هناك وسط سلاسل جبلية تقبع ولاية قالمة.. محاطة بمساحات خضراء تدعو للتنزه بين الجبال وحقول الأزهار الجميلة، التي تشكل إحدى الروائع التي رسمتها ريشة الطبيعة بألوان دافئة دفء المياه المعدنية التي تخرج من جوفها، وبلمسات ساحرة سحر شلالها الشامخ.. وبهذه الأرض المشهورة بمناظرها الجذابة، سطرت السلطات عدة مشاريع لاستقطاب المزيد من هواة الطبيعة والاستجمام، ليس أقلها خلق ثلاث مناطق للتوسع السياحي وموقعين سياحيين. تقع ولاية قالمة (الولاية 24 من ولايات الجزائر) شمال شرق البلاد، وسط سلاسل جبلية ضخمة، وغابات تشكل موطنا للهدوء والراحة النفسية، وهي قريبة إلى ولايات عنابة، قسنطينة وسوق أهراس. زارت ''المساء'' هذه الولاية مؤخرا في إطار رحلة استكشافية نظمتها وزارة السياحة والصناعة التقليدية بالتعاون مع الديوان الوطني للسياحة.. والإنطباع العام يقول أنه عندما تطأ قدمك هذه الولاية التي يحتضنها وادي سيبوس، تجدك أمام صورة ممتعة عنوانها الخضرة التي تمتد على طول البصر في طرقاتها، وبين هذا وذاك، تتسلل إلى الأذن أنغام مياهها السائلة من الوديان وشلال حمام الدباغ.. وغيرها من الحمامات المعدنية. ما يجعل تضاريسها المعبقة برائحة التاريخ العريق مصدر جاذبيتها السياحية التي يدعمها الثراء الحضاري المتمثل في معالمها الأثرية العديدة. وتستمد هذه الولاية التي تنقسم إلى 10 دوائر و34 بلدية أهميتها الاقتصادية من طابعها الصناعي والفلاحي والرعوي. وفي المقابل تملك مؤهلات سياحية كبيرة تحتاج إلى المزيد من العناية لترقية السياحة بها. عاصمتها مدينة ''كالاما''الرمانية، قالمة حديثا التي توجد في سفح جبل ماونة، وهي المدينة الحاضنة لمعالم أثرية تروي تاريخ الحضارات التي مرت بها منذ غابر العصور.. ومن معالم الولاية -عموما- عدة نقوش ونصب جنائزية تدل على أنها كانت من أهم مدن المملكة النوميدية ل''ماسينيسا''، وأنها كانت مركزا تجاريا هاما للفينيقيين. تعتبر مدينة قالمة من أقدم وأكبر المدن الجزائرية لاحتوائها على عدة معالم تاريخية ونذكر منها؛ الثكنة العسكرية والمسرح الروماني بوسط المدينة، حيث تقام العروض في شهر رمضان... عندما تدخل إلى هذا المسرح الذي نجا بمشيئة المولى من الاستدمار الفرنسي، تعود بك الأيام إلى 400 ألف سنة إلى الوراء.. وبهذا المعلم الذي تم ترميمه بعد الاستقلال، توجد تماثيل على غرار تمثال ''اسكلاب'' إله الطب عند الرومان، وأنصاب جنائزية لاتينية.. ولسوء الحظ، تعرض هذا المسرح سنة 1994 لسرقة مجموعة من رؤوس التماثيل في ظروف غامضة دون أن تظهر إلى حد الساعة. يستقطب المسرح الروماني -بحسب المشرفين عليه- 300 زائر كل شهر، والعدد الذي يتأرجح ما بين 20 و100 زائر خلال هذه السنة، حيث يعد محجة للأجانب خلال فصلي الربيع والصيف، ذلك أنهم يهوون الوقوف على مختلف المناطق التي مر بها القديس أوغسطين مؤسس الفكر المسيحي. لحظات تاريخية عدة ما زالت محفوظة في ذاكرة قالمة الولاية إلى يومنا هذا؛ منها مدينة الأموات بالركنية، مدينة تيبيليس الرومانية بسلاوة عنونة، وهي كلها تضفي بهاء ثقافيا يضاف إلى البهاء الطبيعي الذي يمنحه لها جبل ماونة الذي يوجد على ارتفاع 1411م، ومحمية بني صالح الغنية بثراوتها الحيوانية والنباتية