرخون يشبهون موقع قالمة بموقع قسنطينة، فهي ليست المدينة بل النواحي، يذكر الأستاذ غار جماعة بحمام الدباغ على بعد 3 كلم من جبال مرمورة، وقالمةالمدينة كان لها 5 أبواب تغلق ليلا هي: باب سكيكدة، باب عين الدفلى، باب السوق، باب عنابة وباب سوق أهراس، الأبواب زالت لكن ذكرها مازال موجودا، ولما جاء الفرنسيون هدموا الحجارة التي بنيت بها الأبراج وبنوا سور المدينة العسكرية، يضم المحكمة، ثانوية ومستشفى ولا يزال قائما إلى يومنا هذا والمعروف بالثكنة القديمة. خليط من السكان أوضح الأستاذ سامعي أنّ قالمة تجذب السكان العاديين البسطاء لما تتوفّر عليه من نشاطات عمل بشتى الأشكال، فهي خليط من سكان الجزائر، ففي العهد الروماني كانت عبارة عن مدينة مستقلة، ومن هنا توفّرت فيها بعض المراكز الثقافية كالمسرح الروماني، ويصرّ الأستاذ اسماعيل سامعي على أن يسمّيه المسرح الأثري، فحسب قوله يمكن أن يكون المهندس رومانيا والعملة رومانية، لكن العمل جزائري، كما أنّ قالمة تعرّضت أثناء القرن الرابع ميلادي إلى زلزال طبيعي وبشري، بلغ 8 درجات على سلم ريشتر وحطّم الكثير من المباني، لكن التدمير الأكبر عندما غزاها الوندال بعد البزنطنيين عاصمتهم قسطنطينية، أي اسطنبول حاليا، فلما قدموا إلى الشمال الإفريقي لم يبنوا أي شيء بل كانوا أناسا عسكريين، والمباني التي بقيت هدموها وبنوا الأبراج للحراسة. في العهد الإسلامي، قالمة لم يذكرها التاريخ، وقد حاول بعض الباحثين إيجاد أثر إسلامي ولم يجدوه إلى حد الساعة -يؤكّد الأستاذ- سوى أحد المؤرّخين القاضي نعمان في كتاب "افتتاح الدعوة"، يقول فيه بأنّ قالمة في القرن الثالث هجري- التاسع ميلادي كانت ضيعة أية قرية صغيرة ولكن فيها قبائل، وفي العصر الفاطمي يقول بأنّهم كانوا يضربون السكة أي سك النقود بمعنى أنّ قالمة كانت فيها مناجم للحديد ومصانع لسك العملة، كما أنّ مؤرّخا آخر يقول بأنّ قالمة في القرن السادس هجري- 12 ميلادي كانت عبارة عن مزرعة، وعندما جاء عبد المؤمن بن علي الذي وحّد المغرب العربي في الدولة الموحدية، كانت مشهورة بالصناعة الطينية والفخار، وفي العهد التركي لا توجد معلومات، فقط كانوا يجمعون الضرائب التي تجمع للباي في قسنطينة بأشكال مختلفة من عسل، زيتون، قمح وغيرها. أما في عهد الاستعمار الفرنسي، فكانت لقالمة محطات كبيرة، وقبله زارها العديد من العلماء الأوروبيين وكتبوا عنها العديد من الكتب التي استغلها الفرنسيون للاحتلال، فبحثوا ووجدوا أنّ مدخل قسنطينة هو قالمة عبر وادي سيبوس، وهو نفس الشيء الذي خطّطه الرومان من قبل، حيث حصلت معركة طاحنة "سوتول" عين النشمة حاليا في جنوب قالمة بين الرومان والنوميديين بقيادة يوغرطة الذي أذل فيها الرومان الذين انهزموا فاشترط عليهم الخروج مطأطئين الرؤوس، وأخذ الفرنسيون الخرائط الرومانية وأرادوا أن يثأروا لأجدادهم، واحتلوا قسنطينة عن طريق قالمة في 1837. وفي عام 1838 سقطت قالمة في يد الاستعمار الفرنسي وجذبت إليها سكان من أنحاء أوروبا مالطا، إيطاليا، إسبانيا، سويسرا وألمانيا، حيث أنّ بعض المزارع كانت تضمّ العديد من الجنسيات الأوروبية وتسمى بأسمائهم، وطردوا السكان إلى المناطق الصعبة إلى غاية بداية الحركة الوطنية والثورة التحريرية، ويختم أنّ قالمة خليط من السكان، لذلك نجد وادي سيبوس شمالا أغلبيته مكوّن من المهاجرين من القبائل الكبرى، يهتمون بالزيتون، وكان سكان جيجل خبازين، أما المنطقة الجنوبية فأغلبيتهم شاوية من الأوراس، صحراويون وكذا سكان من الهضاب العليا، فقالمة فسيفساء وتمثل وحدة للوطن. أبرز الشخصيات يقول الأستاذ سامعي اسماعيل بأنّ هناك عدّة شخصيات من قالمة يذكرها التاريخ، من بينها الرئيس الراحل هواري بومدين (محمد بوخروبة) عندما كان يدرس في متوسطة "محمد عبده" بمدينة قالمة رأى بأم عينيه الفظائع والقتل الذي ارتكبه الاستعمار الفرنسي في حق الشعب الجزائري، فتأثر كثيرا، كما بقيت مجازر 08 ماي 45 في ذهنه طوال حياته ولا يصافح الفرنسيين إلا ويتذكر تلك المشاهد، كذلك بوجمعة سويداني من كبار 22 الذين فجروا ثورة التحرير، يذكر كذلك هرقة عبد القادر، أحمد جلول صديق، أحمد مدغري وهو من كبار المثقفين وغيرهم، ويختم الأستاذ اسماعيل سامعي المداخلة بأنّ قالمة تحاول نفض غبار الماضي وتمشي نحو المستقبل الواعد.