أوضح عبد القادر معسفن، استشاري تربوي نفسي، أن التربية الوجدانية في العالم العربي مفقودة، لأسباب عديدة، منها اهتمام الناس بالدراسة التعليمية التي تعد تهيئة للموظف مستقبلا، لكن التربية الأخلاقية تتمثل في إعداد الإنسان ومرافقته نفسيا واجتماعيا ووجدانيا من أجل حياة كريمة وسعيدة، وغيابها يخلق أزمة في التربية الروحية، ولا تتم هذه التربية إلا إذا أحسنت الأم إدارة مشاعرها وحقنتها بأسس صحيحة للطفل. خلال الورشة التي نظمها الخبير في التربية مؤخرا لفائدة الأمهات، بهدف مناقشة موضوع الإدارة الذاتية للمشاعر وكيفية حقن التربية الصالحة من الأم للابن، أشار إلى أن التربية الوجدانية لابد أن تكون موضوع الإنسان. وتختلف سبلها وتتعدد أوجهها، لكن أساسها استعمال المشاعر من أجل الوصول إلى تربية صالحة، فليس المهم أن تلد المرأة وإنما أن تربي. مضيفا أن الوجود الإنساني مربوط بالوجدان والوقت، فعلى الإنسان أن يشعر قبل أن يفكر، والمقصود بذلك أن العلم إحساس مربوط بالوجود مثله مثل التربية، فتحرير المشاعر الوجدانية من الداخل كفيل بحقن تلك المشاعر لدى الطفل. وما نشاهده في الدول العربية تبني المرأة ذهنية تربية الطفل بطريقة تجعلها تتناسى مشاعرها لتكون مشاعر أسرتها على حساب راحتها، فتجدها تقول؛ أعيش من أجل أبنائي، لكن ذلك خطأ والأصح أن تقول أعيش مع أبنائي، فعلى الأم تعلم ثقافة العناية بنفسها حتى تنجح في إدارة مشاعرها، بالتالي مرافقة أطفالها بشكل سليم. يذكر الأستاذ معصفن أن أصل التربية قبل الولادة هي تلك العلاقة التي تبنى داخل الرحم، فإذا كانت علاقة الأم بجنينها سلبية، فإن تلك المشاعر السلبية تنبع لديه بعد الولادة وتتطور لتشكل له أزمة نفسية، تتواصل أثارها إلى سن متقدمة من عمره. وتتطور تلك المشاعر السلبية إذا ما كان هناك ضغط على الأم من عوامل خارجية، مثل المشاكل النفسية أو الاجتماعية أو الأسرية، وبذلك سوف يفرز جسمها هرمونات تحفز القلق والاضطراب، وهذا يؤثر على نمو الجنين، وهو تأثير نفسي تهمش الأم حدته بدون وعي. وحول الورشات التي ينظمها لفائدة الأطفال وأمهاتهم، قال الخبير بأن مفادها ليس إعطاء المعلومة، وإنما حقن الوعي لديهم، لأن إعطاء المعلومات متواجد على الأنترنت، لكن الوعي غائب. مركزا على قاعدة دانيل غولمن، صاحب نظرية "الذكاء العاطفي"، التي تنص على أن العلم الجديد مرتكز على العلاقات الإنسانية، التي تبنى داخل البيت". مضيفا أن إطلاق عنان المشاعر والأحاسيس في التربية ضروري، ولا يتحقق ذلك إلا إذا كانت هناك حرية مشاعر عند المربي، تلك الحرية في إدارة مشاعر وأحاسيس داخلية لا تكون إلا بإدارة ذاتية وليست مرغمة. وعن طريقة حقنها في الطفل، يشير معسفن إلى تقبل كل ردود فعله من غضب، حزن، فرح، خوف سعادة وغيرها، وعدم الحكم عليها بأنها سلبية أو إيجابية، وإنما تقبلها، ثم إدارتها بشكل سليم. وفي هذا الخصوص، ينوه إلى إنسانية تلك المشاعر والانفعالات الموجودة للتكيف مع البيئة أو موقف معين، ولا يمكن الحكم عليه إلا بعد تحديد مفهومه بطريقة سليمة من طرف المربي، فمثلا الغضب شعور إيجابي، لأنه يساعد في وضع حدود للشخص، ويتحول إلى سلبي إذا ما أصبح هذا الأخير مقيدا بالانتقام، وذلك خطير لأنه يتحول إلى حسد، فالتعبير عن المشاعر مهما كانت إيجابية أو سلبية في وقتها ومنذ الصغر، يساعد على التخلص منها عند الكبر، وبذلك تفادي تحول الطفل إلى ضحية تلك المشاعر عند التقدم في السن. ومنه فإن غياب الحرية الوجدانية عند الأم يجعلها تجهل طريقة حقن تلك المشاعر الإيجابية في طفلها، وبذلك تصبح الحياة الوجدانية منفصلة عن الوجود وعلى الوقت، فحرية الوجدان وحسن إدارة المشاعر ذاتيا يساعد الأم على مرافقة ابنها منذ الطفولة بطريقة سليمة.