ببوشقوف. بعيدا عن موقع الآثار، تبدو قالمةالمدينة مكتظة بالسكان ومليئة بالمحلات التجارية التي يتطلب التسوق فيها النزول تارة والصعود تارة أخرى تماشيا مع طبيعة الولاية الجبلية.. وفي وسط ساحتها العمومية تكثر حركات الذهاب والإياب لشرائح من مختلف الأعمار، في الوقت الذي يشكل كبار السن حلقات في قلب هذه الساحة التي يظهر للزائر أنها ملتقى لتجاذب أطراف الحديث، وتمضية بعض الأوقات الممتعة بعيدا عن أسوار المنزل. وكان للوفد الصحفي الذي زار هذه الولاية جولة قصيرة وسط هذه المدينة، امتدت من موقع المسرح الروماني إلى فندق مرمورة، حيث تناولنا وجبة الغذاء ذات النكهة التقليدية، ممثلة في ''طاجين بونارين''،''الكسرة'' و''الشخشوخة''... وفي طريقنا نحو الفندق، اختطفنا بعض الدقائق بعيدا عن عين المرشد السياحي ''نور الدين بوعناني'' للدخول إلى محلات الألبسة التي تشكل الأسعار المشهرة بها إغراء كبيرا بالنسبة لسكان العاصمة، نظرا للفارق الشاسع. ويبدو من خلال الجولة الخاطفة أن المدينة يغزوها النشاط التجاري المتمحور أساسا حول الألبسة والحلي والتوابل وغيرها، وينقلك هذا النهج المنطلق من المسرح الروماني من متجر إلى آخر ومن شارع إلى آخر، والملفت أن شوارع المدينة تتميز باتساع المساحات التي تمتد عليها وبنظافتها. وبعد وجبة الغذاء، كانت الوجهة نحو حمام الدباغ (المسخوطين سابقا) والذي لا يمنح للمقبلين عليه الفرصة للاستجمام بمياهه الشديدة السخونة فحسب، إنما يدعو كذلك للفرجة والانبهار أمام شلاله والصخور الأسطورية المحيطة به، ولهذه الأسباب، تعد السياحة في هذه الولاية مرادفا لثلاث كلمات هي؛ التراث، الصحة والترفيه، علما أنها تعتمد بدرجة كبيرة على السياحة الحموية، نظرا لغناها بالحمامات المعدنية والتي يبلغ عددها سبعة (بوشهرين، البركة، أولاد علي، الدباغ، النبائل، بن قرفة، بن طاهر وبن ناجي). وتمكنت قالمة -تبعا لتصريحات مدير السياحة والصناعة التقليدية للولاية ''وحيد بخاخشة''- من استقطاب حوالي 18 ألف سائح خلال شهري جويلية وأوت من السنة الجارية، منهم 1500 سائح أجنبي يجذبهم غالبا المسرح الروماني والشلال المبهر.. أما في عطل نهاية الأسبوع الربيعية، فيرتفع معدل الإقبال ليصل إلى تسجيل أزيد من 10 آلاف سائح من مختلف الولايات، لاسيما العاصمة والجنوب إضافة إلى الأجانب، ويرتقب أن تشهد قالمة ازدهارا سياحيا بموجب البرنامج الخماسي 2010-,2014 والذي استفادت من خلاله من عدة عمليات منها؛ إنجاز وتهيئة مقر لمديرية السياحة بغلاف مالي قدره 7 مليار سنتيم، دراسة لتهيئة ثلاث مناطق للتوسع السياحي بحمام الدباغ، حمام أولاد علي وحمام عين العربي، دراسة لتهيئة موقع سياحي ببئر عصمان، ودراسة في طور الإنجاز بموقع تيبيليس تتعلق بالسياحة الحموية، إذ يتم حاليا إعداد دفاتر شروط لهذه الدراسات لإعلان مناقصة. وتتوفر بولاية قالمة 11 مؤسسة فندقية؛ منها فندقان يمكنهما أن يخضعا للتصنيف وفقا للمرسوم التنفيذي، وهما فندق مرمورة وفندق الشلالة. أما باقي الفنادق لا تتوفر فيها معايير التصنيف. وباختصار، ولاية قالمة هي مقصد الباحثين عن الانتعاش والعلاج عن طريق المياه المعدنية والمحتاجين للانشراح الذي يتأتي من مجرد تأمل مشاهدها الطبيعية.